شكراً محمد المنجد
حسين ديبان / Sep 29, 2008

خلف الابتسامات الساخرة التي أطلقها أشهر مقدمي البرامج ونشرات الأخبار في العالم، والتي كان سببها فتوى قتل الفئران ومن ضمنها الفأر الكارتوني الشهير ميكي ماوس التي أطلقها رجل الدين الوهابي "الفلسطيني السوري" محمد المنجد في أحد البرامج على شاشة قناة المجد، كانت الرسالة قد وصلت الى الجمهور الغربي "الكافر" وملخصها التالي: اذا كان القتل والقتل فقط في كل الاحوال (في الحِل والحرُم) هو مصير الفئران حتى الكارتونية منها في شريعة محمد، فما مصيرنا نحن الكفرة؟.

 

 شخصياً، كما غيري، لا نعلم شيئا عن أصول صاحب الفتوى محمد المنجد، هل هو فلسطيني أم سوري أم كلاهما معا؟ أي فلسطيني من سكان سوريا، ولكن الجميع يعلم ان المنجد هو رجل دينه الاسلام ومذهبه الوهابية ومنبره السعودية ومساجدها، والرجل بهذه الفتوى لم يأتِ بشيء من فلسطينيته او سوريته اذا جاز التعبير، ولكن كل ما في الأمر ان ما أطلقه من دعوة الى القتل بحق الفئران قد أتى به من دينه، ولم يجتهد الرجل اجتهادا او يستنبط استنباطا او يشتق اشتقاقا او يُحمِل نصوص دينه ما لا تحتمل، فحكم الفأر وغيره في شريعة محمد واضح كل الوضوح ولا مكان فيه لاجتهاد أو استنباط أو اشتقاق.

 

ورد في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي قال: خمس فواسق تقتلن في الحِل والحُرم، الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديّا، واذا كان هنا من اجتهاد أو استنباط او اشتقاق فالأمر يتعلق بكيفية القتل وليس القتل بحد ذاته، وهل يجوز قتلها بالكهرباء او اغطاسها بالماء حتى الموت أو إبقاؤها في المصيدة تحت الشمس حتى تموت أو حرقها بالنار، وحين سُئل عدد من رجال الدين المسلمين الوهابيين ولا أقول السعوديين أو المصريين عن أحكام القتل تلك أجمعوا كلهم على جواز قتل الفئران بالصعق الكهربائي لانها عملية سريعة ولا تسبب الآلام - لاحظوا ذلك جيدا - للفئران المقتولة في حين انهم حرموا بقية وسائل القتل لانها تسبب الآلام، وهم في هذا لم يستندوا الى سعوديتهم ولا لمصريتهم وانما استندوا في ذلك الى نصوص نبيهم، فقد روى مسلم عن شداد بن أوس ان محمدا قال: ان الله (يقصد الهه) كتب الاحسان على كل شيئ، فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة، واذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته. يا له من احسان هذا الذي أتى به محمد والهه؟ فلك أن تقتل ولكن لا تعذب. انها نصوص تثير القرف والضحك بآن واحد، كما انها يجب أن تثير حاسة الانتباه الشديد لدى عامة الناس في الشرق والغرب من مخاطر تلك النصوص على أرواحهم وممتلكاتهم ومنجزاتهم الحضارية.

 

لا أعلم ما الغاية التي يريد ان يصل اليها الاعلام السعودي بالتركيز على فلسطينية محمد المنجد أو سوريته، وان هناك من طالب بترحيل المنجد الى سوريا او اي مكان آخر، خصوصا بعد ان أوردت كل البرامج ونشرات الأخبار العالمية ان المنجد هو رجل دين سعودي، ولن يغير كل الصُراخ السعودي أي شيء في وقت لا يطَلع على الاعلام السعودي حتى السعوديين انفسهم بسبب غياب الحرية والموضوعية والمهنية، وكثير من الامور الاخرى التي يحتاجها الاعلام حتى نستطيع أن نطلق عليه صفة اعلام، وبالتالي فان الزعيق السعودي حاله حال "ضرطة في سوق الصفافير" لن يسمعها أحد حتى تثير انتباهه.

 

الأنكى من ذلك ان محمد المنجد كان يعمل دبلوماسيا في السفارة السعودية في واشنطن، وهنا اسجل ملاحظتين: الاولى تخص القائمين على اوراق اعتماد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأمريكية والمقاييس التي يتم اعتمادها لقبول دخول شخص كدبلوماسي الى الاراضي الامريكية، ومدى جدية الدراسات والبحث الأمني التي تقوم به الدوائر المختصة عن شخصية القادم الدبلوماسي الجديد، وهل يشكل خطرا على الامن الامريكي أم لا؟ وآمل أن تكون الرسالة قد وصلت لتلك الدوائر... أما الملاحظة الثانية، فتخص أولي الأمر في مملكة بني وهاب الذين يريدون اليوم التبرؤ من الرجل وهم الذين احتضنوه وربوه حتى صار جديرا وهو الفلسطيني السوري وليس السعودي بتبوأ كرسي دبلوماسي في أهم سفارة للسعودية في العالم...! ألا يعني هذا ان الرجل كان سعوديا أكثر من السعوديين أنفسهم ووهابيا أكثر من الوهابيين أنفسهم، والوهابية هي لازمة ضرورية يجب أن تتوفر للشخص في السعودية حتى يتمكن من تبوّء أي منصب، حالها حال البعثية في النظام الديكتاتوري السوري، والفصائلية في الحالة الفلسطينية فان لم تكن حمساويا او فتحاويا او في درجة أدنى من الفصائل الاخرى فلا تحلم يوما بوظيفة حتى لو كانت عامل تنظيفات مع احترامي الشديد جدا لهذه الوظيفة بالذات.

 

ان رجال الدين في سوريا وكلهم من الرفاق البعثيين مختصون بالفتاوي السياسية التي تخدم بقاء النظام القمعي الطائفي في سوريا، وكان آخرها فتوى مفتي سوريا الذي كفر فيها أي زعيم عربي لا يحضر القمة العربية التي انعقدت في دمشق في مارس الماضي، كما ان رجال الدين المسلمين في الاراضي الفلسطينية شغلهم الشاغل هو اصدار الفتاوي لفتح وحماس في تناقض يفضح النصوص التي يستند اليها هؤلاء الفقهاء، فكل شيء حلال وحرام في ذات الوقت. هنا تصبح الصلاة في العراء مباحة لأتباع فتح، بينما تكون حرام حسب فقهاء حماس، ويصبح قتلى فتح كفرة بينما قتلى حماس شيعة روافض، وقريبا ستكون هناك فتاوي من الطرفين، مفتي فتح سيُحلل لابو مازن الاستمرار بالرئاسة حتى بعد انتهاء مدة رئاسته الدستورية، بينما سيحرم المفتي الحمساوي الاعتراف بشرعية ابو مازن، وهناك بعض الفقهاء الذين اختصوا بمسائل أكبر من السياسية ومثالها رجل الدين الفلسطيني الذي أصر على ان "المهدي المنتظر" قد وُلد في قطاع غزة وعمره الان أربع سنوات وهو بصحة جيدة ويعيش تحت حراسة مشددة، ولا نعلم لماذا لا يحرك ساكنا تجاه الأوضاع المأساوية هناك، رغم ان أخبار سابقة قد ذكرت على سبيل الطرفة ان المهدي قد ظهر حاملا سيفه، وحين رأى الطائرات والصواريخ هرب عائدا من حيث أتى!

 

 المسألة لا تتعلق بتاتا في الجنسية، وانما بالنصوص التي يستند عليها أصحاب الفتاوي الذين يحرضون على قتل البشر "قتل للابرياء في كل مكان" والشجر "تحريم الورود" والحجر "تدمير تماثيل بوذا"، ومع ان اغلب الارهابيين الذين فجروا الطائرات المدنية في الحادي عشر من سبتمبر هم من حاملي الجنسية السعودية، وأغلب الارهابيين المتواجدين في افغانستان سعوديون، وأغلب الذين يفجرون أجسادهم النتنة في تجمعات الابرياء في العراق سعوديون، وأغلب فتاوي القتل والتحريض عليه ومعاداة كل ماهو انساني وجميل أصحابها سعوديون، ورأس الارهاب في العالم "بن لادن" سعودي، وأغلب المال الذي يُضخ في جسد الارهاب هو مالٌ سعودي، ومع ذلك فلم نشر يوما أو نقصد توجيه التهمة لجنسية الارهابي بقدر ما كان تركيزنا على دينه الذي يعتنقه، والنصوص التي يؤمن بها، والتي يستمد منها كل هذا الغِل والحقد والكراهية. لقد اختلف الارهابيون في جنسياتهم فمنهم الفلسطيني والسوري والسعودي والمصري والباكستاني والافغاني الخ، لكنهم اشتركوا جميعا في نصوص واحدة، جمعتهم على كره الآخر وصولا الى قتله، ووحدتهم على احتكار الحق والحقيقة.

 

لم تتوقف فتاوي القتل يوما ولكن الفارق بين اليوم والأمس هو في تطور وسائل الاتصالات، هذ التطور الذي استفادت منه مجموعة امتلكت رؤية صائبة، تمكنت من خلالها من ادراك أبعاد خطر الارهاب الاسلامي، فجندت كل ما تملك من مال وجهد ووقت لمراقبة وسائل الاعلام الاسلامية، وتسجيل كل البرامج الدموية واعادة اتاحتها أمام المشاهد في الغرب والشرق، حتى يدرك حجم الخطر الذي يهدد حياته ومنجزاته الحضارية، وهو ما أعتقد ان هؤلاء قد نجحوا به الى حد بعيد ساعدهم في ذلك الكمية الكبيرة من برامج وفتاوي القتل والتحريض عليه التي تُبث على مدار الساعة، وآخرها فتوى محمد المنجد الذي شكلت عونا كبيرا لهؤلاء في مهمتهم لشرح مخاطر الارهاب الاسلامي، نظرا للصدى الاعلامي الواسع جدا الذي لاقته تلك الفتوى.

==============

حسين ديبان   hdiban69@yahoo.com

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط