بسام درويش / Jan 11, 2013

 

أنا مع الثورة.

مع أي ثورة تقوم ضد الدكتاتورية، سياسيةً كانت أو دينية.

أنا مع أي ثورة تقوم ضد الظلم والفساد في أي بلد من بلدان العالم.

وأنا مع أي ثورة ضد الفقر والثراء الفاحش والتمييز العنصري والطائفي والاجتماعي.

لكني قبل أن أكون مع الثورة، أنا مع العقل. فالثورة التي لا تحتكم إلى العقل ولا ترسم الأهداف بشكل واضح لا ينتج عنها إلا الفوضى. والفوضى تؤدي إلى الدمار وإلى سفك الدماء البريئة.

**********

الشعوب في أوروبا ثارت، ولكن لأنها شعوب تحتكم إلى العقل فإنها وصلت إلى الحرية والديموقراطية.

شعوبنا لا تحتكم إلى العقل. شعوبنا تسيرها العواطف، وأسوأ هذه العواطف هي الدينية. المشكلة هي في أن شعوبنا لم تدرك حتى الآن بأن الدين بعينه هو السبب الرئيس في تخلفها وفي الظلم الذي تعيش تحته.  

**********

ما يجري في سوريا الآن ليس ثورة. فالعقل كما هو غائب من جانب المعارضة كذلك هو من جانب النظام.

هناك معارضة بدأت انتفاضةً من أجل الحرية والكرامة ليختطفها فوراً الذين لا يحتكمون إلى العقل.

وهناك نظامٌ يعرف تماماًُ أنه ليس هناك من دكتاتورية تدوم إلى ما لا نهاية، وأنه ليس هناك من حكمٍ فاسدٍ لا ينتهي بثورة. ولأن هذه المعارضة لا تحتكم إلى العقل، استطاع الحكم أن يخيف العالم الحر منها ومن تقديم أية مساعدة جدية لها.

ولأن النظام يفتقر إلى العقل أيضاً فإنه يقاتل وكأنه سيبقى حاكماً حتى ولو قضى على المعارضة.   

ما يجري في سورية هو عملية انتحار من الطرفين.

**********

المعارضة كلها تتفق ـ إلى حد ما ـ على ضرورة سقوط النظام. لكن، هل سقوط النظام هو حقاً كل ما يريد العالم سماعه من المعارضة؟ وهل سقوط النظام هو كل ما يريده الشعب؟

ماذا عن "ما بعد سقوط النظام؟"

هذا هو بالضبط ما يقلق العالم، لا بل ما يقلق شرائح كثيرة من الشعب السوري نفسه.

معارضة مشتتة لا وفاق بينها، وكل ما قيل عن اتفاقات في مؤتمرات واجتماعات عقدت هنا وهناك لم يكن إلا سراباً في سراب. في الواقع، حتى الآن، لم يطلع أحد من مؤتمر أو اجتماع بأية خطة واضحة لمستقبل سوريا.

لذلك، فإن السؤال الوحيد الذي لا زال العالم ينتظر الإجابة عليه هو "ماذا بعد سقوط النظام؟"

*********

كل الحروب التي نشبت بين العرب وإسرائيل كانت تتوقف بعد بضعة أيام حين يدرك حكام الدولة أو الدول العربية ـ بعقولهم ـ أنها حرب خاسرة بالنسبة لهم. وهكذا، انتهت كل تلك الحروب باتفاق هدنة، ولا أقول اتفاق سلام، لأنه حتى الآن ليس هناك من سلام حقيقي بين أية دولة عربية وإسرائيل. هنا يجد الذكر إنّ عدد الذين ماتوا خلال كل تلك الحروب التي نشبت بين العرب وإسرائيل، يكاد لا يقارن بحصيلة شهر واحد من القتلى في سورية. حتى الآن، تشير التقارير إلى أن ما يزيد عن الخمسين ألفاً من السوريين قد لقوا حتفهم منذ بدء الأحداث؛ لا بل يقال بأن هذا العدد هو أقل من نصف العدد الحقيقي.

 

ماذا ينتظر الطرفان إذاً؟

النظام يقاتل بشراسة على الرغم من إدراكه بأن نهايته محتومة، ولكن لا أحد يمكنه أن يعرف متى سيسقط!

والمعارضة تقاتل بشراسة، على الرغم من إدراكها بأنها تقاتل جيشاً لا زال حتى الآن في قبضة النظام.

كل يوم نسمع من المعارضة بأن النظام سيسقط خلال الأسابيع القادمة. وتمر الأسابيع والذي يسقط في نهايتها هو بضع مئات معظمهم من الأبرياء. وإلى أن يفقد النظام قبضته على الجيش؛ وإلى أن تستطيع معارضة مفتتة كهذه الإطاحة بالنظام، ربما يصل عدد ضحايا هذه الحرب إلى نصف مليون إنسانٍ أو اكثر.

خسائر هذه الحرب لن تكون بشرية، أو اقتصادية، أو عمرانية فقط، بل اجتماعية أيضاً. هذه الحرب سينتج عنها مجتمع ممزق كل التمزيق. 

*********

ما هو الحل إذاً؟

الحل هو في تحكيم الطرفين لمنطق العقل. ومنطق العقل يقول بأن المرحلة قد وصلت حداً يتطلب إيقاف القتال ونزيف الدماء والقبول بهدنة سورية ـ إسرائيلية... عفواً، سورية ـ سورية، يجري خلالها حوار بين الأطراف وتحت إشراف دولي. 

الثورة لا تعني حمل السلاح فقط. حملُ الرأس فوق الكتفين وإعطاء فرصة للعقل أهم من حمل السلاح!

 

دعوا الأطفال والمرضى والمصابين يتنفسون لبعض الوقت!

********* 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط