بسام درويش / Jun 23, 2002

"أنا عربي وفخور كل الفخر بعروبتي!.."

بهذه العبارة افتتح أحد القراء رسالته التي وجهها إليّ. وسِوى هذه العبارة الأولى، لم يكن فيها من عبارة أخرى أستطيع أن انقلها للقارئ دون أن أخدش بها حياءه.

 

الرسائل التي تصلني من "عرب فخورين جداً بعروبتهم" كثيرة جداً، لكن أمراً واحداً أستغربه ـ وربما لا يجب أن أستغربه! ـ وهو أن واحداً من هؤلاء حتى الآن، لم يكن بمقدوره أن يطلعني بكلمة واحدة ـ عدا الشتم ـ على دواعي فخره.

**********  

الفخر بالعروبة، موالٌ تصدح به الإذاعات العربية في الشرق وفي الغرب. وهو أيضاً شعارٌ تتعثر به وأنت تقرأ كل سطر في صحيفة عربية، سواء كانت صادرة في الشرق أو في الغرب. لكنك، إن فاجأتَ أحد هؤلاء المتفاخرين فطلبت منه أن يحدد لك دواعي فخره بهذه العروبة أو أن يحدد لك معنى العروبة، لأجابك بقوله على الفور وملامح الاستغراب المشوبة بالغضب تغطي وجهه: "هل تعني بسؤالك أنك تتنكر لعروبتك وبأنك لست فخوراً بها؟.."

نعم.. لا أخفي عنك يا صاحبي بأنني لست أجد في العروبة ما يدعوني للفخر بها، فهلا حدثتني أنت عن دواعي فخرك بها لعلني أراجع حساباتي؟

**********  

عندما يكون هناك ما أريد أن أعبّر عن فخري به، فإن قلبي ينطق قبل أن تنطق شفتاي. جبيني ينطق، عيناي تنطقان، يداي تنطقان، ولن يعجز لساني لحظة عن إيجاد كلمات الفخر. وهكذا، فعندما أقول أنا، بأني فخور بانتمائي لأميركا أمة ودولة، فإني لن أتردد لحظة واحدة في تحديد أسباب فخري، ذلك لأنني أعني ما أقول وليس لأنَّ دماغي قد تمّ غسله كي أردّد كالببغاء ما أُريدَ لي أن أقول.

أفخر أول ما أفخر بما تَضْمنه أميركيتي لي من حرياتٍ، بدءاً بحرية التعبير والعبادة والكفر والتجارة والتنقل، وانتهاء بحريتي في أن آكل طعاماً لعشائي ما أريد.

أفخر بالانتماء إلى دولة نظامها قوي يحميني ويؤمن لأجيالي القادمة الأمن والاستقرار، وليس إلى دولة يعرّض نظامها سلامتي وسلامة أولادي وممتلكاتي للخطر، باختلاق نزاعات مع أمم أخرى، لا لغايةٍ إلا لإيجاد الأعذار للبقاء في الحكم والاستمرار في سرقة خيرات الأمة بحجة الصراع مع العدو.

أفخر بالانتماء إلى أمة فيها حاكمٌ أرفع إليه تظلّمي، وليس إلى أمة فيها حاكمٌ يتسلّى بظلمي.

أفخر بأمةٍ مبدعةٍ خلاّقةٍ يتطلّع العالم بأسره إليها، ولا تتردد هي عن مشاركة العالم بما تبدع وتخلق؛ لا إلى أمة تعيش على هامش الأمم، تسهر الليالي على صوت أم كلثوم وقرقعة النرد وبقبقة النراجيل، لتنهض صباح كل يوم فتلعن الغرب والصهيونية وتلصق بهما أسباب تأخرها.

أفخر بأمة تحرص على تعليم أبنائها أن الناس متساوون مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية. أمةٌ تشجّع أبناءها على إقامة روابط مع أبناء الأمم الأخرى، وليس بأمة تزرع في عقول أجيالها أنها، على ما فيها من عيوب، خير أمة أخرجت للناس، تصوّر لهم كل من حولهم، أعداءَ لهم همّهم الوحيد هو زعزعة إيمانهم بدينهم وقوميتهم!..

أفخر بأمة يجد فيها حتى الحيوان ملجأ ورحمةً، فكيف بالإنسان الذي يأتيها من أقصى أقاصي الأرض هارباً من ظلم أخوته.

**********  

لم تقل لي يا صاحبي حتى الآن بماذا تفخر. لعلّك تريد أن تكرر على مسامعي أهازيج الكرم والكرامة والشجاعة والنخوة والشهامة والأخلاق العربية؟..

ألعلّك ترى كرم حاتم الطائي في "الأمير" طلال وهو يوزّع ريالاته على الذين يقبلون يديه أو الذين يقفون أمام دشداشته يمدحون ضحكته الغبية بقصائد الثناء؟ أم لعلّك لا زلت تجهل بأنه لا يمنّ عليهم إلا من مالهم الذي سرقه هو وآباؤه وأبناء عشيرته.

ألعلّك ترى الكرامة العربية في خنوع الشعوب العربية إلى حاكمٍ يقف ليخطب فيهم فلا يرى فيهم إلا رؤوساً قد حان قطافها؟.. هلاّ دللتني على "عربي" يجرؤ على أن يقسم بشرف أمه ويقول أنه يحيا حياة كريمة؟..

ألعلّك ترى الشجاعة العربية في قرصنة حفنة من السعوديين وغيرهم من أبناء العروبة وهم يختطفون طائرات مدنية ليصدموها ببرجين يمثلان عظمة الإنسان، فيزهقوا أرواح الآلاف من الأبرياء، ليرقص فيما بعد أخوانهم في العروبة يهللون ويغردون؟

ألعلّك ترى النخوة العربية في أموال الحكام والأغنياء العرب التي تُبَـذَّر على موائد القمار في لندن ولاس فيغاس وكازينوهات البواخر وغيرها، بينما يتسابق أطفال العرب على براميل الزبالة يسدون جوعهم منها ويبحثون فيها على ما يسترون به عريهم؟..

ألعلّك ترى الشهامة في جرائم الشرف التي تُرتكب بحجة محو العار حيث تُسفك فيها دماء الضحية عوضاً عن دماء المغتصب المجرم؟..

ألعلّك ترى الأخلاق العربية في الجزائر حيث تُقطع الرؤوس وتُغتصب الأعراض كل يوم، أو في معاملة الأقباط في مصر حيث تتجلى الأخلاق في حرق كنائسهم واغتصاب بناتهم والسطو على أموالهم. أم أنك ترى الأخلاق في القضاء العربي الذي تخضع أحكامه للفساد والرشوة؟..

أما يا صاحبي، إنْ كنت تقصد بالعروبة عرقاً أو أمةً، فهلاّ سألت عراقياً أو سورياً أو ليبياً أو مصرياً أو مغربياً عن انتمائه فأسرع واحد منهم بالإجابة بأنه عربي؟.. ألا يخطر بفكرك أن تتساءل عن السبب الذي يجعل كلاً من هؤلاء لا يعير عروبتك اهتماماً رغم ما يدّعيه العروبيون من قدم وأصالة تاريخ العروبة؛ بينما لو سألت التكساسي، أو الفلوريدي، أو المونتاني، أو النيويركي عن جنسه، حتى لو كان أحد هؤلاء قد حصل على جنسيته منذ يومين، لقال لك على الفور بأنه أميركي، رغم أن عمر تاريخ الأمة الأميركية، يكاد لا يزيد عن القرنين وربع القرن من الزمن؟!..

**********  

عروبتك يا صاحبي إن عدتَ إلى التاريخ، لما وجدت لها حجر أساس!.. عروبتك شعارات زائفة وتاريخ مختلق. عروبتك قصة من قصص شهرزاد، ودولتك العربية الواحدة التي تطمح إلى تأسيسها، لم يكن لها من وجود في الماضي، وليس لها وجود في الحاضر، ولن يكون لها وجود في المستقبل، لا في قريبه ولا بعيده.

****************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط