بسام درويش / Dec 12, 2001

"الله يستر عليها"، عبارة معروفة تتردد على ألسنة الناس من المسلمين.

 يقولها الرجال عند التحدث عن أنثى أو عند رؤيتها، سواء كانت طفلة رضيعة أو بنت خمس سنوات، أو شابة أو عجوزاً. والقصد من العبارة هو الدعاء إلى الله أن لا يظهر لها عورة على غريب أو أن لا يمسّها غريب أو أن لا تتسبب في فضيحة لعائلتها بتورطها بعمل يتعارض مع مبادئ الدين أو تقاليد المجتمع.

تقال العبارة بصورة الغائب التي ذكرناها، "الله يستر عليها" أو بصورة المخاطب يوجهها الرجل للمرأة مباشرة بسبب أو بدون سبب، "الله يستر عليكِ"، وتتقبلها المرأة خانعة ذليلة وهي تسمعها من الرجل.  ومن النساء من يغضبن لسماعها فما أن يبتعدن عن الرجل حتى يُعبِّرن عن امتعاضهنّ ويكلن له من الشتائم ما يتفق مع طبيعة كل واحدة منهن.

هذه العبارة تقال للأنثى ولا تقال للرجل؛ لأن المرأة في المجتمع الإسلامي هي العورة وليس الرجل.  هي عورة لا تجوز أن تظهر حتى أمام الأعمى كما جاء عن أم سلمة إذ قالت: "‏كنت عند رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وعنده ‏ ‏ميمونة ‏ ‏فأقبل ‏ ‏ابن أم مكتوم ‏ ‏وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب فقال النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏احتجبا منه، فقلنا يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا، فقال النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏‏أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟.."

أما الرجل، فلا أحد يدعو له بالسترة إذ ليس هناك شيئاً يفعله يستوجب الدعاء بالسترة. الرجل ليس مصدر الفضائح بل نساؤه وبناته وكل إناث عائلته. لذلك إن دعا له أحدهم بالسترة فإنما يدعو بالسترة على "حريمه" وليس على شخصه فكرامته ليست في عرضه هو بل في عرض حريمه وحريمه هنّ عرضه: "الله يستر على حريمك.. الله لا يفضح لك حرمة.. الله يستر على بناتك.. الله يستر عورتك.. الله يخلّي لك هالمحروسة ويستر عليها.. وإلى ما هنالك.." الأنثى هي دائماً مصدر الفضيحة والعار وليس الرجل.

ما يحزن له القلب حقاً هو أن نسمع نساء العرب يرددن هذه العبارات كالببغاوات رغم ما فيها من إجحاف بحقهن. فقد تعوّدن الذل إلى درجة أصبحت الحياة بدونه تبدو غريبة عليهن، لا بل نجد منهنّ من يدافعن عن هذا الذل باعتباره قراراً إلهياً لا يجوز الاعتراض عليه.

************  

كنت ذات مرة أتسوق في سوبر ماركت، فمرّ بقربي رجل عربي ومعه ابنته التي لا تتجاوز السبع سنوات، ومن خلفه امرأة بدت أنها زوجته. كانت درجات الحرارة في الخارج تزيد عن المائة وعشر درجات، ولكن ذلك لم يؤثرّ بشيء على ضرورة التسلّح بفضيلة "السترة"!

كانت الأم "متسـتّرة" بعدة طبقات من الثياب الداكنة من رقبتها إلى قدميها بينما غطت شعرها وقسماً من جبينها بوشاح أبيض أحكمت لفه إحكاماً. وكما كانت الأم، كذلك كانت الطفلة أيضاً "متســتّرة" كل التسـتّر، أما الرجل، فكان يمشي مختالاً برجولته وببنطاله القصير وصنداله المفتوح. وطبعاً لا حاجة له هو إلى "سترة"؟

وقف الثلاثة في قسم الخضار والفواكه ثم جاءت امرأة أمريكية ببنطالها القصير ترافقها طفلتان بين الرابعة والخامسة من العمر تلبسان ثياب السباحة. لم يهتم أحد من الناس المتسوقين لمرأى الصغيرتين وأمهما إلا صاحبنا الطاووس الذي كانت يداه مشغولتين باختيار بعض رؤوس البندورة بينما كان ينظر بطرف عينيه إلى الصغيرتين يكاد يلتهمهما التهاماً.. وتمتم أخيراً مخاطباً زوجته التي كانت هي الأخرى تنظر إلى الأم بعين حاسدة وأخرى شبه محتقرة، قائلاً: "الله يستر عليهم!.." وجاء جواب الأم سريعاً بينما كانت ابنتها قد التصقت بمؤخرتها وعيونها تحدق في الصغيرتين: "الله لا يستر عليهم.. شو بدو ربنا يستر ليستر.. وأنت ليش عمتطلّع فيهن؟.."

وتمتمت أنا بدوري وكدت أقول لهما بصوت مرتفع: حين تستتر النفوس لا تعود ترى أجساماً عارية!

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط