هشام محمد / Mar 05, 2010

يستحق عبدالرحمن البراك أن يتوج بلقب شيخ التكفيريين السعوديين بامتياز.  ينتمي (سماحته) إلى ذوات اللحوم المسمومة من (العلماء) تلك الطواطم البشرية المحرم انتقادها ومساءلتها ومعاقبتها.  لهذا الشيخ الهرم (77 عاما) طعم الدم ورائحة الموت.  متى ما تكلم وأفتى (فضيلته) سال من فمه دم أسود وفاحت منه رائحة الموت الكريهة.  خذ ما تشاء من فتاواه المجنونة، قديمها وحديثها.  أراهنك أنك ستستعين بآلة حاسبة لإحصاء كلمات، مثل: حرام، لا يجوز، قتل، كفر، ردة، النار، الحدود، القردة، الخنازير، والولاء والبراء.  آخر صرعات هذا الشيخ (الجليل) فتوى هزلية تحكم بكفر وقتل من يدعو إلى الاختلاط بين الرجل والمرأة في مجالات العمل والتعليم.  بالمناسبة، لم يرد في تصريح القتل الذي وزعه البراك على اتباعه الغيارى على الدين واعراض المسلمين أي أسماء بعينها.  ترى ماذا لو امتلك فضيلته مزيد من الشجاعة؟  هل كان سيضع شخصية العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز على رأس قائمته السوداء؟  من المعلوم أن الملك عبدالله هو أول من استقبل النساء في مجلسه الملكي، وأول من تكلم بعفوية مع النساء في جولاته الميدانية، وأول من أقر الاختلاط البريء بين الجنسين في جامعة الملك عبدالله (كاوست).  ترى هل كانت فتوى البراك تمسك بتلابيب ابن بخيت وبقية الكتّاب التنويريين أم كانت على طريقة إيّاك اعني واسمعي يا جارة؟!  عموماً، ليس الهدف من المقالة مناقشة خطل تلك الفتوى وصاحبها، ولا الحديث عن هذا التكفيري العتيد الذي يتضاءل أمام كفرياته شيخ الإسلام... ابن تيمية خجلاً.

 

ما يدعو إلى الكتابة هو ذاك الموقف الشائن والمريب والمخزي لمفتي البلاد وهيئة كبار العلماء وباقي عناصر الجيش العرمرم من الدعاة والائمة واساتذة الدين.  لم يتصدَّ أي من هؤلاء (الوسطيين) لدعوة (القتل الجماعي) الذي شرعه وأباحه البراك لمريديه وتلاميذه المغسولي الأدمغة.  سكوت هؤلاء الوسطيين ليس له من تفسير واحد سوى موافقتهم الضمنية على ما جاء في تلك الفتوى القبيحة.  اقسم أنك لو شققت قلوبهم اجمعين فلن تجد غير التأييد لما تقيأ به صاحبهم الخرف.  لماذا أقول هذا؟  لإني على ايمان بأن كل المنضويين تحت راية الدين هم في الأصل متشابهون في اللون وإن اختلفوا في درجته.  الساكتون على إدانة فتوى البراك هم مثله، أبناء لأرض يرعى فيها التطرف طليقاً ويحيا فيها الرأي الأوحد وحيداً.  هؤلاء الساكتون على التصدي لسادية ودموية البراك هم مثله، تشربوا في الكتاتيب والقاعات المكيفة أفكار صدئة لأبن حنبل وابن تيمية وابن الجوزي وابن عبدالوهاب.  هؤلاء الساكتون على تطرف فتوى البراك هم مثله، لا يريدون خسارة الجاه والشهرة والمال فيما لو تحرر عقل المجتمع من أغلال التخلف الديني وقيود التحريم الغليظة.

 

إن تواطؤ التيار الديني مع دعوة البراك (الجهادية) من خلال سكوتهم على فتواه يؤكد ما ذهبت إليه في مقالتي الأخيرة، والمعنونة ب "الوسطيون".  في تلك المقالة، فندت خرافة الوسطية التي لم تنشأ إلا بعد جريمة الحادي عشر من سبتمبر وما عقبها من تفجيرات إرهابية هزت أركان البيت السعودي.  وإليك بعض من المقاطع التي وردت فيها:  "لقد تحولت الوسطية على أيديهم إلى صك براءة، وإلى ملاذ آمن، يلجأ إليها الجميع خوفاً من شبهة الإرهاب، أو خوفاً من شبهة التغريب والعلمنة. لنقل أن الوسطية قد صارت موضة دينية تجتذب الكثير للانضواء تحت لوائها. الغريب أنك عندما تستنطق كتاباتهم وأحاديثهم إلى ما قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تلاها من تفجيرات الرياض، فإنك لا تكاد تعثر على وسطيتهم التي يلتحفون بها. إن استدعاءهم للوسطية من رفوف خزائنهم العتيقة، يتيح لهم الادعاء بأنهم الأقدر دون سواهم على تبني نهج الإسلام المؤسس في جوهره على الوسطية، وبالتالي لعب دور الحكم العادل في الفصل بين المنازعات والخلافات...لقد نجح هؤلاء باختطافهم لمصطلح الوسطية من تجنيب انفسهم من تهمة المشاركة في صناعة الإرهاب والتعبئة له. إن ما يدعو للرثاء حقاً أن يستثمر هؤلاء هذا الانفلات الإرهابي في تعزيز ادوارهم وفي تدعيم مكانتهم باعتبارهم وحدهم من يملك وصفة العلاج الشافي لعلل المجتمع وتشوهاته. إذ بدلاً من جلب ومعاقبة كل هؤلاء الذين ساهمت كتاباتهم وخطبهم ومحاضراتهم وبرامجهم في غسل عقول المتلقين وحقنها بالكراهية ضد المختلف نجد أن الحكومة تدعو الناس للالتفاف حول هؤلاء الوسطيين لانهم وحدهم الأجدر على الإبحار بسفينة المجتمع إلى شواطيء السلامة!".  إذا لقد كان موقف هؤلاء الوسطيين معلوماً سلفاً، لذا لم يشكل أي صدمة لي على الإطلاق.  فأنا اعرف أن هذه الوسطية ما هي إلا قناع زائف يخفون به وجوههم البشعة التي تشبه وجه صاحب فتاوى الرعب.  وإذا كان هناك من شيء يستحق أن يمتدح به هذا المفتي الدموي فهي صراحته وصدقه مع نفسه على عكس الآخرين الذين خافوا أن يجردوا من مراكزهم الوظيفية وامتيازاتهم فيما لو عبروا عن ما يعتمل في صدورهم  ويجيش فيها.

 

أين تكمن المشكلة إذن؟  المشكلة تتعلق بموقف الحكومة البارد، وأحياناً انحيازها الجلي للتيار الديني، وانصياعها لضغوطاته واملااءته التي لا تنتهي، رغم علمها المسبق أن جل المشاكل غالباً ما يتسبب بها المتشددون.  اقصى ما تم القيام به حجب موقع البراك الالكتروني ربما لشعورها، أي الحكومة بالحرج أمام الإنعكاسات الإعلامية في الخارج.  إن مثل هذا الإجراء الرمزي لن يثني البراك ولا بقية فقهاء التخلف وشيوخ الإرهاب من اطلاق فتاواهم السّامة والمريضة.  كان الأجدر بالحكومة ايداع هذا الرجل في مصحة عقلية أو في زنزانة ليكون عبرة لمن يتعظ، ولمن تسول له نفسه العبث بعقول الأتباع وإرهاب الآخرين.  لا أفهم كيف لحكومة تعتبر نفسها مسؤولة عن صيانة أرواح مواطنيها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام اصدار رخصة دينية تشرع تكفير وقتل كل من يدعو للإختلاط؟!  ماذا لو قام غداً أحد المعتوهين ممن خدرتهم فتاوى مشايخهم بمباشرة القتل؟  من سيتحمل وزر المقتول: القاتل المغيب عن الوعي أم الشيخ المحرض على القتل أم الحكومة الشاهدة على الجريمة؟  لماذا لا نتعلم نحن العرب من التاريخ؟!  هل تنتظر الحكومة أن يسيل دم فرج فودة آخر ودم نجيب محفوظ آخر على أرض الحرمين؟  ألا تعتبر فتوى هذا الوهابي التكفيري إرهاباً بشحمه ولحمه؟  أم أن الإرهاب لدينا ينحصر فقط في الاعتداء على شخصية مسؤول رفيع أو في محاولة تفجير منشأة نفطية أو مجمع سكني للأجانب؟  لا شك لدي أن تلك الفتوى ما هي إلا نوع من الإرهاب الذي يتهدد حياة اي مثقف لا يملك سوى فكره وقلمه.  ولكن على ما يبدو فإن كتّاباً تنويريين من أمثال عبدالله بن بخيت وحليمة مظفر وقينان الغامدي وتركي الدخيل ومحمد عبداللطيف آل الشيخ وغيرهم لا يساوون في جملتهم عند الحكومة رضا وتأييد ومباركة شيخ سلفي!

 

بقي أن اشير إلى أنه وبعد الفتوى الشهيرة وبأيام معدودة، تلقى رئيس النادي الأدبي في مدينة الجوف رسالة نصية على هاتفه الجوال تهدده بالقتل،  وبعدها بنصف ساعة تم احراق النادي بالكامل!  من الجائز ألا توجد علاقة مباشرة بين فتوى البراك وحرق النادي ولكن ألا يثير توقيت الحريق شكوكاً مشروعة، خاصة وأن النادي سبق له استضافة الشاعرة حليمة مظفر رغم احتجاجات وتهديدات المتشددين.  هل سنسمع في القادم من الأيام عن القبض على الجناة ومعاقبتهم؟  أشك في ذلك.  ربما لو كان الجناة من إرهابيي تنظيم القاعدة فأغلب الظن أن الحكومة ستنال منهم.  ما عدا ذلك فلينم المتشددون قريري العين مرتاحي البال.  أليس هؤلاء هم شركاء في الحكم؟  وقديماً قالوا... من أمن العقوبة أساء الأدب.

affkar_hurra@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط