بسام درويش / Apr 06, 2006

كتب الدكتور فيصل القاسم مقدّم برنامج قناة الجزيرة "الاتجاه المعاكس" المقالة التالية في موقع الحوار المتمدن، أعيد نشرها قبل أن أتناولها بالتعليق.

**********************

اشتُم العربَ والمسلمين وأصبح بطلاً في الغرب

فيصل القاسم

لا بد من التمييز دائماً بين الطريقة التي تتعامل بها الأنظمة الحاكمة في الغرب مع الحكومات العربية والطريقة التي يتعامل بها المجتمع المدني الغربي مع العرب. فقد دأبت الأوساط الحاكمة في الغرب على تشجيع ودعم المستبدين والطغاة والمتطرفين والمتخلفين العرب لأنهم أفضل من يحافظ على المصالح الغربية في المنطقة ويُبقي المجتمعات العربية في حالة من البؤس والجمود. لكن في المقابل نرى المجتمع المدني الغربي في بعض اتجاهاته يحتضن ويساند أعداء التطرف والاستبداد والتخلف في المنطقة العربية من معارضين ومفكرين وصحفيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان ومطالبين بالديمقراطية وليبراليين ويمدهم بالعون المادي والمعنوي. غير أن هذا التناقض في الموقفين الرسمي والمدني في الغرب تجاه العرب لا يصب دائماً في مصلحة القضايا العربية، فهو في بعض الأحيان أقرب إلى توزيع الأدوار منه إلى اختلاف في السياسات الغربية. ولو نظرنا إلى نوعية الأفراد والمسائل العربية التي يساندها المجتمع المدني الغربي ويتبناها في بلادنا لوجدنا أنها لا تقل خطورة على العرب من السياسات الديكتاتورية العربية البائسة التي تدعمها الأنظمة الغربية وتباركها.

فما أن يظهر كاتب أو صحفي أو ناشط عربي يرجم العروبة والإسلام ويحقرهما وينال من الثقافتين العربية والإسلامية حتى تتهافت عليه بعض المنظمات ووسائل الإعلام الغربية بحيث يصبح بطلاً دولياً بين ليلة وضحاها، علماً بأنه يكون نكرة لم يسمع به من قبل سوى زوجته وربما أولاده. لكن مع ذلك فإنه يصل إلى العالمية بسرعة البرق ويصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية التي تفرد له مساحات كبيرة على صفحاتها الأولى وتبدأ المعاهد ومراكز الدراسات والبحوث والجامعات بالتهافت عليه كي يتكرم عليها بمحاضرة كما لو أنه هيغل زمانه، وتتسابق بعض المراكز الغربية لمنحه الجوائز التقديرية. وكأن المجتمع المدني الغربي يقول للمثقفين العرب: «إذا أردتم أن تحظوا برعايتنا ودولاراتنا وجوائزنا القيمة فما عليكم إلا أن تنسلخوا من جلودكم وتنقلبوا على ثقافتكم وحضارتكم وتشتموهما بأقذع الأوصاف وتخونوا أمتكم. والباقي علينا"!

لقد لاحظت خلال إقامتي الطويلة في الغرب أن هناك ميلاً غربياً صارخاً لتبني النماذج العربية والإسلامية المارقة. وأتذكر أنني قدمت ذات مرة محامياً عربياً في أحد البرامج سخر من الثقافتين العربية والإسلامية وصب جام غضبه على الوضع العربي فإذا بأحد المسؤولين الإعلاميين الغربيين يبادر بسؤالي عن ذلك "المحامي المقدام والعظيم"، كما وصفه، وضرورة أن نحصل على رقم هاتفه كي نستفيد من "علمه وخبرته" في برامجنا. وفعلاً أصبح ذلك المحامي منذ ذلك الوقت ضيفاً دائماً على الكثير من الفعاليات الإعلامية الغربية.
وبعد تلك الواقعة بفترة أطلت علينا وسائل الإعلام الغربية بخبر هروب الكاتبة البنغالية تسليمة نسرين من بلادها خوفاً من القتل بتهمة الإساءة إلى المقدسات. وقد تلقفت الأوساط الإعلامية والثقافية الغربية خبر تسليمة وراحت تطبل وتزمر له. وقد غدت الكاتبة البنغالية المارقة بين ليلة وضحاها حديث الشارع الغربي وأمست الدول الغربية تتسابق على منحها حق اللجوء.  كيف لا وهي التي تطاولت على دينها وسخرت من ثقافة أبناء جلدتها؟
وما زال المسلسل مستمراً، ففي الولايات المتحدة مثلاً يحظى أحد الكتاب العرب بمكانة عالية جداً فقط لأنه أصبح عدواً للعرب ولا هم له إلا النيل من ثقافته العربية والإسلامية ورجمهما في كتاباته ومحاضراته مع أنه في محل منبوذ في العالم العربي، وحسبه أن يسلم من بصاق الناس وركلاتهم فيما لو قابلوه. وينطبق الأمر ذاته على الأصوات "العربية" التي ظهرت في الآونة الأخيرة وراحت تكيل الشتائم والإهانات للعرب والمسلمين في أوروبا وأمريكا. وقد أصبح بعضها بين لحظة وأخرى محط اهتمام وسائل الإعلام ومراكز الدراسات والبحوث الغربية لا لشيء إلا لأنه تطاول على الإسلام والمسلمين ووقف إلى جانب الصحف الغربية التي أهانت المقدسات الإسلامية.

لكن ليس كل المفكرين والمثقفين الذين يحظون بالتكريم والرعاية في الغرب هم معادون لأوطانهم وثقافاتهم العربية، فهناك شخصيات فكرية وكتاب وصحفيون عرب متمردون جديرون بالتكريم في كل مكان، فما أحوجنا للفكر والصحافة والثقافة المتمردة في هذا العالم العربي الخانع.  لكن المشكلة أن الهيئات والمنظمات الغربية التي تكرم المتمردين العرب لا تكرمهم دائماً على عطائهم الفكري والثقافي الاستنهاضي الذي نحن بأمس الحاجة إليه، بل على مجرد تطاولهم على ثقافاتهم العربية والإسلامية وتسخيفهم للفكر الإسلامي. صحيح أن بعض المفكرين العرب الذين تحتضنهم وترعاهم العواصم الغربية أنتجوا بحوثاً ودراسات تجديدية عظيمة نحتاج لها كثيراً في الفكر والدين والاجتماع والثقافة، لكن لعل السبب الأهم في حصولهم على الرعاية والاهتمام الغربيين هو ارتدادهم عن عقيدتهم وليس إبداعاتهم الفكرية ونظرياتهم التحديثية. والدليل على ذلك أن المؤسسات الغربية مستعدة أن تجود بمعونات سخية على كل من يريد أن يجري بحوثاً و دراسات أو يقيم مراكز مهمتها التعرض للمجتمعات والثقافة الإسلامية.

لا شك في أننا بأمس الحاجة إلى دعم المجتمع المدني الغربي في شتى المجالات. لكن المشكلة أنه لا يساعدنا إلا فيما يخدم أغراضه ومصالحه وفيما يتعارض ويؤذي مصالحنا وثقافتنا. نحن نحتاج المساعدة في التخلص من الأمية ونشر ثقافة حقوق الإنسان من أجل الإنسان وليس من أجل ابتزاز الأنظمة الحاكمة وتخويفها بالتقارير الحقوقية كي تجود على الغرب بمزيد من التنازلات. لماذا لا تدافع منظمات حقوق الإنسان الغربية مثلاً إلا عن أزلامها في العالم العربي؟ فلو كان المعتقلون في السجون العربية من أنصار المنظمات الغربية لأصبحت أسماؤهم على كل لسان وفي كل تقرير. وإذا لم يكونوا على علاقة بتلك المنظمات لغدوا في غياهب النسيان. وقد لاحظنا مثلاً اهتمام هيئات المجتمع المدني الغربي المنقطع النظير بمعتقلي «ربيع دمشق» بينما لم نجد أي اهتمام بمئات المعتقلين الآخرين في السجون السورية. نحن بحاجة للحكم الصالح وللديمقراطية لكن ليس تلك التي تناصب ثقافتنا وعقائدنا العداء. كيف لنا أن نقبل بالليبرالية التي يروجها الليبراليون العرب الجدد المدعومون من بعض هيئات المجتمع المدني الغربي والتي لا هم لها سوى شيطنة الثقافتين العربية والإسلامية؟ كيف لنا أن نقبل ببرامج تحرير المرأة المدعومة غربياً إذا كان الهدف منها تجريدها من ملابسها وقيمها وجعلها سلعة رخيصة في سوق النخاسة العولمي أكثر منه منحها حقوقها المهضومة؟ كيف لنا أن نصدق أن منظمات المجتمع المدني الغربية مهتمة فعلاً بوضع الأقليات في بلداننا إذا كانت تستخدم الأقليات كحصان طروادة لاختراق المجتمعات العربية والإسلامية، علماً أن وضع الكثير من الأقليات في بلداننا أفضل بمائة مرة من وضع الأكثريات!! كيف لنا أن نقبل بحرية التعبير التي يساندونها في بلداننا إذا كان الهدف في بعض جوانبها التطاول على الثوابت والأسس الثقافية والحضارية التي تقوم عليها مجتمعاتنا وخلخلتها؟ ولمن يسخر من كلمة الثوابت كما يفعل بعض الليبراليين أود فقط أن أذكرهم بأن هناك في الغرب ثوابت لا يستطيع أحد أن يمسها ويُعتبر الاعتداء عليها اعتداء على أسس المجتمع والدولة.

ومما يزيد في شكوكنا ببعض النماذج المحتضنة غربياً أيضاً أن الكثيرين منهم يجارون الأهداف الغربية، وإلا لماذا لا يتحلون بالشجاعة ذاتها للتصدي للقيم والمفاهيم الغربية؟ لماذا يجبنون عندما تذكرهم بقذارة المشاريع الغربية في بلداننا؟ وبدلاً من فضحها يبدأون بالدفاع عنها؟

ليس كل المثقفين العرب الذين يحظون برعاية وتشجيع غربيين مارقين، لكنهم إذا أرادوا أن يبرئوا ساحتهم فعليهم أن لا ينشدوا البطولة في الغرب على حساب أهلهم وقضايا وهموم أوطانهم كما فعل كريستي ماهون في مسرحية «لعوب العالم الغربي» The Playboy of the Western World حيث يتفاخر البطل عندما يهرب إلى قرية مجاورة بأنه قتل والده. وفعلا يُعجب به أهالي القرية ويرحبون به أجمل ترحيب على فعلته «البطولية". ونرجو ألا يكون مثل مثقفينا مثل كريستي الذي يكسب التصفيق خارج قريته على فعل شائن.

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=61254

==============

الدكتور فيصل القاسم في مقالته هذه، وزّع اتهاماته على أناسٍ وكالَ المديح لأناسٍ آخرين دون أن يسمّي أحدا باسمه.

بصراحة، أنا لا أجد تبريراً لأسلوبه هذا سوى أنه قد فعل ذلك لسبب واحدٍ وهو أنه ليترك المجال مفتوحاً لنفسه لتفسير ما قاله اليوم بما يناسب الظروف غداً. لكنه في الحقيقة لم يكن بارعاً في ذلك على الإطلاق.

لقد كنت دائماً أكنّ للرجل الاحترام فيما يبذله من جهد لعرض وجهات النظر المختلفة المتعلقة بمواضيع حياتية مهمة لشعوب الشرق الأوسط. إنه عمل ليس بالسهل على الإطلاق لأنه يتطلب وقوفاً على الحياد بين النقيضين. كنت أراه يتنقل بين الطرفين وكأنه محامي دفاع عن كل واحد منهما محاولاً إبراز وجهة نظر كل منهما لغاية دفع الحوار بينهما.

من الطبيعي أن تكون للدكتور القاسم آراؤه الخاصة، والتي لا يبخل علينا بها بين الفترة والأخرى عبر المنابر الإلكترونية بعيدا عما تتطلبه أصول البروتوكول في برنامجه. لكنّ آراءه التي أبداها في مقالته هذه جاءت لتعطي صورة مشوشة عن شخصية الدكتور القاسم تختلف كثيراً عن الشخصية المتزنة التي حاول ان يرسمها عن نفسه على مدى سنين.

أنا أفهم وأقدّر عجز الدكتور عن إرضاء كل الناس إرضاء كاملاً من خلال تقديمه لمختلف وجهات النظر على برنامجه "الاتجاه المعاكس". لا أستغرب أن تُكالَ على رأسه طاسات المديح أو الشتائم تارةً من المسلمين وتارة من المسيحيين وتارة من العرب أو من الغربيين!..  عندما يكون الواحد في هذه المهنة فإنه من الصعب أن يرضي كل الناس كل الوقت.      

أما عن هذه المقالة، فأنا لا أعرف إذا كانت سترضي حتى كاتبها إذا قرر أن يعود فيقرأها في ساعةِ صحوة!!!

**************

عزيزي الدكتور:

وضعتَ لمقالتك عنواناً يقول: "اشتُم العربَ والمسلمين وأصبح بطلاً في الغرب"!

هل هي صرخة احتجاج هذه التي تطلقها؟.. إذا كان الأمر كذلك، أفلستَ أنت الذي يسهّل عمليات الشتم للعرب والمسلمين على برنامجك؟  لماذا تجعل من برنامجك منبرا لشتم العرب والمسلمين فتفسح المجال للشتامين كي يصبحوا أبطالاً ثم تكتب معبراً عن غضبك لذلك؟

تقول إنك عشت في الغرب لفترة من الزمن، وإني لأستغرب كون هذه الفترة التي قضيتها بين الغربيين لم تفتح عينيك على ميزة عظيمة من ميزاتهم وهي أنهم ـ  والأمريكيون على وجه الخصوص ـ ليسوا انفعاليين كالعرب أو كبعض الشعوب الأخرى. الغربيون لا يرفعون الناس إلى ابطال على هذه الصورة التي وصفتها. هذه سمة من سمات العرب بالذات.

الغربيون يا دكتور القاسم ـ والأمريكيون بالذات ـ هم أقل االناس اندفاعاً وراء العاطفة في أحكامهم. لو لم يكن الأمر كذلك لسقط آلاف المسلمين قتلى بعد الحادي عشر من أيلول. في مصر، تزحلق حمار يملكه مسلم أمام منزل مسيحي فراح فدى حياة الحمار مسيحيان بريئان.

في العام الماضي ذهبتُ للاستماع إلى محاضرة يلقيها كاتبٌ يهودي في مركز يهودي هنا حيث أسكن. خلال المحاضرة، تفوه الكاتب بعبارات لم يستسغها الحضور عن مستقبل الدولة الفلسطينية فارتفعت اصوات تسعين بالمئة منهم تعبّر عن الاستنكار. هل يمكن أن تقول لي ماذا ستكون ردود فعل جمهور عربي مسلم لو سخر محاضرٌ عربي مسلم باليهود أو بالهولوكوست في لقاء كهذا في مدينة عربية؟! بالتأكيد سيهللون له ويرقصون! 

بعد الحادي عشر من أيلول، ألقيتُ محاضرة في قاعة تابعة لكنيسة بطلب من قسيسها لتعريف أبناء رعيته على الإسلام. طلب مني أن أكون موضوعياً، ولقد فعلت ذلك حيث لم أكتفِ بتقديم رأيي إنما قدّمت لهم الرأي المعاكس كما لو كان هناك شيخ من شيوخ الأزهر يقف معي، شيخ من الذين يتمتعون بقواهم العقلية وليس كذانك الاثنين اللذين عرضتهما يا دكتور على الجماهير ليتفرّجوا عليهما عندما استضفت الدكتورة وفاء سلطان المرة الأولى والثانية. أعني بذلك إنني بيّنت وجهة نظر الإسلام كما لو بينها مسلم فقيه لا مهرّج، ثم عرضت وجهة نظري بالمقابل. الآن، إليك الدليل يا سيد فيصل على أن هذا الشعب لا ينقاد وراء العاطفة. ففي الأسبوع الثاني، عاد كثير من الناس وبحوزتهم معلومات عن الإسلام من مصادر إسلامية وغير اسلامية وأخذوا يحاورونني بها خلال النصف الساعة الأخيرة بعد المحاضرة والمخصصة لتوجيه الأسئلة. فعلوا ذلك في الأسبوع الثالث أيضاً. هذا الشعب يا عزيزي الدكتور لا تقوده العواطف إنما العقل على العكس من جماهيرك العربية التي خرجت إلى الشوارع تزمجر وتحرق الأعلام والسفارات غضبا لنشر صور لم يروها ولم يعرفوا عنها إلا أنها مسيئة لرسولهم!

تقول يا سيد فيصل، إنه "ما أن يظهر كاتب أو صحفي أو ناشط عربي يرجم العروبة والإسلام ويحقرهما وينال من الثقافتين العربية والإسلامية حتى تتهافت عليه بعض المنظمات ووسائل الإعلام الغربية بحيث يصبح بطلاً دولياً بين ليلة وضحاها، علماً بأنه يكون نكرة لم يسمع به من قبل سوى زوجته وربما أولاده.."

أولاً، لا بدّ لي أن أذكّرك أنه لا عيب على الإطلاق في أن يُصبح إنسان علماً على نار دون أن يكون معروفاً من قبل سوى من زوجته واولاده. في الحقيقة، إن "النكرة" بالمعنى السيء للكلمة كما حاولت أنت أن توحي من استخدامك لها، هو الشخص المشهور بين الناس والذي لم يصل إلى الشهرة إلا بسبب انتمائه إلى عائلة معروفة أو بسبب ثروته الطائلة أو بسبب سمعته السيئة.. ذاك ندعوه نكرة لأنه لم يصل إلى ما وصل إليه بعرق جبينه او "عرقِ فكرِه"!.. يؤسفني جداً أن أراك تنحدر إلى مستوى الغوغائيين يا دكتور فيصل في نظرتك إلى الناس. هل لك أن تقول لنا على سبيل المثال ماذا كنت قبل ان تصبح معروفاً في العالم العربي؟  من ناحية أخرى، ألم تصبح مشهورا لأنك تجمع "الشتّامين" من مختلف الجهات؟

************

تتابع وتقول: "..لكن مع ذلك فإنه يصل إلى العالمية بسرعة البرق ويصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية التي تفرد له مساحات كبيرة على صفحاتها الأولى وتبدأ المعاهد ومراكز الدراسات والبحوث والجامعات بالتهافت عليه كي يتكرم عليها بمحاضرة كما لو أنه هيغل زمانه.."

مراكز الدراسات والبحوث هنا لا تتسابق على أمثال هؤلاء الذين تتحدث عنهم ليتكرموا بإلقاء محاضرات عليهم. مراكز البحوث والدراسات هنا هي تماما كما يعني اسمها: إنها مراكز للبحوث بمعنى "بحث يبحثُ بحثاً..." وللدراسات بمعنى "درسَ يدرسُ..". "هياغل" زمانهم هؤلاء الذين تتحدث عنهم لا يعودون إلى إلقاء محاضرة إذا لم يثبتوا جدارتهم في المرة الأولى. مراكز الدراسات والبحوث تسارع إلى دعوة هؤلاء لأنها تهتم بمن يحمل أفكارا جديدة تستحق الدراسة والبحث؛ إضافة إلى ذلك فإن إنساناً من أصل عربي أو مسلم تصل به الجرأة والذكاء أن يتخطى حاجز الخوف ويستطيع أن ينفض دماغه المغسول على مدى سنين طويلة من عمره، هو إنسان جدير بالدراسة والبحث وأيضا بالتقدير!

تقول، "لا شك في أننا بأمس الحاجة إلى دعم المجتمع المدني الغربي في شتى المجالات. لكن المشكلة أنه لا يساعدنا إلا فيما يخدم أغراضه ومصالحه وفيما يتعارض ويؤذي مصالحنا وثقافتنا. نحن نحتاج المساعدة في التخلص من الأمية ونشر ثقافة حقوق الإنسان من أجل الإنسان!!.."

حظاً سعيدا أرجوه لك يا دكتور في سعيك وراء "ثقافة لحقوق الإنسان من أجل الإنسان" لا تتعارض مع مصالح أمتك وثقافتها!!

أليست الثقافة الإسلامية التي تتباكى على شتم الناس لها هي نفسها وراء ضياع حقوق الإنسان ووراء تعاسته الفكرية في شرقك الكئيب.

لقد تصورتُ يا سيد فيصل أن فترة أمضيتَها من حياتك في الغرب لا بدّ وأن تكون قد علّمتك الاتزان في اختيار الكلمات وعلى وجه الخصوص احتراماً لموقعك كمحترفٍ إعلامي يجمع بين الناس لتقريب وجهات النظر بينهم. لكن، ها أنت لا تختلف عن أي غوغائي عربي بدأت تذكّرني بأحمد سعيد وصوت العرب وهو يخوّن الناس كما تخوّنهم وتصف كاتبة بالمارقة لأنها اختارت أن تعبّر عن رأيها بدينٍ اعتقدت مخلصة بأنه قد سلبها كرامتها الإنسانية.

 يا دكتور فيصل، ليس سرا يُذاع بأنك تنتمي إلى الطائفة الدرزية فالكل يعرف ذلك. أنت في معتقداتك الدرزية بنظر الثقافة الإسلامية التي تدافع عنها خوارجيا كافراً خائنا مارقاً أكثر من مروق الكاتبة البنغالية أو غيرها من الذين تصفهم بالشتّامين الخائنين والمنسلخين عن جلودهم.

على من تضحك يا دكتور عندما تقول بأن "وضع الكثير من الأقليات في بلداننا أفضل بمائة مرة من وضع الأكثريات!!"..

سأبتعد عن الحديث عن كل الأقليات التي تتجاهل مآسيها في العالم العربي والإسلامي، وسأفترض معك أنّ هذه الأقليات كلها سواء كانت في السعودية أو العراق أو سوريا أو السودان أو أي بلد عربي آخر حقا تعيش وضعاً "أفضل بمائة مرة!!!!" من وضع الأكثرية، وعلى وجه الخصوص أقباط مصر الذين لا يشكون من شيء أبداً!!

سأفترض الأمر نفسه بالنسبة للأقليات في البلاد الإسلامية. لكن ماذا تخبرني عن طائفتك في سوريا. طائفتك التي تتعامل معها أكثريتك الفاضلة كــ "دين مخبّأ صرماية أحسن منه!!".. أو كطائفة "عبّادين العجل"؟.. أو كطائفة "عملاء إسرائيل في داخل الوطن"؟!..

هل تجرأت ذات مرة على عرض هذا الموضوع على برنامجك؟.. هل فكرت ذات يوم التطرق إلى تاريخ وحاضر وضع طائفتك التي لا أعتقد أن أحدا من شيوخ عقلها يقرّك على رأيك؟!

أم تراك قد احتفظت لنفسك هنا أيضا بحق التراجع وإعادة التفسير باستخدامك لكلمة "الكثير من الأقليات" عوضا عن "كل الأقليات"؟..

**************

تقول: "كيف لنا أن نقبل ببرامج تحرير المرأة المدعومة غربياً إذا كان الهدف منها تجريدها من ملابسها وقيمها وجعلها سلعة رخيصة في سوق النخاسة العولمي أكثر منه منحها حقوقها المهضومة؟".. لا أملك إلا أن اقول لك "يا حرام"!.. يا دكتور فيصل. خيّبت أملي.. حقا خيّبت أملي. لم أكن أعتقد أن كلاما كهذا يمكن أن يصدر عنك.

أهكذا إذن ترى المرأة الغربية إنسانة مجردة من ملابسها وقيمها حولتها حريتها إلى سلعة رخيصة في سوق النخاسة العولمي؟!!

هل تعتقد حقا أن غاية الغرب من تحرير المرأة هو "تجريدها من ملابسها وقيمها وجعلها سلعة رخيصة في سوق النخاسة العولمي أكثر منه منحها حقوقها المهضومة؟؟؟"

يا دكتور فيصل لقد نسيت أن الثقافة الإسلامية التي تتشدّق بها هي التي وضعتها منذ ألف وأربعمائة سنة ولا تزال تضعها حتى الآن في مرتبة واحدة، بين كل "متاع" أي "مقتنيات" الرجل، من وأموال وذهب وفضة ولا تنسَ البعير أيضاً.  

"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب". (آل عمران 14)

لا بل جعلتها مجرد أرض حراثة يأتيها فحلها متى شاء وأين شاء من قيام ووقوف وقعود وإدبار:

نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم وقدِّموا لأنفسكم واتَّقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشِّر المؤمنين. (البقرة 223)

وصدق الله العظيم يا دكتور!  

**************

(ملاحظة: بعد أن أنهيت كتابة تعليقي هذا، رأيت أن أطّلع على بعض كتابات الدكتور فيصل القاسم السابقة، فتبين لي أن هناك قبلي من شبهه ـ من خلال تلميحاته هو ـ بأحمد سعيد، فخفف ذلك عني حِملَ ظنّي بأنني ربما قد ظلمتُ الرجل!)

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط