هشام محمد / Jan 15, 2006

ـ 1 ـ

أليس من العجائب أن مثلي

يرى ما قل ممتنعاً عليــــه

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً

وما من ذاك شيء في يديه

إليه تحمل الأموال طرا

ويمنع بعض ما يجبى إليه

تنسب الأبيات الثلاث الموجوعة إلى الخليفة العباسي "المعتمد" بعد أن حرمه أخوه وولي عهده "الواثق" من الحصول على ثلاثمائة دينار فقط لا غير شحذها الخليفة لسمره وسهراته الباذخة. تلك الأبيات صارت فيما بعد تعبيراً واقعياً عن فقدان خلفاء بني العباس لسلطاتهم الزمنية وتحولهم إلى دمى يتداولها الأتراك حيناً والفرس حيناً أخرى. لقد بلغت التراجيديا أعلى دراجاتها السوداوية حينما سمل الضباط الأتراك عيني الخليفة "القاهر" حتى سالت على خديه، ثم ألقي به في شوارع بغداد يتسول الصدقة من الناس، بعدما كان يوماً أمير المؤمنين وظل الله على الأرض ومفتاح خزائن المال يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.


ـ 2 ـ

عندما تستعاد ذكرى ذاك التاريخ البعيد وما آل إليه الخلفاء من مصير تتداعى لي صورة الله عز وجل. الله خالق السموات والأرضين السبع، ومسبب الأسباب، ومفتح الأبواب، ومقدر الأمور، ومدبر الدهور، واجب الوجود، وخالق الأخلاق والجود، مفيض العقل وواهب الكل. الله الذي أبدع الكون، الله الذي يسبح باسمه كل ما في الوجود، الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور استبد به بعض من أبنائه القساة قلوبهم.


حبسوا الله بين جدران النص الأسمنتية الباردة، ثم أوصدوا الأبواب وأخفوا مفاتيحه. لقد اختطفوا الله بعيداً، ووضعوه في مكان لا يعرف مكانه إلا هم. منحوه الألقاب والأسماء والتشريفات لكنهم صادروا أختامه الإلهية ليصادقوا على صكوك الجنة لمن يرضونه وقرارات الإعدام لمن يكرهونه.


هؤلاء الأشقياء وجدوا منذ الخليقة ومنذ فجر الأديان، كانوا دائماً ينفشون ريشهم كالطواويس، يسمعون أخوتهم كلاماً جارحاً، ويصفونهم بالجهل والكفر والجحود. اليوم هم أكثر عدداً من الأمس، وأكثر شراسة من الأمس، وأشد أنانية وغباء وتحجراً من الأمس.


لقد أعد الله لعباده جنات عرضها السموات والأرض، لكنهم يريدونها لهم دون سواهم، يريدون نساء وقصور وخمور الجنة والتقلب في نعيم حدائقها الغناء لهم لا يشاركهم فيها بقية أخوتهم. عندما يزل لساني داعياً بالرحمة لقس متعفف عن الدنيا، أو لطفل يهودي بريء، أو لفقير مسالم بوذي، تخترق نظراتهم جمجمتي، ويجلدونني بألسنتهم، وربما تساءلوا فيما بينهم عن صلابة عقيدتي ونقاء إيماني.


قبل مئات السنين
طمأن الله عباده في القرآن بأنه سيدفع الأذى عنهم (إن الله يدافع عن المؤمنين) لكنهم كأنما كفوا الله مؤونة الدفاع عن عباده، فتقلدوا سيف الله، ونظموا حزب الله، وشكلوا جند الله. صاروا يتحدثون باسم الله، ويكذبون بصفاقة على الله، ويحترفون الإرهاب بألوانه باسم الله.


إن من يجرني بالسلاسل للمسجد، أو يأمرني بإطفاء صوت الأغاني، أو يسد طريقي كي لا أدخل سوقا تجارية فلا أتحرش بامرأة ولا هي تتحرش بي لا يقل عندي بشاعة وهمجية من نظيره الذي يفخخ جسده بالمتفجرات لينثر شظايا الموت والدمار. حدق في وجهيهما فلن تجد اختلافا كبيراً، أحدهما يصادر حريتك والآخر يصادر حياتك، وكلاهما يدعي أنه يحمل تفويضاً إلهياً غير قابل للنقاش، وكلاهما منتشيان بخمر إيمانهما فلا يرونك
إلا كافراً تستحق ذبح النعاج أو فاسقاً تستحق أن تفرك أذنك.


إن الله الذي يحاصروننا به، ويجلدوننا به صباح ومساء، ويصعدون إليه على سلالم دماء البعض منا لا يشبه في شيء ذاك الإله العطوف الودود والمحب لمخلوقاته. لقد جردوه من شمس السلام وأسراب الحمام وأغصان الزيتون. استبدلوه بإله يضيق بأنغام الموسيقى، ويحنق لرؤية وجه أنثى، ويسخط لرسم لوحة تشكيلية، ويتنسم دماء البشر والخراف.


هذا الإله المتحرق للخراب وحمامات الدم لا يشبهه إلا "يهوه" ذاك الشيطان اليهودي الذي يجوس ليلاً ويتوارى من ضوء النهار. نعم! إنه هو ذاك الإله الرعوي الملطخ بالعار. لقد ورثناه كما ورثنا شرائع اليهود وعادة الختان والأساطير المنحولة. استبدلوا قلنسوته ونجمته السداسية بهلال وكوفيه، أما الله المحب للجمال والسلام فقد حبسوه.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط