بسام درويش / Nov 29, 2001

الاعتراف بوجود المرض هو أول خطوة يخطوها الإنسان على طريق الشفاء. هذا إذا أراد حقاً أن يشفى من المرض!

لا يذهب أحد إلى الطبيب، إلا بعد أن يصل إلى قناعة بأنه مريض.

بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية حين يبرهن المريض عن رغبة حقيقية في الخلاص من المرض، وذلك بتناوله الدواء وبتطبيق تعليمات الطبيب بحذافيرها.

أما عندما يرفض الإنسان الاعتراف بمرضه، ويقمع آلامه، ويطل على الناس بابتسامة مزيفة، مؤكداً باستمرارٍ لكل من حوله أنه بخير، فإن اليوم الذي يستفحل فيه مرضه، فيقضي عليه وعلى من حوله من الذين أصابتهـمُ عدواهُ، لا بـدّ آتٍ!

******

بعد المجزرة البشعة التي ارتكبها مسلمون متعصبون في باكستان داخل كنيسة، والتي ذهب ضحيتها ثمانية عشر مسيحياً إضافة إلى ما يقارب السبعين جريحاً، أدان الرئيس مشرف هذا الاعتـداء الإرهابي وقال في بيان "إن هذا العمل يهدف إلى بث الفرقة في باكستان حيث عاش المسيحيون والمسلمون دائماً في سلام واحترام متبادل!

******

 في باكستان، هناك قانون ينص على تقديم تعويض مالي لأهل الذين يسقطون ضحايا أعمال عنف كتلك التي حدثت في الكنيسة المذكورة. قيمة التعويض حسب القانون هي مئة ألف روبية باكستانية. لكن وإذ أن شهادة اثنين من غير المسيحيين تعادل شهادة مسلم، فإن كل مسيحي من ذوي ضحايا الكنيسة قد تسلّم خمسين ألف روبية عوضاً عن المئة.

ويُطلَبُ منا أن نصدّق ما يقوله الرئيس مشرف بأن المسيحيين والمسلمين يعيشون باحترام متبادل!!!

المسيحيون يسجنون ويعذبون ويحكم عليهم بالموت في باكستان إذا ثبتت عليهم تهمة التجديف على الإسلام وعلى محمد. أطفال مسيحيون لم يفلتوا من عقوبة التجديف لأنهم حسب ادّعاء البوليس قاموا بكتابة عبارات مسيئة للإسلام على جدار مسجد. التجديف قد يتمثل بزلة لسان من مسيحي تُفسّـر على أنها إهانة للإسلام ونبيّه. ومن يرغب بالاطّلاع على سرد مفصّل لمعاناة المسيحيين في باكستان، فما عليه إلا زيارة https://www.facebook.com/allpakistanchristiancommunity ولكن بالطبع لا يجوز أن يسمح لما يقرأه بأن يؤثّر على مصداقية الرئيس مشرف. علينا أن نصدّق ما يقوله الرئيس بأن المسيحيين والمسلمين يعيشون باحترام متبادل!!!

في مصر، يعاني المسيحيون الأقباط على مدار الساعة من أعمال التمييز، والاضطهاد، والسلب، والقتل، والتضييق. يٌذبحون في كنائسهم، يُقتلون في محلاتهم التجارية، يُحرمون من وظائف الدولة، ويُمنعون من تصليح مراحيض كنائسهم إلا بقرار وزاري.. ومع كل ذلك، يعيش المسيحيون والمسلمون دائماً في سلام واحترام متبادل!.. طبعاً هذا كلام لا شك فيه، إذ علينا أن نصدّق ما يقوله سيادة رئيس الجمهورية وحضرة الوزير ووسائل الإعلام!!!...

في السودان مضى على اضطهاد المسيحيين ما يقارب الثلاثين عاماً. عصابات الحكومة السودانية تختطف أبناءهم وبناتهم لبيعهم كالعبيد. ولكن علينا أن نصدّق ما يقال لنا بأن المسيحيين في السودان كانوا ولا زالوا يعيشون مع المسلمين دائماً في سلام واحترام متبادل!

الآشوريون والكلدان وغيرهم من الطوائف المسيحية في العراق، هرب منهم من يستطيع الهرب إلى السويد وكندا والولايات المتحدة، وكلهم يتندمون على الحياة التي كانوا يعيشونها مع المسلمين في سلام واحترام متبادل!

في الأردن، قامت الدنيا ولم تقعد بسبب اقتراح رُفع إلى البرلمان للسماح للمسيحيين بتلقي علوم الديانة المسيحية في المدارس. وطبعاً.. لم يكن ذلك إلا دليلاً على التعايش بين المسيحيين والمسلمين وعلى علاقة السلام والاحترام المتبادل بينهم!!!

في المغرب، ألقي القبض على مسيحيين دخلوا البلاد وبحوزتهم نسخ من الإنجيل، صادرتها السلطات الجمركية باعتبارها مادة خطرة. سُجن المسيحيون المجرمون المهربون وصودرت أموالهم ثم أطلق سراحهم بعد دفع فدية كبيرة. وكذب من يقول بأن المسيحيين والمسلمين لا يتعايشون ولا يتبادلون الاحترام والسلام.

في السعودية، حيث ذهب الأميركيون للدفاع عنها وحمايتها من أنياب شقيقتها، غضب السعوديون لمرأى الصلبان على أعناق الجنود الأميركيين، لا بل غضبوا من الطوابع البريدية الملصقة على الرسائل التي كانت تصل إلى الجنود الأميركيين لأنها كانت تحمل رموزاً مسيحية، فخصصوا لها موظفين يخلعونها عن المغلفات كي لا يتعارض وجودها مع مبادئ الدين الحنيف. وطبعاً، المسلمون يحترمون المسيحيين وهم مستعدون للذهاب إلى أقصى الحدود ليعبروا عن احترامهم وتعايشهم معهم!

في سورية، ورغم صرامة الحكم في تعامله ـ ولمصلحته الخاصة طبعاً ـ مع أي إنسان يثير أية نعرة طائفية، فإن المسيحيين يعيشون حذرين متنبهين قلقين، عين على الماضي تأخذ منه العِبَـر، وعين على الغد تخشى مما قد يحمله معه من خطر. ومع ذلك، فالمسيحيون يعيشون مع المسلمين باحترام وسلام متبادلين وثقة ما بعدها ثقة. طبعاً.. المسؤولون يؤكدون ذلك وهل يشكك أحد بصحة قول المسؤولين!

المسيحيون في لبنان لا يمكن لأحد أن ينكر فضلهم، ليس على بلدهم فقط بل على كل الأنظمة والشعوب العربية المجاورة أو القريبة. جعلوا من لبنان منارة على شاطئ شرق مظلم. كره الإيرانيون والعراقيون والسعوديون والليبيون والفلسطينيون أن يروا بلداً يحكمه مسيحي، فاستغلوا هذا "التعايش والتسامح والاحترام المتبادل!! بين المسلمين والمسيحيين" ليشعلوا بينهم حرباً دامت ستة عشر عاماً ولا زالت جمارها متقدة.

في نيجيريا، سقط مؤخراَ مئات المسيحيين قتلى لأن امرأة مسيحية أخلّت باتفاقية "السلام والتعايش والاحترام المتبادل" بمرورها أمام مجموعة من المسلمين كانوا يقيمون الصلاة على الرصيف فأفسدت بذلك عليهم صلاتهم.

في إندونيسيا يعبّر المسلمون عن تعايشهم مع المسيحيين واحترامهم لهم بتهنئتهم في أعيادهم بحرق كنائسهم.   

******

هل يمكن حقاً لعلاقات سليمة مبنية على الاحترام المتبادل أن تقوم بين المسلمين والمسيحيين؟..

بالطبع. ولم لا؟.. الأمر لا يحتاج إلا إلى خطوتين. الخطوة الأولى، هي الاعتراف بأن علاقات كهذه لم يكن لها أساساً من وجود، وبذلك يتم الاعتراف بالمرض. أما الخطوة الثانية فهي الذهاب إلى الطبيب لتحليل أسباب المرض ومن ثم تقبّل العلاج حتى لو كان الكيّ أو البتر والخلاص من بعض كتب الطب التي كان يرجع إليها الناس في القرن السابع بحثاً عن علاج... آنذاك فقط يمكن أن يتم الشفاء!  

******

(موقع الفيس بوك المشار إليه في المقال أضيف حديثاً حيث أن الموقع المذكور سابقاً والخاص بالباكستانيين المسيحيين قد توقف عن العمل)

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط