والخوف من مواجهة الحقيقة!
بسام درويش / Jun 27, 2010

ذكرت الأخبار أن وزارة التربية والتعليم المصرية بدأت بالتنسيق مع دار الافتاء المصرية بإجراء تعديلات على مناهج التربية الدينية في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي، من الصف الأول وحتى الصف الثالث الثانوي، وسيبدأ العمل بالمنهاج الجديد في العام الدراسي القادم. وقال الدكتور أحمد زكي بدر، وزير التربية والتعليم إنّ الغاية من هذه الخطوة لتصحيح الخلل في مناهج التربية لما تحتويه من عباراتٍ تحض على التطرف والعنف، موضحاً أن الدين الإسلامي هو دين سماحة ومحبة ولا يمكن أن يكون فيه ما يدعو للعنف والتطرف. قال الوزير أيضاً إن الوزارة قامت بإرسال مناهج التربية الدينية المسيحية للبابا شنودة الثالث لمراجعتها وبيان النقاط التي يمكن إضافتها أو حذفها منها لتتواكب مع متغيرات العصر.

وبينما تحدث وزير التربية والتعليم عن خلل في المناهج أكّد علي جمعة مفتي الديار المصرية أنه ليس هناك من خلل فيها لكنّه قال بأنّ التغيير سنّة الحياة وكلّ منهج له زمنه المناسب!

وقد أعلن المفتي أنه تمّ الاتفاق على إصدار كتابٍ بعنوان "الأخلاق" يُدَرَّس للطلاب من الصف الأول الايتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي يهدف إلى تعريف الطلاب بالقيم والمبادئ والتسامح التي تشير إليها كل الأديان السماوية.

 

************

لقد صدق الشيخ وكذب الوزير...! ربما أجد صعوبة في ابتلاع كلمتي وأنا أقول بأنّ الشيخ قد صدق ولكنّي أصرّ على قولي... إلى حدٍّ ما!

مناهج التعليم "ليس فيها خللٌ"، و"التغيير سنّة الحياة وكلّ منهج له زمنه المناسب." حقاً يقول الشيخ!

 

إذاً، وبناءً على ذلك، ولأنه ليس بين فقهاء المسلمين من يجادل في كون الإسلام منهج حياة وفي أنَّ القرآنَ كتابٌ يصلح لكل زمان ومكان، فالشيخ وأنا متفقان على أنّ الإسلام كله بحاجة إلى تغيير، وأنّ القرآن في الحقيقة كتابٌ لا يصلح لكل زمان ومكان...!  هذا بالطبع، مع احتفاظي برأيي الخاص وهو أنّ القرآنَ كتابٌ لا يصلح لا لزمانه ولا لأي زمانٍ ومكان...!

********

إنه لمن الغني عن الذكر بأنّ كلّ مناهج التعليم المدرسية في البلاد العربية، وبالذات تلك التي تتعلق بالدين والأخلاق والمجتمع، تنهل من مصدر واحد وهو الإسلام. والإسلام كما نعرف، يتمثل بمرجعين رئيسين هما القرآن والسنّة. لذلك، فإذا كان هناك في الحقيقة من خللٍ ما، فهو ليس في المناهج التعليمية نفسها، إنما في المنهج الأساسي الذي تستمد منه هذه المناهج نصوصها. بعبارة اخرى، المناهج المدرسية موضوعةٌ والواضع هو الإسلام، ولذلك فالخلل هو في الواضع وليس في الموضوع. لقد صدق الشيخ مفتي الديار المصرية ولكن على الأغلب من حيث لا يدري، ولو درى، لما كان بالتأكيد قد قال ما قال، أو لكان قد بحث عن كلماتٍ أخرى يعبر بها عن رأيه.

أما وزير التربية والتعليم فقد أخطأ من حيث كان بالتأكيد يدري، والذي يخطئ ويعرف بأنه مخطئ ثم يحاول إقناع الناس بصحة منطقه فهو ليس إلا كاذباً ومخادعاً. هذا الوزير، مع اعترافه بوجود خلل، يؤكّد أنَّ الخلل لا علاقة له بتعاليم الدين الإسلامي لأنّ الدين الإسلامي حسب وصفه "دين سماحة ومحبّة."

كلاهما، الوزير والمفتي، يعلمان حق العلم بأنَّ التطرف والعنف هما السمتان الرئيستان في التعاليم الإسلامية، وأنه إذا كان هناك حقاً من دعوة واحدة يتيمة فيه إلى تسامحٍ بين الناس فقد جاءت بعدها آياتٌ وآياتٌ تنسفها من أساسها مستبدلة إياها بدعوة إلى القتال وكراهية الآخر. كلاهما، الوزير والمفتي، يتجاهلان علناً أو ضمناً أسباب العلّة التي تعاني منها التربية بشكل عام في المجتمع العربي والإسلامي.

*********

التربية الأخلاقية مادة ضرورية لطلاب المدارس العامة بكل تأكيد، لكن شريطة أن لا تعتمد على الدين مصدراً لها، إنما على القوانين الموضوعة والتي يفترض أن يكون فيها من البنود والروادع ما يكفي لتنشئة مجتمعٍ يحترم كل فردِ فيه حق وحرية الفرد الآخر. فالقوانين المتحضرة ـ نعم المتحضّرة ـ، تحظر على إنسانٍ قتلَ إنسانٍ آخر إلا دفاعاً عن نفسه. تحظر عليه الكذب الذي يؤدّي إلى ضرر الآخر. تحظر السرقة. تضع أسس العلاقات بين الأفراد وبين الموظفين ورؤسائهم، وبين المؤسسات والزبائن، وبين الجيران بعضهم مع البعض الآخر، وبين المواطن والحكومة، وغير ذلك. وأهمّ من كل هذا وذاك، تضمن حق كل فردٍ بالتعبير عن رأيه.

أما التربية الدينية فتعلم الفرد ما لا تتضمنه ولا يمكن أن تتضمنه القوانين، كالتسامح، والمحبة، والتضحية، والعطاء، وعدم الكذب سواء كان مؤذياً أو غير مؤذٍ وفضائل أخرى كثيرة. لكن، ولأنّ مفهوم هذه الفضائل يختلف من دين إلى آخر، لا بل إن بعضها لا وجود له في بعض الأديان، فإنه من الأفضل ترك مسؤولية تعليمها للأهل أو لهيئاتهم الدينية.

 في الحقيقة، إن الطالب المسيحي في المدارس الحكومية لن يجد صعوبة في قبول فكرة التسامح أو العطاء أو محبة الغير إذا ما أقحمت هذه الفضائل في كتاب التربية الأخلاقية. الطالب المسلم هو الذي سوف يجد صعوبة في فهمها أو حتى في قبولها. هذا الطالب، سرعان ما سوف يكتشف زيف هذه المبادئ التي يتعلمها بمجرد عودته إلى بيته أو ذهابه إلى المسجد، لأنه هناك سيسمع عكس ما تعَلَّمه في المدرسة تماماً. سيسمع أباه أو أخاه الكبير وهو يستشهد بآياتٍ من القرآن أو أحاديث نبوية تخالف كل تلك الفضائل التي قيل له بأن دينه يعلمها. سيسمع ما يناقضها من أفواه رجال الدين على التلفزيون أو على منابر المساجد التي يذهب إليها بصحبة أبيه أو أخيه. وسيرجع إلى المدرسة ليعود فيسمع مرة أخرى عكس ما سمع ورأى فيفقد آنذاك الثقة بكل ما يتضمنه كتاب الأخلاق وربما بكل ما يتعلمه في المدرسة.

في الحقيقة، إن تعليم مبادئ لا وجود لها في الإسلام، هو خداع للطالب المسيحي في المدرسة قبل المسلم، لأنه يعطيه شعوراً كاذباً بالأمان من زميله المسلم الذي يرجع إلى البيت من مدرسته ويسمع أهله يقولون له أن لا يصدّق كل ما يتعلمه في المدرسة لأن المسيحي كافر عدوّ للمسلمين لا يؤمن جانبه.

**********

لكن، ومن جهة أخرى، فإن الاستعاضة عن التربية الدينية بكتاب يعلم الأخلاق الاجتماعية بناء على القوانين الموضوعة لن يحل المشكلة في العالم العربي، لأنّ قوانين الدول العربية لا زالت تستمد معظم بنودها من المصادر الدينية نفسها، والتي هي ليست المشكلة الرئيسية في المناهج التربوية المدرسية فقط إنما في كل ما يعاني منه المجتمع العربي. لذلك، فإنّ عملية فصل التربية الدينية عن المدرسة لن تجدي نفعاً إن لم تسبقها عملية فصلٍ للدين عن الدولة فصلاً تاماً يجري بعدها تطهير دستور الدولة من كل ما له علاقة بالدين.

 

إن عدم إقحام الدين في مناهج التربية في المدارس العامة لا يُفسّر في المجتمع الغربي بأنه عمل ضد الدين. فطلبة هذه المدارس ينتمون إلى كل صنف ولون من العقائد، ووظيفة المدرسة ليست بكل تأكيد جمع هذه الأديان في بوتقة واحدة أو البحث بين نصوصها عن أخلاق وفضائل مشتركة لتعليمها للطلاب، وعلينا أن لا ننسى أنّ هناك أناساً لا يريدون تعليم أولادهم أي دين من الأديان أو أية تربية تستمد نصوصها من الدين. وفي الواقع، إذا كان هناك من أخلاق مستمدةٍ من دينٍ يتفق الملحدون وأتباع كل الأديان معاً على رفضها، فهي الأخلاق المستمدة من الإسلام... إن صحّت تسميتها أخلاقاً أو آداباً اجتماعية أو إنسانية، والشواهد التالية من تعاليم هذا الدين ليست إلا غيضاً من فيض:

 

 

 

·                يعلّم الإسلام بأن كل المسلمين سيدخلون الجنة حتى ولو كانوا لصوصاً وزناةً وكذبة وغير ذلك طالما لم يشركوا بعبادة الله الواحد. 

 

ـ قال محمد: ‏"‏أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. قلتُ وإن زنى وإن سرق...؟ قال وإن زنى وإن سرق...! (صحيح مسلم، كتاب الإيمان.)

·                الإسلام دين عنصري يعلّم على عدم مصادقة اليهود والنصارى وأيضاً أن لا يتنازلوا من عليائهم ويبدأوهم بالتحية:

 

ـ " يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"

ـ "لا يتخِذِ المؤمنونَ الكافرينَ أولِياء من دونِ المؤمنينَ ومَن يفعلْ ذلكَ فليس مِنَ الله في شيءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقوا مِنهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكم الله نفسَهُ وإِلى الله المصيرُ. قُلْ إِن تُخْفُوا ما في صدوركُمْ أَو تُبْدوهُ يَعْلَمْهُ الله وَيَعلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرض والله على كلِّ شيءٍ قديرٌ" (آل عمران 3 :  28 ـ 29) [أي على المسلم أن لا يصادق غير المسلم إلا إذا اضطر إلى ذلك على أن يُبقي الكراهية في قلبه والله أعلم ما في الصدور...!)

ـ "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" (صحيح مسلم، كتاب السلام)

 

·                الإسلام يعلّم أتباعه أن يكونوا أمناء بعضهم للبعض الآخر فقط مستثنياً غير المسلم:

ـ "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (حديث ـ بخاري) [أي: من سلم المسلمون فقط وليس من سلم الناس من لسانه ويده!]

"المسلمُ أَخُو المسلم لا يخُونُه ولا يكْذِبُهُ ولا يخْذُلُهُ، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ عِرْضُهُ ومالُه ودمُهُ التَّقْوَى هَاهُنا، بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشرِّ أَنْ يحقِرَ أَخاهُ المسلم" (حديث: رياض الصالحين)

 

·                الإسلام يسمح بالكذب في حالات معينة وكذلك إذا كان في الكذب خدمة للإسلام:

ـ عن‏ ‏أسماء بنت يزيد ‏‏قالت ‏قال محمد: ‏لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس. (حديث: الدرر السنيّة)

ـ جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله: مَنْ لكعب بن الاَشرف فإنّه قد آذى اللهَ ورسولَهُ؟ فقام محمد بن مَسْلَمَةَ، فقال: يا رسول الله! أتُحبُّ أنْ أقتُلَهُ؟ قال: نعم. قال فأذنْ لي أنْ أقول شيئاً قال: قل. فأتاه محمد بن مسلمة، فقال: إنّ هذا الرجلَ- يعني النبي- قد سألنا صدقةً وإنّه قد عنانا، وإني قد أتيتك استسلفك.. الخبر). (صحيح البخاري ـ  باب قتل كعب بن الاَشرف)  

وفي أحكام القرآن لابن العربي، أن الصحابة الذين كلّفوا بقتل ذلك الخبيث، وكان محمد بن مسلمة من جملتهم، أنهم قالوا: يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك؟ [أي أن نكذب ونستدرج ونغدر من يحاججك] فأذن لهم. (أحكام القرآن لابن العربي المالكي ـ الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ـ البخاري)

 

·                وترى أية "سماحة ومحبّة يلصقها وزير التربية بالإسلام...؟

ـ أهي تلك التي تتمثل بالآية القائلة:

"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون." (أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام. حسب تفسير الجلالين)؟ (التوبة 9 : 29)

ـ أم هي في تهديد الذين لا يؤمنون بالإسلام بطمس وجوههم ولعنهم:

"يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا مصدقاً لما معكم من قبلِ أن نطمس وجوهاً فنردَّها على أدبارها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً."؟ (النساء 4 : 47)

ـ أم بقول محمد:

"لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. وفي رواية أخرى عنه قال: تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله." (بخاري)

ـ أم بقوله إنه جاء الناس بالذبح:

"والذي نفسي بيده ما أُرسِلتُ إليكم إلا بالذبح...!"؟ (فتح الباري شرح صحيح البخاري)

ـ أم بقوله إن الله أمره بقتال الناس حتى يخضعوا له:

"‏‏أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى ‏يشهدوا ‏‏أن لا إله إلا الله وأن محمدا ‏‏رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك ‏‏عصموا ‏‏مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"؟ (صحيح البخاري: كتاب الإيمان)

وعلى هذا المقياس قس...!

*********

http://www.alarabiya.net/articles/2010/04/27/106975.html

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط