بسام درويش / Feb 24, 2006

الصراع الذي يدور اليوم بين المسلمين والعالم الحر، ليس صراع حضارات، إنما وبتعبير صريحٍ ومباشر، صراعٌ بين الجهلِ والعلم، بين الظلمةِ والنور، بين الحريةِ والاستبداد، وبين الهمجيةِ والتمدن. وبتعبيرٍ أكثر دقة، هو صراع بين ايديولوجيةٍ خطرة اسمها الإسلام وبين الحضارة.

الصراع ليس بين المسلمين والحضارة. فالمسلمون ليسوا إلا ضحية لهذه الايديولوجية التي حوّلت الكثيرين منهم إلى إرهابيين. 

هذا الصراع، تبلور في أعمال إرهابية قام ولا زال يقوم بها مسلمون متشبعون بتعاليم الحقد والكراهية هذه. لكنّ أسوأ هذه الأعمال الإرهابية هي تلك التي تتجلّى في الإرهاب الفكري.

هذا النوع من الإرهاب الذي يُمارس ضد كل من يجرؤ على فتح فمه بكلمة نقد، هو في الحقيقة الإرهاب الأكثر خطورة.

الإرهاب الفكري ليس جديداً أبداً. لقد مارسه الغرب والشرق. مارسه مسيحيون ومسلمون. لكن، وإذ تلاشى في العالم الحر نظراً لعدم وجود أرضية أو تعاليم تمكّنه من الحياة، نجده قد استمر وازدهر ولا زال مزدهرا في العالم الإسلامي بدعم من تعاليم الإسلام. لا بل إن الدعم يذهب حداً أبعد من ذلك إذ أنه يعد ممارسيه بالمكافآت في هذه الحياة والحياة الآخرة.

لقد وضع محمد "نبي الإسلام" وقدوة المسلمين أسس هذا الإرهاب بتوجيه أوامره لاغتيال كل من انتقده بكلمة. لذلك، لا غرابة في أن يزخر التاريخ الاسلامي بأعمال الاغتيالات والقتل والتي لا زالت سمةً من سمات الحكم في كل البلاد الإسلامية.

************

خطورة هذا الإرهاب الإسلامي الفكري هي في أنه ليس موجهاً فقط ضد المسلمين الذين يرتدّون عن تعاليمه، إنما أصبح موجهاً لكل إنسان على هذه الأرض.

لم يعد أي إنسان في أيّ مكان يشعر بالأمان إذا وجه كلمة نقد للإسلام. والمشكلة الأكبر، أنه ليس هناك من حدود واضحة المعالم لا يجوز تخطّيها. كل شيء يمكن أن يثير المسلمين، ونظرا لأنه ليس للمسلمين هيئة موحدة ـ أو على الأقل بضع هيئات ـ يخضعون لها، فإنه ليس من السهل معرفة ما يرضيهم وما لا يرضيهم.  شعبٌ جاهلٌ يمكن لأحمقٍ واحد أن يحرّك الملايين منه ببضع كلماتٍ غوغائية. 

***********

التهديدات المتزايدة للمفكرين والفنانين ولكل من يتجرأ بالتعبير عن رأيه بالإسلام وما يقوم به المسلمون، أصبحت تشكّل خطراً جدّيا اليوم على العالم الحر. الاستخفاف بهذا الخطر وعدم وجود تنظيم فعّالٍ لمحاربته، سيؤدي بكل تأكيد إلى استفحاله ومن ثمّ صعوبة السيطرة عليه، وهو خطأ ستدفع الإنسانية جمعاء ثمناً باهظاً له.

 

لقد أصبحت حياة كل مفكّر في العالم تحت رحمة كلمةٍ، تصدرُ من فم تافهٍ مسلمٍ نكرةٍ، يرتفع إلى مصاف الأولياء بمجرد أن يفتيَ بقتل إنسانٍ أو يضعَ جائزةً لمن يجلب له رأسه. وعندما نتأمّل في العدد الهائل للمهووسين الذين يشكّلون الغالبية العظمى للأمة الإسلامية، فإنه ليمكننا آنذاك أن نتصوّر ما يمكن أن تمثّله كلمات هؤلاء المحرّضين من خطر.

 

مؤخراً، تم الإعلان عن وثائق تركها الهاربون من منظمة القاعدة وراءهم. هذه الوثائق تبين كيف أن القاعدة اصبحت مؤسسة كغيرها من المؤسسات، تعلن عن وظائف شاغرة للمجاهدين الذين يرغبون بخدمة الله والأمة الإسلامية. الرواتب التي تُقدَّمُ لهؤلاء التعساء المسلمين ـ بناء على هذه الوثاثق ـ هي بالنسبة للأوروبي والأمريكي أقل من ثمن القهوة التي يرتشفها خلال شهر واحد. ألف روبية باكستانية ـ حوالي 17 دولارا أمريكياً ـ لكل مجاهد كراتب شهري إلى حين يُطلب منه تفجير نفسه في مهمة لأجل الله؟.. (يا بلاش!..)

 

كيف إذن بجائزة مقدارها مليون ونصف المليون من الروبيات الباكستانية يقدمها شيخ باكستاني لمن يقتل الرسام الدانمركي الذي  صوّر محمداً كإرهابي؟.. كيف بجائزة خمسمائة مليون روبية هندية (11 مليون دولار) يقدمها وزير حكومي مسلم في الهند لمن يأتيه برأس أي واحد من الرسامين الذين رسموا محمد!!..

 

إذا كان هناك آلاف من المسلمين يستجيبون لإعلانات بن لادن عن الوظائف الشاغرة براتب مقداره 17 دولارا أميركياً مستعدين لأن يقتلوا أيّ شخص يطلب منهم بن لادن قتله لقاء هذا المبلغ، فلا شك في أنّ هناك الملايين من المهووسين المسلمين الذين يأملون بالحصول على جوائز مغرية كهذه، وعلى وجه الخصوص إذا كان هناك جوائز أخرى ذات أهمية عظيمة تنتظرهم في الاخرة، كالحوريات الدائمة البكارة.      

************

أمام هذا الخطر المستفحل، أصبح لزاماً على المفكرين أن يسارعوا إلى تأسيس منظمة خاصة للدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل. ولأن سلاح المفكّرين ـ على العكس من الإرهابيين ـ هو العقل والقلم، فمن الطبيعي أن لا ينزلوا إلى مستوى الإرهابيين الهمجي بالسعي ورءاهم لاغتيالهم، بل يستغلوا إبداعهم وأقلامهم متعاونين على تشكيل جبهة موحدة ضد قوى الشر الإسلامي.

منظمة كهذه، مطلبٌ ذات أهمية عظيمة يجب أن يبدأ العمل به اليوم قبل الغد، ويجب أن يكون برنامجها، وأن تتضمن أهدافها، ما يلي:

ـ أن تدعو جميع المفكرين الأحرار في العالم للانضمام إليها.

ـ أن يصبح جميع الأعضاء عيونا وآذاناً لها حيث يقيمون.

ـ أن يقوم الأعضاء بالتبليغ عن أي تحريض يقوم به مسلم يقلق راحة مفكّر أو يهدد حياته، سواء كان كاتباً في صحيفة أو سياسياً، أو إماماً في وكر من الأوكار الإرهابية، أو فرداً عادياً.

ـ أن تسعى المنظمة وراء دعم معنوي ودعم مادي أيضا من قبل الأنظمة الحرة ومؤسسات حقوق الإنسان والشركات الكبيرة، كي تتمكن من أن تصبح قوة مؤثرة على الحكومات، فتعمل كـ "لوبي" يدفع هذه الحكومات على إصدار قوانين قاسية بحق الإرهاب الفكري والقائمين عليه.

ـ أن تعمل المنظمة على توكيل محامين للادعاء على هذا النوع من الإرهابيين.

ـ أن توسّع المنظمة عملها باستخدام اخصائيين لملاحقة هؤلاء الإرهابيين للقبض عليهم وجلبهم إلى العدالة.

ـ أن تقف المنظمة إلى جانب كل دار نشر تتعرض للتهديد أو المقاطعة، وذلك بالطلب من كل المفكرين والهيئات الإعلامية العضوة في المنظمة، أن تعيد نشر ما أدّى إلى التهديد والمقاطعة، كي لا يتم استفراد مفكّرٍ أو دار نشر من قبل الإرهابيين.

 

التعاضد بين مفكري العالم هو الوسيلة الوحيدة للوقوف في وجه هذا الإرهاب.

إن المواقف الهزيلة المشينة التي وقفها البعض خلال قضية الرسوم الكاريكاتورية، والاعتذارات التي أطلقها أناس أو منظمات هنا وهناك، ليست إلا رضوخاً للإرهاب وتشجيعا له.

****************** 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط