بسام درويش / Feb 24, 2002

نقلت الأخبار مؤخراً نبأ استعداد السعودية للاعتراف الكامل بإسرائيل بشرط أن تقوم إسرائيل بانسحاب كامل من كل الأراضي التي احتلتها عام  67  بما فيها القدس الشرقية.

 

إعلان السعودية هذا لا يحمل في الحقيقة شيئاً جديداً، فموضوع المطالبة بتحرير فلسطين بكاملها ورمي اليهود في البحر أصبحت قصة لا يضحك لها العالم فقط بل العرب أنفسهم أيضاً. فالسعودية وغيرها من الدول العربية، كانوا كلهم يلمحون دائماً بشكل أو بآخر بهذا العرض. لكن الجديد في هذا العرض هو علانيّته وتوقيته وأيضاً مستوى جدّيته بسبب صدروه عن مرجع رفيع في الإدارة السعودية. وانطلاقاً من ذلك لا بدّ من أن يُنظَرَ إليه على أنه تطور هام على طريق إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي.

 

ردة فعل الحكومات العربية على هذا العرض كانت متفاوتة بين تحمّسٍ أو تشجيعٍ أو فتورٍ أو امتعاضٍ أو، إلى حد ما، معارضٍ. وعلى كل حال، ليس غريباً أبداً أن نرى بعض الحكومات تقف موقف المعارضة لكل مبادرة سلام، لأن هذه الحكومات تعرف تماماً أن زوال حالة اللا سلم ستفقدها العذر الذي تتذرع به لممارسة القمع في إدارة شؤون شعوبها. من ناحية أخرى، فقد تعودت هذه الحكومات أن تعتبر نفسها صاحبة الحق من دون غيرها بطرح أي عرض للسلام رغم أنها لم تظهر تشوقاً في يوم من الأيام إلى السلام.

 

أما فيما يتعلّق بحكومة إسرائيل، فإن تردُّدَها في التفكير بجديةٍ بهذا العرض سيكون دون شك تصرفاً خالياً من الحكمة، كما لاشك بأنه سيؤدي بها إلى خسارة بعض أصدقائها، لا بل أنها قد خسرت بالفعل بعضهم بسبب سياسة شارون الذي لم يصل إلى الحكم أساساً إلا بسبب قلة خبرة السلطة الفلسطينية في التعامل مع حكومة باراك السابقة. صحيح أن إسرائيل قد احتلت الأراضي العربية المذكورة في حرب خرجت منها منتصرة. وصحيح أنها كدولة منتصرة ترى أنه من حقها أن تفرض الشروط لكي تضمن بأن نداءات الدعوة إلى تدميرها وإلى رمي اليهود في البحر هي نداءاتٌ لن تتكرر، ولكنْ من الغباء أن لا تفهم وتقتنع بأن إنهاء الانتفاضة الفلسطينية هو في الحقيقة أصعب عليها بكثير من هزيمة جيوش نظامية لبضع دول عربية. فالفلسطينيون هم في قعر دارها وأحجارهم أصبحت تثير القلق أكثر من الأسلحة المتطورة التي تمتلكها الدول العربية. إنّ عدم الاهتمام بهذه المبادرة من قِبَلها سيُنظَرُ إليه على أنه غطرسة إلى حد الغباء.  

أمام إسرائيل فرصة لا يجوز تفويتها وكذلك أمام العالم. ولكن، لا بدّ هنا من التوقّف عند مطلبين مهمين بدونهما لن يكون هناك إلا سلام مزيف.

 

المطلب الأول:

الصراع على القدس ليس صراعاً حديثاً، ونظرة سريعة على التاريخ، قديمِه وحديثِه لَتُؤكِّـدُ بأن هذه المدينة لا يمكن ولا يجب أن تكون تحت سيطرة دولة واحدة من الدول أو شعب واحد من الشعوب.

مكانة القدس الدينية بالنسبة لليهود والمسيحيين بالمقارنة مع مكانتها بالنسبة للمسلمين هي مكانة أولية. هي لليهود مدينة هيكلهم المقدس الأول، هيكل سليمان. وبالنسبة للمسيحيين، هي المدينة التي صُلب فيها المسيح ومات وقام. أما بالنسبة للمسلمين فالقدس ليست مدينة بمنزلة مكة رغمَ أن محمداً قد جعلها قبلة لصلاة المسلمين في بداية عهده قبل أن يقرر فيما بعد جعل مكة قبلة نهائية لهم. ومع كل ذلك وعلى الرغم من زيف قداستها الإسلامية، لا مفر من الاعتراف بالواقع الذي يفرض نفسه وهو أن للقدس مكانة خاصة، لدى الجميع من يهود ومسيحيين ومسلمين. وانطلاقاً من هذا الواقع فإن التدويل هو الحل الأمثل الذي يضمن تجنب أي صراع بين هذه الطوائف في المستقبل.

تدويل القدس لا يجب أن يعني تسليم إدارتها للجنة مكونة من يهود ومسيحيين ومسلمين بل على العكس تماماً، يجب أن تكون إدارتها أبعد ما يمكن لها أن تكون عن أية صفة دينية تأكيداً لضمان حياد هذه الإدارة.

 

المطلب الثاني وهو الأكثر أهمية:

تدويل القدس وتأسيس دولة فلسطينية بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 67 سينهي حالة حربٍ بين إسرائيل والعرب ولكنه لا يعني بأي شكل من الأشكال إحلالَ سلامٍ بين الطرفين. هذا السلام لن يكون سلاماً حقيقياً وثابتاً، لا بين العرب وإسرائيل، ولا بين العرب والعالم، طالما بقيت هناك جماعات إسلامية متطرفة تؤمن وتعلّم بأن اليهود هم أعداء الله وبأنهم والمسيحيين شعبان لا يضمران للمسلمين إلا الأذى. إن إنهاء حالة الحرب لا يعني إنهاء الكراهية وبدون القضاء على الكراهية لن يكون هناك سلام.

إنه لمن النفاق أن يقول أحد أنّ كراهية المسلمين للمسيحيين واليهود لا تعود بجذورها إلى تعاليم الإسلام، ولكن من الغباء أيضاً أن نعتقد أن كل مسلم يحمل هذه التعاليم محمل الجد في علاقاته مع المسيحيين واليهود. لذلك، فإذا أُريـدَ لهذا السلام أن يكون سلاماً حقيقياً فلا بدّ للحكومات العربية لإظهار نيتها الصادقة أن تقوم بعملية إعادة تقييم لكل نواحي الحياة فيها. إعادة التقييم هذه يجب أن تكون أشبه بحركة انقلاب يتم خلالها قبل كل شيء حظرٌ فوريٌّ على نشاطات كل الجماعات المتطرفة حتى لو كانت تمارس نشاطاتها من على منابر المساجد. بعدها لا بدّ من إعادة تقييم شاملة لوسائل الإعلام ولمناهج التعليم المدني والديني، وبذلك تبدأ بإعداد جيل جديد مختلف متسامحٍ لن يكون فقط قادراً على التعايش مع بقية شعوب العالم، بل سيكون جيلاً مساهماً في تقدم وازدهار الإنسانية كلها.

إننا إذا اعترفنا بأن الصراع بين العرب وإسرائيل هو في الحقيقة صراع بين المسلمين وإسرائيل والعالم أيضاً، فإننا لنوقن آنذاك بأن السلام يتطلب أكثر من اعتراف سياسي وتبادل علاقات تجارية، إنه يتطلب اعترافاً من الإنسان بأخيه الإنسان قبل كل شيء، وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف يكون هناك اعترافٌ كهذا، والدول العربية كلها تتخذ من القرآن الذي يعلّم على رفض الآخر مصدراً أساسياً لدستورها الذي يحكم علاقاتها مع شعوب العالم؟

==================  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط