بسام درويش / Dec 31, 2001

"الهدايا دائماً تدخل على القلب السرور"، أجاب صديقي الذي كان يقوم بزيارتنا في اليوم التالي لعيد الميلاد على سؤالنا عمّا أتاه من هدايا.

تابع بعد ذلك يقول، "والهدية التي حصلت عليها يوم البارحة كانت في الحقيقة مبهجة جداً!.. فإطارات الصور هي من الأشياء المحببة إلى نفسي ولديّ منها الكثير؛ لكن هذا الإطار الذي قُدّم لي كان خاصاً جداً إذ أنه كان من ابني وفيه صورة له ولصديقته!"

 

صمت الصديق يفكّر لبرهة من الزمن ثم استدرك قائلاً، "لكن، وإذْ لاحظتُ بأن الصورة كانت داكنة الألوان ومشوّشة، قلت لابني ولصديقته مازحاً: أنتما تعرفان أن نظري لم يعد جيداً.. ألم يكن بقدرتكما أن تجدا صورة لكما أوضح من هذه؟"

"وجاءني الجواب بسرعة لا ليسرق ابتسامتي التي كانت تغطي وجهي فقط بل ليسرق أيضاً بهجة موسم الأعياد كلها!"

"تمعّن في الصورة يا أبي.. إنها صورة لن يكون بإمكاننا أن نعيد التقاطها أبداً.. إنها صورتنا ومن ورائنا مدينة نيويورك كما تبدو من حيث كنّا فوق سطح برج التجارة العالمي!"، قال ابني ذلك بصوت ممزوج بالأسى.

 

تابع صديقي يقول:

"شعرت برجفة لم أشعر بها من قبل في حياتي تنخر عظامي نخراً. لا بل أعترف بأن شعوري بالرجفة كان أشد من شعوري بها يوم وقوع مأساة الحادي عشر من سبتمبر.  ففي ذلك اليوم، شعرت بالحزن لأولئك الذي فقدوا أحباءهم وبكيت معهم وكأنني أبكي لفقدي بعض أحبائي. أما البارحة، فقد أحسست بأنني حقيقة قد فقدت بعض أولادي.  لقد كان الحزن، ولا بد لي من الإقرار مرة أخرى، أعظم إيلاماً إلى درجة كبيرة!"

 

"لقد تصوّرتُ ولديّ هذين، يطيران في الفضاء وهما على قيد الحياة بعد أن قذف بهما الانفجار من حيث كانا فوق مبنى التجارة العالمي. لم أشعر بأنني أتصوّر أموراً خيالية.  لقد شعرت أن الأمر يحدث حقيقة!"

"رأيت إنسانين عزيزين على قلبي يطيران في الفضاء، وسمعت صراخهما وبكاءهما. سمعت دقات قلبيهما وهي تختفي شيئاً فشيئاً. أخذت أبحث في الصورة بعيني عنهما. لم أجد أثراً لهما كما لم أجد أثراً للبرج الذي كانا يقفان على سطحه."

 

"في أقل من لحظة، اختفت الصورة كلها. الإطار بكامله اختفى. كذلك اختفت بهجة العيد!  أخذتُ الصورة وعلقتها على الحائط فوق مكتبي حيث يمكنني أن أراها دائماً.  لم أرِدْ لهذه اللحظات الرهيبة أن تختفي من ذاكرتي. لقد أردت أن لا أنسى!"

 

وعاد صديقي إلى الصمت للحظات طويلة وهو يحدّق في سقف الغرفة!  عيناه كانتا ممتلئتين رعباً وكأنه كان حقاً يشاهد الطائرتين وهما تصدمان البرجين العملاقين. "إنني سأترك هذه الصورة أمام عيني ما دمت حياً، لا لكي أملأ قلبي بالكراهية، بل لأذكّر نفسي بأن لا أكره أحداً أبداً.  إنها ستبقى هناك لتذكّرني كيف تسقط صفة الإنسانية عن الإنسان الذي لم يعرف عقله أو قلبه من غذاءٍ إلا الكراهية!"

****************

*********

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط