بسام درويش / Dec 01, 2001

فيما عدا الفوارق الجسدية والنشاطات الخاضعة لتأثير هذه الفوارق، أثبتت المرأة أنها ليست فقط مساوية للرجل في كل شيء، بل أنها منافسة قوية في مجالات عديدة كان الرجل فيما مضى يظن أنها حكراً له. رغم ذلك، لا زال بعض الناس، حتى من بين أولئك الذين يدعمونها في مسيرتها، يعتقدون أن هناك حدوداً لا يمكنها أن تتخطّاها، أو أن هناك وظائف معينة لا يمكن لها أن تشغلها بنفس الكفاءة التي يشغلها بها الرجل.

ماذا يقف في وجه المرأة يمنعها من أن تشغل مناصب لم تشغلها من قبل، وخاصة في المجتمعات المتقدمة على غيرها في عالم الحضارة العلمية والإنسانية؟..

نحن لا نتحدث عن منصب رئاسة الجمهورية في أقوى دولة في العالم كالولايات المتحدة الأميركية مثلاً. فهذا الأمر لا بد من حدوثه حتماً، وليس في الدستور الأميركي ما يمنعها من ذلك. كل ما هنالك أن الشعب يعرف تماماً مقدار تأثير هذا البلد على العالم بأسره، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وهذا ما يجعل الاختيار صعباً حتى بالنسبة للمرأة الأميركية الناخبة. وفي الواقع، فإن هذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على مقدار وعي الشعب الأميركي وتقديره لمسؤولية الولايات المتحدة كدولة رائدة.

إننا نتحدث عن مناصب حساسة أخرى ومن بينها على وجه الخصوص، المناصب الروحية في أكبر مؤسسة دينية في العالم وأعظمها تأثيراً عليه، وهي الكنيسة الكاثوليكية.    

ماذا يمنع المرأة من أن تكون كاهنة في هذه الكنيسة؟ لا بل ماذا يمنعها أن تشغل منصب "المطران" أو "البطريرك" أو حتى منصب "البابا" فيها؟

لا شيء في الحقيقة يقف في وجه ذلك!.. وحدهم فقط الذين يعيشون بأجسادهم في عالم اليوم بينما تعيش عقولهم في عالم الماضي هم الذين يصعب عليهم أن يروها على رأس مناصب لا تصلح في نظرهم إلاّ للرجل. وهم إن سُـئِلوا عن الأسباب ترددوا واحتاروا. بعضهم يعود إلى الفوارق الجسدية وتأثيراتها فيدّعي أنها هي الحائل، وأن أهم تلك التأثيرات حسب ما يدّعي، عاطفيّتها في اتخاذ القرارات، وإمكانية تهاويها في المواقف الصعبة. وبعضهم الآخر يعود إلى الدين ينقّب فيه عن جواب إلهي يريحه من مواجهة الحقيقة.

هل حقاً أن المرأة تتهاوى في المواقف الصعبة وهل حقاً أنها غالباً ما تخضع لعاطفتها في اتخاذ القرارات المهمّة؟.. وبالنسبة للآخرين الذين يتكئون على المصادر الإلهية، هل بحوزتهم على ما يدّعون من دليل؟

أيقول لنا أصحاب نظرية العواطف أن رؤساء الدول والملوك لا يقعون تحت تأثير العواطف والانفعالات وهم يتخذون القرارات المهمة سواء كانت في إعلان الحروب أو السلام؟

هل قرارات رؤساء الدول والملوك والجنرالات العسكريين التي أدت إلى إزهاق أرواح الملايين من البشر قرارات صادرة عن عقول لم تتأثر بعاطفة أو لم تخضع لانفعال؟    

هل تحكّم العقل السليم في هتلر حين قاد العالم بأسره إلى حافة الهاوية أو حين أزهق أرواح الملايين من اليهود بحجة أنهم خطر على البشرية؟

لا بل هل تحكّم أو يتحكّم عقل متّزن سليم بأي بادئٍ بحربٍ في أي زمانٍ أو أي مكانٍ من العالم؟ أكانت عقول أولئك بعيدة عن تأثير العواطف والانفعالات حين أدت قراراتهم التي اتخذوها إلى تيتيم الأطفال وترميل النساء وتدمير العمران وحرق المكتبات وغير ذلك مما حل ولا زال يحل بالبشرية من نكبات؟

هل الرجل منزّه عن الغضب والتعصب والحزن والطمع والرغبة بالثأر والأنانية وغير ذلك مما يؤثر بالتأكيد على القرارات التي يتّخذها؟ وإذا قلنا أن المرأة هي أيضاً غير منزّهة عن تلك الصفات البشرية، أفلا نقرّ أنها على الأقل تتمتّع بمقدار أكثر من الرقّة مما يتمتّع به الرجل؟

أمّـا إذا كانت هذه الرقّة التي تتميّز بها المرأة هي التي تخيف الذين لا يرونها أهلاً للحكم، أفلا يجوز القول بأنّ هذه العاطفة الرقيقة ربما تكون هي الأمل  للخلاص من كوابيس الحرب والأمراض والفقر التي تعاني منها البشرية تحت إدارة الرجل؟

ربما يصحّ القول هنا أنه قد آن للعالم أن يجرّب حكم الأمهات عوضاً عن حكم الآباء!

إننا في الحقيقة، إذا أردنا التزام جانب المنطق نقول، إنه لا الرجل هو أفضل من المرأة، ولا المرأة هي أفضل من الرجل في إدارة شؤون العالم، أكان ذلك فيما يتعلق بالاقتصاد أو السياسة أو التشريع أو غير ذلك. ولا شك في أن المرأة قد أتثبت هذه النظرية بكل جدارة، واليوم الذي تزول فيه كل الفوارق بينها وبين الرجل لا بدّ آتٍ. إنّ البشرية بحق بحاجة إليهما معاً وفي كل المجالات.

**********

لكن، وانطلاقاً مما أتينا على ذكره، هل يمكننا الجزم وبتلك الثقة نفسها حين يتعلّق الأمر بالكنيسة الكاثوليكية والتي هي في الحقيقة بيت القصيد من موضوعنا هذا؟.. إن الجواب على ذلك هو "نعم"، وبكل تأكيد!..

إن وضعَ المرأة في الديانة المسيحية لا يدانيه وضع للمرأة في تعاليم أية ديانة أخرى. الديانة المسيحية لا تضع أية عوائق في وجه المرأة ولا تمنع المرأة من إشغال أي منصب يمكن لها أن تشغله، وإنه من المضحك حقاً أن نرى الذين لا يستطيعون أن يجدوا في الإنجيل دليلاً يدعم آراءهم المتخلّفة فيقومون بالتنقيب فيه عن كل العبارات التي تذكر "الرجل" دون "المرأة"، أو أن نسمعهم يتفذلكون مدّعين أن المسيح نفسه لم يختر تلاميذه إلا من بين الرجال. أولئك في الحقيقة هم من الناس الذين لا يقيمون لفارق الزمان وزناً، وهم في الحقيقة وراء ابتعاد الكثيرين عن الدين وذلك بسبب تعلّقهم بالحرف وابتعادهم عن الجوهر. نقول "تعلّقهم" ولا نقول "إيمانهم"، لأنّ التعلّق بأهداب الدين لا يعني إيماناً به أو عملاً بتعاليمه. 

إننا لو قمنا بتطبيق كل ما علّـم به المسـيح من رموز بكلماتها وحروفهـا لوجدنا اليـوم المسيحيين كلهم عوراً أو عمياناً. وأولهم بالطبع أولئك الذين يشـددون على حرفيّـة التعاليـم. أفليس المســيح هو الذي قـال: "فإن كانت عينـك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم." (متى 5 : 29 )

من هو على وجه الخليقة يمكن له أن يقول بأن عينه لم تعثره مرة واحدة في حياته؟..

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط