هشام محمد / Nov 10, 2006

ـ 1 ـ

من العبارات الدارجة في لغتنا المحكية أن يقول أحدهم " يا أخي...الله عرفناه بالعقل".  يلتقط المتكلم هذه العبارة لتحفيز الطرف الآخر لإعمال المنطق في مسألة ما تماماً كما يهتدي العقل لمعرفة الله بلا وساطة.  حسناً، أنا هنا لن أناقش قضية وجود الله من عدمه إذ أنها لا تعنيني كثيراً. زد على ذلك، أن الإيمان بوجود الله يتسلل كأشعة الشمس عبر كوة القلب ليملأ الروح دفئاً وطمأنينة، لكنه ينكسر وينحني بتواضع أمام متطلبات العقل من براهين مادية وأدلة ملموسة.  إنّ من يتشدق بتلك العبارة لم يسبق له، كما أظن، الدخول في مغامرات عقلية توجت آخر المطاف باكتشاف هذا النور الإلهي.  كل القضية أننا ورثنا الله كما نرث ديننا وعاداتنا ولون عيوننا وبشرتنا.  أليس من العجيب أن تصب كل الاكتشافات العقلية بما يفترض أن تحمله من نزعات فردية ومناهج متباينة في يم واحد، اسمه الله؟  ثم، لماذا لم يكتشف العرب الله قبل الدعوة إلى الإسلام؟  ولماذا لا يصل الصيني والهندي ورجل الغابة ورجل الاسكيمو إلى الله كما وصلنا إليه؟  العجيب أن العقل المسلم لم يكتف بالإعلان عن العثور على الله فحسب، بل أنه يقطع بوحدانيته مدللاً على أنه لو وجد أكثر من إله في السماء لدبت الفوضى في الكون.  لا يبدو أن هذا العقل الذي يؤسس قناعاته الصلبة قد قيض له، مثلاً، الاطلاع على التجارب والأفكار الدينية الوثنية القديمة وهي تشيد صروح من الآلهة تتقاسم فيما بينها وظائف الطبيعة وتجليات الكون وكعكة السلطة.  ولم تُتَحْ له فرصة الوقوف على نماذج إدارية وسياسية معاصرة تقوم على تضافر الجهود الجماعية من أجل خدمة هدف محدد.  ولا يبدو أن هذا العقل قادر على الاقتناع أن وجود أكثر من إله لا يقتضي بالضرورة التنافس والصراع، بل قد يسفر عن تعاون مثمر وبنّاء من أجل انسيابية حركة الكون وضمان دورة عجلة الحياة.  من الطبيعي أن يرى العقل العربي في تعدد الآلهة صنواناً للفوضى والخراب، فهو يلقي ظل الصراعات القبلية والتناحرات الفردية من أجل السلطة على سلوك الآلهة.  ولعله صار من المألوف أن الله (الخالق)، هو في حقيقة الأمر، ظل للإنسان (المخلوق).  انظر كيف يبدو هذا الإله فظاً ومتعطشاً للدماء والقرابين البشرية تماماً كما يتصرف الإرهابيون.  زبدة الكلام، أن الله هو مرآة تعكس ثقافة وسلوك المعبود، فالمؤمن المسالم يرى الله وديعاً ورحيماً وغفوراً، والمؤمن المتعصب والعدواني يرى الله جباراً وماكراً وقهاراً.

 

ـ 2 ـ

إني لا أعجب من قدرة هذا العقل الفائقة على اختراق حجب الغيب والظلمات لتصافحه أنوار الإله المتربع فوق عرشه العلوي، في وقت لا يشعر فيه بوخز أسئلة تتناسل مع اكتشاف الله المبهر.  إذا كان المسلم يثق بقدرة العقل في التعرف على الله فيجب أن يمنح عقله فرصة إضافية للإجابة على الكثير من الأسئلة والشكوك التي يجرها هذا الاكتشاف المثير.  إن الإيمان بالله هو الخطوة الأولى، وليس الخطوة الألف.  لكن مشكلة العقل لدينا أنه يختار النتيجة مسبقاً، ثم يضع الأسباب لاحقاً.  إن العقل الذي يحمل المؤمن إلى خط النهاية، حيث يوجد الله، حري به أن يتملكه نوع من القلق الإبراهيمي (نسبة إلى النبي إبراهيم) فيطرح على ربه أو على نفسه أسئلة مثل:

لماذا يعاقب الله إبليس باللعنة الأبدية بالرغم من أنه رفض السجود لبشر دون الله؟  أيكون جزاء رفض الإشراك بالله النفي والحرمان؟

لماذا يحكم الله على نسل آدم وحواء بالطرد من الجنة والشقاء في الدنيا؟  أليس هو من قال في قرآنه بعد قرون مديدة "ولا تزر وازرة وزر أخرى"؟  أيأخذ الله الأبناء بذنب الآباء؟

لماذا يسلط الله غضبه الأعمى على القرى التي أبى كبارها التصديق برسالة أنبيائه؟  ما ذنب الصغار والعجائز والحيوانات ليصب عليهم عذابه المدمر؟

لماذا يتعصب الله لبني اسرائيل دون باقي الشعوب؟  ولماذا يرسل لهم النبي تلو النبي؟   أوليست باقي الشعوب والأمم أبناء للرب؟  أين العدالة إذاً؟

لماذا ينتدب الله أفواجاً من الأنبياء والرسل لمنطقة الشرق الأوسط دون باقي مناطق العالم الأخرى؟ 

لماذا يخلق الله أطفالاً مشوهين في الدنيا ليعانوا العذاب والفشل في الاندماج مع المجتمع؟

لماذا يتوعد الله غير المؤمنين بألوان لا نظير لها من العذاب الأبدي؟  وهل تتساوى أخطاء البشر بالعقوبات من حيث النوع والزمن؟

لماذا لا يرقى الله بسلوك أهل الجنة فيكافئهم بجوائز تسمو فوق شهوة الجنس الحيوانية وأنهار الخمر واللبن؟

لماذا ينحاز الله للذكور دون الإناث فيفرض على الأنثى الحجاب في الدنيا والتهميش في الآخرة؟

لماذا لم يتكفل الله، فعلاً لا قولاً، بتنقية القرآن من العثرات النحوية والزلات التاريخية والمغالطات العلمية؟

لماذا لم يحسم القرآن قضية الحجاب والنقاب والخمار بشكل قاطع بدلاً من كل هذه الفوضى والمصادمات فيما بيننا ومع الغير؟

هل أزيد أوجاعكم أم يكفي؟

 

ـ 3 ـ

لنكن صادقين مع أنفسنا ولو مرة، ولنتوقف عن تغليف الله بورق السولوفان الفاخر (العقل)، ولنتوقف عن الترديد السقيم والأجوف لعبارات الأعرابي الذي ربط الكون بالله كما ربط البعرة بالبعير.  إن التفكير والتأمل والتدبر العقلاني والمجرد من العواطف والإيمان لا يفتح باب الله بل يفتح باب الشيطان والشك.  إذا كان الله حقاً قد جعل من العقل، لا الخرافة والغيب والتسليم، درباً يفضي إليه، فهو لن يستشيط غضباً لو سرنا في دروب الليل وحقول الشك حاملين مصابيح العقل باحثين عن إجابات للأسئلة الممنوعة في الزمن الممنوع.      

==================

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط