هشام محمد / Feb 13, 2006

ـ 1 ـ

العرب أو المسلمون هم الأكثر ذكاء من بين كل شعوب الأرض في كشف وفضح المؤامرات التي تحاك ضدهم ليلا ونهارا، بل أنهم يملكون حاسة سادسة تمكنهم من شم رائحة المؤامرة حتى قبل أن تنضج داخل أفران الغرب. ومن المؤسف حقاً أن امتلاك المسلمين لقرون الاستشعار تلك لم تحمهم يوماً من الوقوع في الفخاخ المنصوبة بإحكام. إنهم يشبهون الأسماك الساذجة التي لا تتعلم من دروس الماضي وعبر الأمس فتبتلع الطعم بكل غباء. منذ اليوم الذي نجح سيء الذكر ابن سبأ في تلغيم العالم الإسلامي إلى اليوم الذي استدرج فيه الصليبيون الجدد أي الأمريكان "ضمير الأمة" و "رمز الصمود" الرئيس المخلوع صدام حسين لحروب عبثية ومدمرة أكلت الأخضر واليابس مع جيرانه قبل الإطاحة به واحتلال العراق فإنه لا يبدو أن المسلمين سيتعلمون من التاريخ أي شيء.

ـ 2 ـ

كتب مرة المرحوم الشاعر نزار قباني مقالاً قال فيه لو انك شكيت جلد العربي بدبوس فسيقطر سائل بنفسجي اللون اسمه الشعر. وأنا أقول أن العربي لا ينفرد بميزة قرض الشعر فحسب، بل يملك قدرة هائلة على استشراف ما يطبخ وراء البحار والمحيطات قبل تصديره إلينا. أذكر منذ سنوات بعيدة كان هناك تحقيقاً في "جريدة الرياض" السعودية حول مدى وعي المواطنين بأهمية استخدام السائقين لحزام الآمان. أحد الإجابات العفوية التي مازلت أذكرها كانت على لسان كهل سعودي مفادها أن حزام الآمان ليس إلا مؤامرة من الغرب الكافر! لماذا يا سيدي المحترم؟ لأنك ـ وعلى لسان الرجل ـ لو انقلبت بك السيارة وأردت الخروج منها فلن تتمكن مادمت مكبلاً بهذا الحزام اللعين. أعتقد أنه على حق بدلالة أن أعلى نسب الوفيات من الحوادث المرورية في العالم كله تجدها في السعودية. وقبل عام أو أكثر جاء في موقع "قناة العربية" خبر حول اعتداء شبان سعوديين ملثمين على سيدة سعودية في مدينة الدمام واغتصابها أمام أولادها. وبما أني لا أملك في داخلي جهازاً حساساً للكشف عن المؤامرات فقد بدا الخبر لي غير خارق للعادة حتى ولو وقعت أحداثه داخل مجتمع محافظ كالسعودية، لكن التعليقات التي كتبت أسفل الخبر من زوار الموقع جعلني أتحسر على كوني لا أرى أبعد من أرنبة أنفي. بعض شيوخ الدين حملوا على القنوات الفضائية الإباحية واعتبروها مسؤولة بشكل مباشر عن تلك الجريمة الشنعاء، والبعض الآخر شكك في احتمال أن يكون لكل من الموساد الإسرائيلي والاستخبارات المركزية الأمريكية يد في هذه الجريمة النكراء من دون إعطاء تفاصيل شافية حول ما إذا كان الملثمون مثلاً من رجال أجهزة الاستخبارات أو أن هناك سعوديين جندتهم الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية للقيام بذلك العمل المشين. المثير أن السيدة اعترفت فيما بعد أنها اتفقت مع بعض الرجال للقيام بهذه التمثيلية وتصويرها لإثارة مشاعر زوجها الذي كان غارقاً في علاقة حب جديدة مع فتاة أخرى!

ـ 3 ـ

آخر صيحة في عالم المؤامرات الأسود ما تسببت به الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد من غضب رسمي وشعبي عارم وصل إلى حد إحراق السفارة الدنماركية في دمشق وبيروت. الرئيس الإيراني الأسبق رافسنجاني وصف الرسوم الهزلية بكونها مؤامرة صهيونية، والناس ترى فيها محاولة متعمدة لاستفزاز مشاعر المسلمين، خاصة وأنها تمس سيد البشر وخير الآنام وصاحب الوسيلة (أعلى منزلة في الجنة). أجمل ما في المسألة أنها برهنت على أن المسلمين قادرون على الرد الرادع وبكافة الطرق حتى ولو استدعى الأمر حرق العلم الدنماركي لينضم إلى سلسلة الأعلام الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية المحروقة، ومقاطعة الأبقار الدنماركية الجميلة، وتخريب سفاراتها، وتهديد كل ما يمت للدنمارك بصلة. لم تفهم الجريدة أن المسلمين عندما يجرحون في أكثر الشخصيات قدسية سيتحولون إلى إعصار كاسح يدمر الزرع والحرث والنسل. تذكرني كراهية كل ما هو دنماركي بقصة (الزير سالم) الذي خاض حروباً استئصاليه مدمرة لينتقم لأخيه وسيد قبيلة تغلب المغدور (كليب) ليس بالاقتصاص من قاتله (جساس) بل بذبح كل ما ينتمي لقبيلة بكر التي ينتمي لها جساس.
أحد الشعارات المألوفة في الشوارع ووسائل الإعلام كتب عليه (إلا نبينا) أي أننا نحتمل إساءاتكم المتكررة لنا أيها الكفار مالم يصل الأمر إلى حد التهكم بالمصطفى. تحت هذا الشعار التف المسلمون كافة حتى أن
نظاماً بعثياً وعلمانياً كالنظام السوري الذي لا يسمح بمظاهرة دون أذن مسبق منه لم يقدر ولأول مرة على منع الجماهير المجروحة الزاحفة من إشعال النار في السفارة الدنماركية، وإن كنت أميل إلى الاعتقاد أن النظام السوري كان يشعر هو الآخر بحرقة وألم جعلته يرخي قبضته الفولاذية. تصرف يذكرني بما قاله العلامة والفهامة يوسف القرضاوي في معرض تبريره في قناته الجزيرة لاتساع دائرة العنف عربياً وإسلامياً من أن أكثر الناس عصاة كشارب الخمر لن يتردد في حمل السلاح لمقاتلة من يجرؤ على التطاول على شخصية النبي.
أحد أشهر قصص التوبة التي يروج لها ما يسمى بجيل الصحوة في الكتيبات وأشرطة الكاسيت ما يحكى عن شاب فاسق اعتاد السفر خارج البلاد بحثاُ عن علب الليل. وفي ليلة مفصلية خبأها القدر لهذا الشاب، بلغت النشوة بأحد السكارى إلى وضع علم السعودية على جسد الراقصة التي كانت تتمايل شبه عارية. بين سحابات الدخان الكثيفة والعيون التي أثقلها السكر لاحت للشاب شهادة
لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله على العلم السعودي. في تلك اللحظة الخالدة والمصيرية من عمره، انتفض الشاب كمن أصابه مس لينتزع العلم الذي يحوي الركن الأول من الإسلام من على أكتاف الراقصة الماجنة، لكن الجميع اشبعوا الشاب المنتفض ضرباً مبرحاً، ثم القوا به خارجاً مغشياً عليه. وبعدما أفاق من غشيته شعر وكأنه قد ولد من جديد وصار فيما بعد من رجال الصحوة الكرام. إن قصة هذا الشاب المحظوظ مع الراقصة والعلم ليست ببعيدة عن انتفاضة الشعوب الإسلامية العفوية وعن بوادر الصحوة المباركة لنظام البعث السوري، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط