بسام درويش / Mar 03, 2005

قوات النظام السوري ستخرج من لبنان قريباً جداً، لكنّ خروجها بالتأكيد لن يكون تنفيذاً لاتفاق الطائف ولا استجابة كريمة لإرادة الشعب اللبناني. خروجها سيكون طرداً مع كل ما يعنيه الطرد من مهانة. لكن، هذه المهانة لن يحمل عارها الجيش السوري ولا الشعب السوري، إنما النظام وحده.

 

شعب لبنان يقدّر قيمة علاقته مع شعب سوريا. وشعب سوريا يعرف قيمة لبنان ولا ينسى أنه قد كان دائماً بالنسبة له بمثابة الرئتين في أوقاته العصيبة. لقد أدرك نظام البعث هذه الحقيقة منذ تسلطه على الحكم، وعرف تمام المعرفة أن حكمه لن يطول ما دام هناك بجواره متنفسٌ للمعارضين الهاربين من بطشه، لذلك كان همه الشاغل دائماً إطفاء مشعل الحرية في هذا البلد. وهكذا، فقد عمل على إثارة الفتن الطائفية والسياسية فيه لتكون له عذراً لاحتلاله تحت ستار المساعدة في تهدئة الأوضاع؛ وكان له ما أراد. انطلاقاً من ذلك، فإن طرده اليوم لن يعني نهاية لمشاكل لبنان، لأن لبنان، وخاصة بعد كل ما عاناه منه، سيعود شوكة أدمى في عينه وخطراً أعظم مما كان عليه في الماضي. لبنان لن يعرف السلام ما دام هذا النظام قائماً بجواره، والنظام السوري لن يعرف الراحة ما دام هناك لبنان حر بجواره.

 

نظام البعث لم يسئ فقط إلى الشعب اللبناني إنما إلى كل شعوب المنطقة. أساء إلى الأردنيين حين غزا أراضيهم وحاك المؤامرات ضد حكومتهم. أساء إلى الفلسطينيين إذِ استغل قضيّتهم كقميص عثمان لا لشيء إلا من أجل استمرارية حكمه، وفتك بهم أكثر مما قيل عن فتك إسرائيل بهم. أساء إلى الكويتيين بغزو أراضيهم عن طريق قيادته القطرية العراقية المنحلة؛ وأساء إلى الشعب العراقي ـ مباشرة، أو عن طريق ربيبه صدام ـ ولا زال حتى اليوم بعد نيله لحريته، يقف عقبة في وجه استقراره بدعمه ـ عملاً وإعلاماً ـ للإرهابيين الذين يثيرون الرعب بين أبنائه. وأخيراً وليس آخراً، فقد أساء للشعب السوري، وكيف لنا أن ننسى ما عاناه هذا الشعب ولا زال يعانيه في ظل حكمه التعسفي منذ ما يزيد على الأربعين عاماً. لذلك، فإنّ شرقاً أوسط خالٍ من القلاقل والمشاكل، لن يكون إلا وهماً طالما بقي نظام البعث قائماً في هذا البلد. وانطلاقاً من ذلك، فإنّ التبديل في سياسة النظام الداخلية أو الخارجية ليس هو الأمر المطلوب، إنما المطلوب هو تغييره باقتلاعه من جذوره، إذ لا يُرجى من العوسج ثمرٌ ولا من الحصرم خمرُ.

 

لقد آن لشعب سوريا أن يأخذ زمام المبادرة بيده لتغيير النظام، فالعالم كله يقف اليوم وراءه. الوضع مشابه تماماً لما كان عليه قبل أن يخرج التشيكيون والمجريون والبولونيون إلى الشوارع، وعلى السوريين أن يفعلوا اليوم الأمر نفسه. عليهم أن لا ينتظروا الفرج من الخارج ولا عن طريق دبابةِ عسكريٍّ من الداخل. هذا الفرج لن يأتيهم إلا إذا أعلنوا هم عن رغبتهم فيه، واليومَ اليومَ فرصتُهم!..

 

قريباً، سيقوم النظام بتسيير المظاهرات المؤيدة له في محاولة لخداع الرأي العالم العالمي أولاً، ولتطويق أية حركة يمكن أن يقوم بها الشعب السوري ثانياً؛ لكن، وإذ أن هذه المظاهرات البهلوانية لن تخدع العالم، فإن على الشعب السوري أن يهيء نفسه للخروج ضدّها، لأنها هذه المرّة ستكون إهانةً بحقّه ما بعدها إهانة، وتزييفاً لإرادته ما بعده تزييف. لا بل ربما قد تكون هذه المرّة فرصة أخيرة لا تُعُوَّض.

 

لقد آن لشعب سوريا أن يتحرك لاسترداد كرامته المهدورة وأن يعمل هو على تطويق أية محاولة للنظام لإطالة عمره. 

إنّ ثورة سورية شعبية كهذه ستكون فخراً لأبناء الأمة السورية ما بعده فخر، إذ سيمكنهم بعدها أن يقولوا بكل جدارة أنهم أول من نالوا، بين شعوب الشرق الأوسط، حريتهم بيدهم.

*************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط