جون نبيل / Nov 12, 2004

قد تكون التعدديّة احيانا سبب مشاكل وخلافات حادّة بين ابناء المجتمع الواحد، هذا اذا كان ابناء المجتمع الواحد غافلين عن جماليّة التعدديّة، لكن  للانسان الواعي، المثقف، صاحب الخير فان التعدديّة هي مصدر سعادة ونجاح.

 

مع الاسف الانسان المسلم لا يستطيع رؤية الجمال في التعدديّة وهو بذلك يطبق الشريعة الاسلاميّة التي جاء بها القران والاحاديث، فاذا ما اراد الانسان المسلم ان يعيش التعدديّة فهو بذلك يخالف اوامر اله الاسلام الذي يقول في سورة التوبة 5 على سبيل المثال لا الحصر: "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم واقعدوا لهم  كل مرصد.." او قول اله الاسلام في سورة التوبة 28 : "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولايحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "او ما جاء في صحيح مسلم في كتاب السلام.. باب النهي عن ابتداء أهل المتاب بالسلام وكيف يرد عليهم: "حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني الدراوردي عن ‏ ‏سهيل ‏عن ‏أبيه ‏‏عن‏ ‏أبي هريرة ‏‏أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه." ‏ والامثلة كثيرة جدا لا يمكن حصرها هنا جميعا. فالآيات التي تحض على القتال والعنف في القران كثيرة كذالك الامر بالنسبة للاحاديث.

 

الانسان المسلم يعيش بصراع داخلي عنيف بين انسانيته وضميره من جهة وبين دينه واجره عند الله من جهة اخرى. لنر الايّتين المذكورتين اعلاه ونتأمل قليلا بفحوى تلك الدعوة التي تنادي ان يقتلوا المشركين والذين لا يؤمنون بما حرم الله ورسوله وعندي بعض الملاحظات حول هذه الدعوة:

اولا: اله الاسلام جعل قيمته بقدر قيمة نبيه محمد فكأن الله ومحمد متفقان على نفس الفكر الايدلوجي ومن يعصى الله فقد عصى محمدا ومن عصى محمدا فقد عصى الله.

ثانيا: الذي يحرمه الله على اتباع محمد لم يحرمه على غير اتباع محمد، فاليهوديّة والمسيحيّة لا تحرم شرب الكحول بينما الاسلام يحرّم شرب الكحول وهنا يكمن سبب لقتال اليهود والمسيحيين بشريعة الهيّة وبالتالي يرفض الاسلام التعددية وان يعيش مع جاره او زميله في العمل او مقاعد الدراسة لانّه يشرب الكحول، ولو توقفت المسألة عند الرفض وعدم القبول لكان الوضع جيّد، الا ان الاية تدعو الى قتال الاخر وذنبه الوحيد انه يختلف مع المسلم بأمر شخصي، وبهذا فان لم تشاركني عقيدتي عليّ قتالك.

ثالثا: الاسلام في هاتين الايتين يرفض ان يكون للانسان الاخر كيان وشخصية مستقلة بتفكيره او ايمانه عنه، وكانه يريد من غير المسلم ان يذوب بالمسلم، وهذا يؤكد رفض الاسلام لمبدأ التعدديّة.

رابعا: لو فرضنا ان هناك دين غير الاسلام يحرم شرب الكحول واكل لحم الخنزير لكنه لا يؤمن بمحمد فان الاسلام يرفض ايمانه ووجب عليه في هذه الحالة مناصبة العداء له.

اما بالنّسبة للحديث المذكور فاي قيمة انسانيّة به تدعو الانسان لقبول اخيه الانسان المختلف عنه دينيا، فهذا الحديث يحض الانسان المسلم على معادة غير المسلم، ليس لانّه انسان به من الشر ما لا يستطيع المسلم ان يتحاشاه، السبب هو فقط لانه يختلف عنه بايمانه وانتماءه الديني، فلو جاء الحديث مثلا لا تبدءوا الاشرار بالسلام اليس به مبدأ دعوة الى الخير؟؟

 

وامام هذه المعضلات نجد ان الاسلام  كدين يرفض كل من هو ليس مسلم و بالتالي فمصطلح التعدديّة يصبح مصطلح غير مفهوم وغير مقبول. الامر الذي ينشأ خلافات بين ابناء المجتمع الواحد.

 

يعيش اليوم في المجتمعات الشرقيّة شعوب واديان وطوائف مختلفة، في اسرائيل مثلا  نرى التقاء  الشعوب والاديان المختلفة، فاذا ما سرت يوما في شوارع احدى المدن الكبرى خصوصا حيفا لوجدت في الشارع الواحد بل في البناية الواحدة اسرة عربية مسيحيّة واسرة عربيّة مسلمة واسرة يهودية شرقيّة واخرى روسيّة وخامسة حبشيّة وسادسة ارجنتينيّة، لو مشيت بأحد الاسواق لوجدت الدرزي والاحمدي والبهائي والسني والاورثوذكسي والكاثوليكي واليهودي العلماني واليهودي المتدين والروسي، و.. و..

لو اراد المسلم ان يطبّق الشريعة الاسلاميّة في اسرائيل لوجب عليه قتال الجميع وان يبقى وحده  دون جاره المسيحي واليهودي والروسي.

 

لنحاول معا ان نرى الجمال في هذه التعدديّة، بامكانك ان تنتقل الىالمجتمع اليهودي العلماني فترتشف بعض العلم الذي يفيدك، ثم تنتقل الى المجتمع الدرزي المحافظ وتأكل اشهى الطعام, ثم تذهب الى المجتمع الروسي فتستمتع ببعض الفنون وهكذا فان كل فئة تمتاز بخصال تغذي الانسان فكريّا، جسديا، عاطفيا وروحانيا. فعندك مثلا الحدائق البهائيّة الرائعة الجمال التي هي بمثابة تحفة فنية متألقة على جبل الكرمل وعلى نفس الجبل ترى ديرا  يرقد بوقار الشيخ تحفّه الملائكة ومن الجهة الاخرى ترى مسجد الاحمديين الشامخ باعتزاز. كل هذا تجده على جبل واحد. اذن التعدديّة هي اجمل ما يمكن ان يكون اذا ما عرف الانسان كيف يتمتع بجمالها.

 

ولكن كيف يمكن ان يؤمن المسلم بالتعدديّة طالما ان دينه يمنعه من ممارستها؟ ما هي الحكمة من وراء  وجود كل هذه الامم والاديان اذا كان الله لا يريد وجودها؟ كيف يستطيع المسلم ان يخرج من صراعه النفسي العميق الذي وضعه له دينه؟

 

الانسان هو انسان اينما ولد ولاي انتماء انتمى، ولكن لا يكفي ان يكون الانسان جسدا كي يعيش انسانيته، الاهم من الجسد هو العقل والضمير فهما اللذان يجعلان الانسان متحضّراً وذا قيم واخلاق، وباتالي هما اللذان يحتّمان علينا قبول الاخر وقبول الاخر تعني ان احترم ما يفكر ويؤمن به دون الضرورة بان يفكر او يؤمن مثلي وطبعا دون ان اتعرض له او يتعرض لي بمجرد اننا مختلفين، فينشأ مجتمع متعدد التيارات العقائديّة او التوجهات السياسّيّة او الانتماءات العرقيّة.

 

قبول الاخر يعني التعدديّة، ولكن! التعدديّة ليست بمصطلح نتغنى به بل هي مسيرة حياة كاملة للمجتمع، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ايّ تعدديّة موجودة في الدول الاسلاميّة الدين والحضارة؟؟

هل يستطيع المسيحي او الوثني او اليهودي او البوذي ان يؤمن بما يشاء ويشرب ما يشاء ويأكل ما يشاء ساعة يشاء، دون ان يسمع كلمة قد تؤذي مشاعره في احسن الاحوال او يفقد حياته بأسوء الاحوال؟؟

علينا بناء فكر جديد يعيد ايماننا بان التعدديّة هي مصدر سعادة ونجاح للانسان وليست تشريعا للقتال.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط