نبيل فياض / Apr 10, 2005

قبل سنوات تعرّفت إلى باحثة سوسيولوجيّة كنديّة، من المناطق الناطقة بالانجليزيّة، وكانت تجري دراسة حول القبيسيّات. والقبيسيّات، لمن لا يعرف، حركة نسويّة إسلاميّة سنيّة، تتبنّى المذهب الشافعي عقيدة، وكتابه الشهير الأم، منهجاً ومرجعاً. القبيسيّات، كتسمية، مشتقّة من "منيرة القبيسي"، المؤسّسة الفعليّة للتنظيم، والتي تنتمي إلى إحدى عائلات دمشق الموسرة ماديّاً، والتي انفجرت ماليّاً للغاية بعد تأسيس ابنتها للتنظيم. والقبيسيّات، رغم دفاع المستفيدين عن الحركة، من أمثال آل كفتارو، أشهر العاملين في البيزنيس الديني هذه الأيام، هن التنظيم الأخطر على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنيّة بما لا يقارن؛ بل إنّ هؤلاء النسوة الطائفيّات، استطعن التسلّل، عبر العته الديني المتفشّي في سوريّا منذ زمن، إلى زوجات، ومن ثم بيوت، مجموعة من أهم رجالات الصف الأوّل السوري! بل نقل إليّ من مصدر أمني أثناء اعتقالي، أنّ استدعاء امرأة منهن إلى أحد الأفرع الأمنيّة المغرقة في قوتها، كان كافياً لتدخل مجموعة من مراكز القوى السنيّة بحيث أنها خرجت من التحقيق دون أن تمس شعرة من رأسها، بل إنهم صاروا مرتبكين في البحث عن عبارات اعتذار تليق بمكانتها الكريمة!

 

لا زلت أذكر كيف انفجرنا جميعاً في وجه أخي حين وضع ابنه في إحدى دور الحضانة التي تشرف عليها القبيسيّات! وما أكثرهن في مدينتا: حمص!!! وأخي يسكن في حيّ علوي-مسيحي مع أقليّة سنيّة نادرة! وبسبب الشحن القبيسي للطفل ضدّ الآخر غير السنّي، بدأت المشاكل تسلّل إلى البيت الصغير حتى الإحراج، لأن هؤلاء الطائفيّات كنّ يملأن رؤوس الأطفال – والعلم في الصغر، كالنقش في الحجر – أن كلّ من هو غير سنّي وربما شافعي كافر بالمطلق: مع الذيول التي يستجرّها منطق التكفير! باختصار: كان تعليم هؤلاء الطائفيّات الصغيرات متركّزاً على التفاهات التالية: تكفير كلّ من هو غير سنّي؛ تحفيظ الأطفال بعض أدعية غبيّة من أمثال دعاء الدخول إلى المرحاض ودعاء الخروج منه [دون مبالغة، كان الطفل يتضايق للغاية قبل الدخول إلى المرحاض، لأنه كان مشبعاً حتى القمّة بأن التغوّط أو التبوّل دون دعاء، مسألة سيئة دينيّاوالضغط باتجاه تحجيب النساء، كأحد أهم دعائم الإسلام! وطبعاً، منعاً لأية تراكميات عقديّة في نفس الطفل، سحبه أبوه من مدرسة القبيسيّات الواقعة في حي القصور الحمصي، ووضعه في المدرسة الإنجيليّة!


للقبيسيّات بنية تنظيميّة غريبة، تبدو أقرب ما تكون إلى وحدات الجيش النظامي: فالطاعة عندهن للآنسة [يمكن تشبيهها، مثلاً، برئيسة فرقة في شبيبة الثورة] مطلقة؛ واللباس التمييزي، الذي يمكن أن يساعد في معرفة درجة الآنسة في التدرج الهرمي للتنظيم، أكثر من واضح. بل يمكن أيضاً معرفة القبيسيّة بسهولة من شكل الوجه، الذي يتميّز حاجباه بافتقادهما أدنى درجات العناية، وبشرته الشاحبة "السمّاويّة" التي لا تعرف الماكياج أبداً. أمّا طريقة المشي، فحدّث ولا حرج: أحذية بلا كعب، غالباً ما تكون أقرب إلى أحذية الرجال، ومشية لا تشبه غير مثيلتها عند عسكر الشيشان أو عسكر السنغال أيام الانتداب الفرنسي لسوريّا. بل إن أحد أهم العاملين في الحقل الثقافي الإسلامي النقدي السوري، حدّثني، نقلاً عن قريبته القبيسيّة، بأن القبيسيّات يرتدين عموماً، تحت ثيابهن العسكريّة، سبع أطقم من "الكيلوتات"، يسمّى الأخير فيهن: مانع الحب! والغرض من هذا "الكيلوت" المانع للحب هو إنهاك الذكر – الزوج إذا ما أراد أن يضاجع زوجته القبيسيّة؛ والواقع أن هذا الصنف من النساء نادراً ما يتزوجن، ربما من أجل التفرّغ للدعوة.


بالعودة إلى الباحثة الكنديّة التي درست هذا التنظيم بعمق وعلميّة نادرين، فقد كانت آراؤها كما يلي: القبيسيّات ردّة فعل خاطئة على وضع أنثوي خاطيء! كيف؟ كما يعلم الجميع، فوضع المرأة في الإسلام مهين للغاية. وقد سبق وأشرنا إلى سوء هذا الوضع في أكثر من عمل لنا، من أهمها: حوارات في قضايا المرأة والتراث والحريّة. فالمرأة، في نظر النبي، متاع؛ وفي نظر عمر بن الخطّاب، لعبة في زاوية الدار؛ وفي نظر علي بن أبي طالب، شرّ كلها، وفي نظر الشافعي، شؤم!!! وتشييء المرأة في الإسلام أكثر من واضح: فهي لا تعدو كونها وعاء لاستقبال السائل المنوي الذكري. المرأة في الإسلام، كما ذكرنا في غير مقالة، صنفان: حرّة، لا ترى الشمس، تلبّي غريزة التملّك عند الذكر، وجارية، تبدو أقرب ما تكون إلى عاهرة من نوعيّة رخيصة، تلبّي غريزة الجنس عند الذكر. أي: إمّا أم المؤمنين، أو عُريب. الحرّة، كلّها عورة، والأمة، لا عورة لها، أو أن عورتها بين السرّة والركبة، وبحسب أحد الأئمة، فتحتا القبل والدبر. من هنا، فالنفاق الإسلامي الذي يعتبر أن الحجاب فرض على كلّ مسلمة لا يكشفه سوى بضع غوص في التراث الإسلامي! الحجاب، كما نراه، فرض من أجل التمييز بين الحرّة والأمة: ومن يقول غير ذلك فهو إمّا منافق أو جاهل! أو: إما شيخ أو عامّي. على هذه الوضعيّة الأنثويّة المرضيّة ثارت القبيسيّة الأولى: لكن، كما قلنا، بشكل مرضي. – كيف؟ بدل رفض الإسلام المشييء للأنثى، وللإنسان عموماً، رفضت القبيسيّات الأنوثة! وانتحلن أحد أسوأ أشكال الذكوريّة الكاذبة. بدل رفض القبيسيّة للمفاهيم التي تحتقر الأنوثة، رفضت الأنوثة ذاتها، وصارت عبئاً على الذكورة. – يبقى السؤال الهام: هل القبيسيّات تنظيم سحاقي واقعاً، أم أنهن تنظيم ديني سحاقي النكهة؟ ميدانيّاً، أثبتت القبيسيّات أنهن غير سحاقيّات عموماً، لكن الطريق الذي تسير عليه هؤلاء النساء لا بدّ أن سيوصل إلى السحاقيّة شبه الكاملة يوماً. كتاب الأم لا يفيد في إيقاف إفراز الهرمونات في جسد المرأة؛ ومصادرة المشاعر عبر "الكيلوتات" أو الأدعية لا يعني قتلها. – لذلك، يبدو أن هذا الانتحال للذكورة سيوصل مع تراكم الزمن إلى حالة انتشار للسحاق بين القبيسيّات، خاصّة وأن الإسلام لا يبدو متشدّداً للغاية في هذه المسألة عموماً.


كان يمكن للقبيسيّات أن يكن حالة فريدة من نوعها في التحرّر الأنثوي الإسلامي: لكن هذا لم يحدث. وما دامت قبضة الأوانس تقبض على رقاب التابعات، لا يمكن الحديث عن ثورة تصحيحية ضمن هذه الحالة المرضيّ.
أخيراً: في مصر، زمن عبد الناصر، كانت التنظيمات الأصوليّة تتشكّل تحت الأرض بانتظار الفرصة. ولما مات عبد الناصر وجاء السادات، خرجت تلك التنظيمات من تحت الأرض، وكانت النتيجة أن دفع السادات نفسه حياته ثمناً لاستخفافه بها. والقبيسيّات، مثل تابعات الشيخة وفاء كفتارو وغيرها من التنظيمات الأصولية الإقصائيّة، لسن أقل خطراً على وحدة المجتمع من أي تنظيم أصولي طالباني آخر. باختصار: لا يوجد في سوريّا، باستثناء أتباع الدكتور محمّد شحرور، ما يمكن أن نسمّيه "إسلاماً معتدلاً". في سوريّا إمّا أصولي صادق، أو أصولي منافق يرتدي قناعاً معتدلاً: من لا يصدّق، ليسأل البوطي.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط