بسام درويش / Oct 29, 2001

هل علم أهل الإرهابيين مسبقاً بالجريمة البشعة قبل أن يقوم أولادهم بتنفيذها يوم الحادي عشر من أيلول في نيويورك وواشنطن؟

ربما نجد جواباً على هذا السؤال في مقال نشرته جريدة المهجر(*) التي تصدر في شيكاغو. عدد 96  تاريخ 15 حزيران، أي قبل ذلك الهجوم الإرهابي بثلاثة أشهر. عنوان المقال هو: "العمليات الاستشهادية: فتوى بجوازها من الشيخ سلمان عودة."

*******  

تضمن المقال مجموعة من الأسئلة طُرحت على الشيخ عودة الذي وصفته الجريدة بأنه واحد من "كبار علماء المسلمين الأجلاء". أما موضوع الأسئلة فكان ما دعته الجريدة  "بالعمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون ضد العدو الصهيوني." هل هذه العمليات جائزة أو غير جائزة. ما هو الاسم الشرعي والصحيح لها. ما هو حدّ الإثخان فيها. هل يكون شهيداً من يقوم بها أو منتحراً. هل تكون ضد الكفار في بلادهم فقط أو تكون ضدهم خارج حدودهم في بلاد لهم نفوذ ومصالح فيها. وأسئلة غيرها...  

 

اعتمد الشيخ في إجابته على نصوص من كتب الحديث والسيرة النبوية ومراجع إسلامية تاريخية أخرى بيّن فيها بأنَّ "العمليات الاستشهادية" ليست جديدة على المسلمين ولكنها كانت في الماضي تتم بشكل مختلف لعدم وجود المتفجرات التي يستعملها "الاستشهاديون" اليوم. وقال الشيخ أن بعض المجتهدين الدينيين الذين يسمونها "بالعمليات الانتحارية" إنما يفعلون ذلك لغاية منعها أو تقليداً لما تتناقله وسائل الإعلام.

وبعد استشهاد الشيخ بعدة نصوص ومراجع، أفتى بأن هذه العمليات جائزة بشروطٍ يضعها الفقهاء من أهل الدين ومن أهمها: [ننقلها حرفياً]

أولاً: أن يكون ذلك لإعلاء كلمة الله.

ثانياً: أن يغلب على الظن أو يُجزَمَ أن في ذلك نكاية بالعدو، بقتلٍ أو جرحٍ أو هزيمةٍ أو تجرئ (تجرؤ) للمسلمين عليهم أو إضعاف نفوسهم حين يرون أنّ هذا فعلُ واحدٍ فكيف بالجماعة. وهذا التقدير لا يمكن أن يوكل لآحاد الناس وأفرادهم خصوصاً في مثل أحوال الناس اليوم، بل لا بدّ أن يكون صادراً عن أهل الخبرة والدراية والمعرفة بالأحوال العسكرية والسياسية من أهل الإسلام وحُماته وأوليائه.

ثالثاُ: أن يكون هذا ضد كفار أعلنوا الحرب على المسلمين. فإن الكفار أنواع منهم المحاربون ومنهم المسالمون ومنهم المستأمنون ومنهم الذميون ومنهم المعاهِدون، وليس الكفر مبيحاً لقتلهم بإطلاقٍ بل ورد في الحديث الصحيح كما في البخاري 3930 عن عبد الله بن عمرو عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً" ورواه النسائي وأحمد وابن ماجه وغيرهم، والأصل إجراء عقود المسلمين على الصحة وعدم التأويل فيها، وهذا يفضي إلى الفوضى والفساد العريض.

رابعاً: أن يكون هذا في بلادهم أو في بلاد دخلوها وتملكوها وحكموها وأراد المسلمون مقاومتهم وطردهم منها، فاليهود في فلسطين والروس في الشيشان ممن يمكن تنفيذ هذه العمليات ضدهم بشروطها المذكورة.

خامساً: أن تكون بإذن الأبوين لأنه إذا اشترط إذن الأبوين في الجهاد بعامّته فإذنهما في هذا من باب أولى، والأظهر أنه إذا استأذن والديه للجهاد فأذنا له، فهذا يكفي ولا يشترط الإذن الخاص والله أعلم. ومن يقوم بهذه العمليات وفق الشروط المعتبرة شرعاً فهو بإذن الله شهيد إذا صحّت نيته، إنما الأعمال بالنيات يُدعى ويُتَرَحَّمُ عليه ويجوز الصرف على هذه العمليات من بيت المال أو من الزكاة لأنها في سبيل الله، أو من غيرها، أما حد الإثخان فهو خاضع لتقدير أهل الشأن والخبرة كما ذكرنا، بحيث يتحقق العلم أو يغلب على الظن أنها ستوجع فيهم قتلاً أو جرحاً أو تحدث فيهم ضرراً بليغاً أو تنشر فيهم رعباً أو تحملهم على الرحيل إلى ديارهم دون أن يكون لها مردود سيئ أكثر من ذلك مثل الانتقام من الأبرياء أو تهديم المدن والقرى أو الانجرار إلى حرب شاملة لا يقوى عليها المسلمون، ولم يستعدّوا لها وما أشبه هذا مما يملك النظر فيه من آتاه الله الفهم وبعد النظر وقوة الإدراك، والاجتهاد في هذا الباب وارد وهو عرضة للخطأ والصواب ولكن يتقي المسلمون ربهم ما استطاعوا والله أعلم.   

***********

تلك كانت فتوى الشيخ سلمان فهد عودة في جواز العمليات الإرهابية ضد الكفار. والعملية الإرهابية التي قام بها المسلمون في الحادي عشر من أيلول جاءت متفقة في مقوماتها مع الشروط الأربعة الأولى.

جاءت متفقة مع الشرط الأول لأن الشروط الأخرى اتفقت معها أيضاً وهذا ما يجعلها عملاً غايته إعلاء كلمة الله فأي عمل يقوم المسلمون به ضد الكفار وخاصة إذا كان موجهاً إلى دولة أعلنت حرباً على دولة إسلامية هو بنظرهم لإعلاء كلمة الله.

وهي تتفق مع الشرط الثاني إذ أن الإرهابيين أرادوا أن يظهروا لأميركا ما يمكن أن يلحق بها من الضرر مسلم واحد أو عدد قليل من المسلمين، فكيف يكون حال أميركا لو قام المسلمون كلهم محاربين. ومن ناحية أخرى، فإنه يبدو واضحاً بأن الجريمة قد خطط لها أهل "خبرة ودراية ومعرفة بالأحوال العسكرية والسياسية" ويعتبرون أنفسهم "من أهل الإسلام وحُماته وأوليائه."

وتتفق مع الشرط الثالث حيث أن العملية كانت حرباً ضد كفار أعلنوا حربهم على المسلمين. فأميركا بنظر المسلمين قد أعلنت حربها عليهم بهجومها على العراق وبعملياتها التي لا تزال تقوم بها وأيضاً بفرضها الحصار عليه. كذلك فإن وجود قوات لها على أرض الجزيرة العربية ودول عربية أخرى يعتبر بنظر المسلمين اعتداء عليهم.  

وتتفق أيضاً مع الشرط الرابع إذ تمت العملية في مكان يجوز أن تتم فيه وهو في بلاد الكفار.

أما الشرط الخامس فهو موضوع تساؤلنا. فإذا كانت العملية تتفق مع كل الشروط الأولى.. وإذا اعتبرنا كلام الشيخ العالم بأن استئذان الوالدين هو أيضاً من الشروط المهمة، أفلا يعني ذلك أن الإرهابيين قد أطلعوا ذويهم على جريمتهم التي عقدوا العزم على ارتكابها؟.. إنه ليبدو واضحاً، واعتماداً على هذه الفتوى، أن أهل الإرهابيين قد اشتركوا ي الجريمة فعلاً مع أولادهم بإعطائهم الإذن للقيام بها وكذلك بالتستر عنها! وربما يفسّر هذا ما ورد في الرسالة التي كان يحملها الإرهابيون من تذكير لهم بالقول: "وإذا مَنَّ الله على أحدكم بالذبح فلينوِها عن أبيه وأمه.." فهذا أقل ما يمكن أن يقدمه "الأولاد الصالحون" لأهلهم الذين أعطوهم الإذن للقيام بهذه الجريمة.  

ومن هذا المنطلق، والتهمة واضحة بشهادة علمائهم، أفلا يتحتّم على المجتمع الدولي أن يطالب الدول التي يعيش فيها أهل المجرمين بتسليمهم ليد العدالة للتحقيق معهم؟ ومن هذا المنطلق أيضاً يمكننا الجزم بأن هناك آباء وأمهات لإرهابيين آخرين محتملين يجلسون الآن في بيوتهم، وربما هنا في أمريكا، وعيونهم مسمّرة على شاشات تلفزيوناتهم بانتظار ما سيقوم به أولادهم من أعمال لنصرة الله والإسلام!

 

تُرى متى يعي الغرب خطر هذا العدو الساكن بيننا ينتظر الفرصة لينقض علينا وينهش من لحمنا؟

*********

(*) "المهجر" جريدة يملكها خالد الدميسي، تصدر في شيكاغو، هي معروفة باتجاهها الموالي لنظام الحكم العراقي وتأييدها للمنظمات الإرهابية.

***************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط