مراسل الناقد في فرانسا / Sep 12, 2010

في كتاب صدر بالفرنسية بعنوان "حسرة الخميني" (Regret de Khomeiny) للكاتب والصحافي الإيراني داوود عبّاسي، جاء في الصفحة 51 وما يليها:

 

في ربيع العام 1984 وبعد سنوات من الحكم تحوّل الخميني إلى رجل آخر، وذلك بطلب من كنّته، أي زوجة ابنه، التي شكّلت موضوع حبّه الوحيد في الحياة.

أرادت هذه الكنّة الغوص في دراسة الفلسفة، فجاءته يوما تستمزج رأيه بالأمر. فأجابها بأبيات من الشعر:

 

"يا فاتي، أنت الراغبة في درس الفلسفة

"ولا تعرفين منها إلا الأحرف الثلاثة: ف ل س.

"أملي أن تنقذي نفسك، بفضل الله، من الفلسفة."

 

أثارت هذه الكلمات فضولية فاتي، فتمنّت عليه المزيد من الأبيات الشعرية.

ولم تمض أيام قصيرة حتّى تلقّت منه أربعة أبيات شعريّة جديدة، يقول فيها:

 

"يا فاتي، أسرعي إلى لقاء الحب!

"عليك أن تنسي!

"الشيطان يحاول إغراءك ويقف في طريقك

"عليك بالحذر والهرب منه بعيدا."

 

في تلك اللحظة بدأ الخميني بكتابة الشعر فأهدى أولى أبياته الشعرية إلى كنّته فاتي، وأخذ ينصحها بعدم الوثوق بأي كان، وبالإبتعاد عن درس الفلسفة لأنها من الأمور المؤدّية إلى الشّر.

 

وهنا يضيف الكاتب:

 لن نتوقف عند هذا الموضوع، لأن كل ما يتعلّق بالمرأة قد يكون مزعجا ومرعبا للملالي ولآيات الله. غير أن الخميني كان يضمر غراما شديدا لكنّته، إذ تحوّل رغم بلوغه سن الثمانين إلى شاعر يتغزّل فقط بحبّها.

 

إلتقى الخميني بفاتي عندما كان منفيا في العراق، بينما كان يعيش نجله آنذاك في إيران. حالما شاهدها لأول مرة مع أفراد عائلتها، وجدها في غاية الجمال، فاختارها حالا زوجة لنجله الغائب.

وهكذا تمّ له ما أراد دون استشارة إبنه. فأجرى عقد زواجهما عبر الهاتف.

ومع تقدمه بالسن وتعرضه للمرض، اضطر الخميني إلى ملازمة الفراش في البيت، فكانت فاتي الممرضة الرئيسية المسؤولة عن خدمته. ومن أجل التمتّع بجمالها وإبراز حبّه لها، سمح لكافة نساء الأسرة بالتجوّل في منزله دون الالتحاف بالتشادور المفروض عليهنّ شرعا.

في تلك الفترة، نظم لكنّته الأبيات الشعرية التالية:

 

"هل تعرفين، يا فاتي، أنني مجنون في حبّك،

"أنا الذي يضفي عليك كل القيم.

"الملالي الآخرون يحجبون وجه الحبّ.

"أما أنا المولع بهيامك، فأنزع القناع الذي

"يحجب جمال وجهك.

"أسقطي هذا الحجاب أمام العجوز الذي يصارع الموت.

"والذي سيبقى حتّى النفس الأخير ولهانا بكِ."

 

وهنا يعلّق الكاتب قائلا :

إن آيات الله لا يحظرون الزواج، غير أنهم يعتبرون الحب والعواطف الإنسانية من المحرّمات أو التابوهات. أما الخميني الذي يخاطب كنّته، فيتكلّم كثيرا عن الحبّ ويتوقّف غالبا عند الشهوة التي تجذبه إليها. وهذا ما يستنتج من الأبيات الشعرية التالية.

 

"إذا كنت ذكيّة، لن تقعي أبدا في الثمالة.

"داعبيني، لامسيني، ودعيني أرشف العبير من كأسك.

"لقد حجّ كلّ الأصحاب إلى مكّة. لا همّ!

"فليتّهموني هناك علنا قدر ما يشاؤون بخطيئة الشهوة.

"أنا "فرهاد" وقلبي يحترق بنار حبّ "شيرين"

"كم أهفو إلى لقاء الحبّ."

 

يتوقّف الكاتب هنا لإبراز موقف الأسرة من هذا الكلام فيقول:

عندما نشرت أسرة الخميني ديوان شعره، برّرت كلماته وأفكاره الوجدانية وعواطفه النبيلة بأنها موجّهة إلى العزّة الإلهية. غير أن ذويه تناسوا أن الخميني بدأ بكتابة الغزل نزولا فقط عند رغبة كنّته التي أهداها كل كتاباته الشعرية.

 

من البديهي أن تكون فكرة الحب ّالإلهي أمرا محتملا، خاصة لدى رجل دين مثل الخميني يفترض به الاهتمام طيلة حياته بالشؤون الإلهية. غير أنّه من المحتمل أيضا أن الوقت لم يسمح له بتمجيد العزّة الإلهية وتكريمها كما ينبغي قبل بلوغه سنّ الثمانين نظرا لاهتمامه بشؤون أخرى بعيدة كل البعد عن جوهر الدين. وهنا يسمح الكاتب لنفسه بالتساؤل:

 هل تنشّق الخميني رائحة الحبّ المفاجئ في فترة متأخرة بعد تقدّمه في السّن؟

ثم يضيف: عندما أراد الخميني التعبير عن مشاعر الحب وإشباع الشهوة لديه، تنكّر لكل ماضيه، أو بالأحرى، تخلّى عن كل الأفكار الدينية والفلسفية التي دافع عنها وعلّمها خلال أكثر من نصف قرن، وذلك حبّا بكنّته. وهذا ما نستشفّه أيضا من الأبيات الشعرية التالية:

 

"رقادي عذاب جهنميّ

"الشيطان يحاصرني باستمرار."

 

كما أن الخميني لم يتوان عن تشبيه نفسه بالحجّاج، السفّاح العربي المشهور. ففي خريف عام 1987، كتب في رسالة موجّهة إلى كنّته، يقول فيها:

 

"في عزّ شبابي كنت حادّ الطباع، فتّاكا ناشطا بفضل الشيطان وشقيقته الأنانية. قضيت وقتي وحياتي أوزّع كلاما فارغا لا فائدة منه، لم أجنِ منه شيئا لنفسي حتى الآن. كل ما تعلّمته في حياتي لم يثمر شيئا كذلك. نسيت كل شيء للإهتمام فقط بكتب لا قيمة ولا مصير لها في النهاية سوى سلّة المهملات."

 

يلمّح الخميني هنا إلى المجلّدات الكبيرة الثلاثة التي شكّلت وما زالت مراجع رئيسية لآيات الله. وهي: - الأسفار الأربعة – الفتوحات – فصوص الأحكام.

نصح الخميني كنّته بترك دراسة الفلسفة وعلوم الدين للآخرين، محذّرا إياها بقوله:

 

"ستجدين نفسك يوما بعيدة جدّا عن قافلة الحب والعشّاق...

 ستتألمين كثيرا من عبء اليأس الثقيل لأنّك لم تبلغي مبتغاك.

 إصغي جيّدا لكلامي إذا أردتِِ تحاشي الوقوع في فخّ الشيطان كما حصل معي.

 لقد عشت طيلة حياتي أسير هذا الفخّ، واليوم أرزح تحت عبء الحزن الجهنّميّ.

 فالشيطان الساكن فيّ لم يترك لي فترة راحة، والآن أرتعب من الضربة الأخيرة القاضية التي سيسدّدها لي."

 

وفي الختام، يخلص الكاتب إلى القول:

في ساعاته الأخيرة، اعترف الخميني واعتبر أن كل ما فعله، أي السياسة التي انتهجها ومارسها، والتعاليم التي أطلقها، والدراسات التي نشرها، لم تكن إلا فخوخا شيطانية. أما المؤسف فهو عدم تحلّيه بالشجاعة والجرأة الكافية للإعتراف علنا بأخطائه وجرائمه قبل رحيله عن هذا العالم. ولحسن الحظ أننا حصلنا على كتاباته التي وجّهها إلى كنّته فاتي، والتي كشفت لنا أخيرا حقيقة هذا الرجل.

فعلى الذين ما زالوا يتمسّكون حتى اليوم بأفكار الخميني وبنظرياته أن يفكروا بفعل الندامة والأسى والتحسّر الذي أطلقه معلّمهم. ليضعوا نصب بصرهم وبصيرتهم شهادة هذا الرجل الذي ندم متحسّرا وتنكّر بائسا لكل شيء أقدم عليه في حياته.

 

ملاحظة: وجد مراسلنا في إحدى المكتبات الفرنسية هذا الكتاب الذي نشر بالفرنسية دون أية إشارة إلى الناشر أو إلى تاريخ النشر، كما نشرت على إخر صفحة منه صورة عن أشعار الخميني الواردة في هذا النصّ كما كتبها بخط يده. وقد أردنا إطلاع القراء بهذا الأمر

 

عنوان الكتاب بالفرنسية:

REGRET DE KHOMEINY ?!

Par ABBBASI David

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط