بسام درويش / May 10, 2007

ذكرتُ أنّ كراهية الغرب للمسلمين، ليست كالكراهية التي يحملها المسلمون له، ومردّ ذلك هو تأصّل جذور الأخيرة في تعاليم الإسلام. لذلك، فإنّ التشبيه الأكثر إنصافاً لكراهية الغرب التي يبادلهم إياها، هو أنها مثل زئبق ميزان الحرارة يرتفع وينخفض وفقاً لنشاطات وهيجانات براكين الكراهية الإسلامية. 

 

براكين الكراهية الإسلامية هذه، التي لم تخمد نارها منذ ظهور الإسلام، شهدت خلال العقود الأربعة الماضية تزايداً في ثورانها وفي حممها التي تقذفها متمثلة بمئاتٍ من المنظمات الإرهابية وبآلاف العمليات التي روّعت العالم بأسره. لقد أصبح من الصعب متابعة أخبار أعمال الإرهاب الإسلامي حيث لا ينام العالم على عملية إلا ويستيقظ على أخبار عملية أخرى. أما ما ساهم في مضاعفتها فهو التسامح الزائد عن الحد الذي يتميز به الغربيون، فمع كل عملية من هذه العمليات، كانت حرارة غضب الغرب ترتفع لتعود بعد ذلك فتنخفض، لا بل وتبرد، والسبب في ذلك إنها وكما سبق الذكر، لا جذور أيديولوجية لها، على العكس من الكراهية المتأصلة التي تعتمر في قلوب المسلمين.

 

لقد شهد العالم خلال هذه العقود الأخيرة، عمليات بشعة كثيرة، مثل اختطافَ طائراتٍ وتفجيرها مع ركابها أو ذبح بعضهم ورمي آخرين على مدرجات المطارات، وتفجير أبنيةٍ مدنيةٍ وسفاراتٍ ومدارسَ ومطاعمَ، وقتلِ رياضيين، وحرقِ كنائس ومعابد ومحافل..

 

اقشعرّ العالم لما اتسمت به تلك العمليات من وحشية، وارتفعت حرارة كراهيته للعرب والمسلمين وكل ما يمت إليهم بصلة وهو يرى ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ عجوزاً مُقعداً يُعدم بالرصاص ثم يرمى بجثته من على السفينة في مياه البحر، أو وهو يرى دماء رياضيين تتناثر في أحد ملاعب الرياضة في ميونيخ، أو وهو يشاهد على شاشات التلفزيون أطراف ضحايا ركاب طائرة وأمتعتهم متناثرة في ضواحي مدينة لوكربي، أو غير ذلك من مئات الأحداث المروّعة التي لم يستثنِ الإرهاب الإسلامي أمة من أمم العالم منها.

 

ولأنّ المسلمين قد اعتادوا على أن يروا في صبر الغرب وتفهّمه وتسامحه نصراً لهم، فقد شجّعهم ذلك على تتويج إرهابهم في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، بأبشع عمليّة لهم في العصر الحديث. وعلى الرغم من بشاعة تلك العملية والخسائر البشرية والاقتصادية والآثار السيكولوجية التي نجمت عنها، فإن المجتمع الغربي لم يتخلَّ عن طبيعته الحضارية في التعامل معهم ولم يبلغ به الأمرُ حدّ كراهيتهم بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن يمكن أن يقال إنه قد أصبح يكره دينهم كراهية حقيقية بكل معنى الكلمة، بينما أخذ ينظر إليهم كشعب نظرة ريبة وحذر.  

 

لقد أمسك المجتمع الغربي بعد الحادي عشر من سبتمبر، بدفّةِ غضبه وشرع يبحث عن جوابٍ لتساؤلاته عمّا يمكن أن يجعل شعباً من الشعوب يتميز بارتكاب أعمال وحشية كهذه. فقبل ذلك التاريخ، كان أغلب المهتمين بالاطلاع على الإسلام ـ على قلّتهم ـ يفعلون ذلك لغاية بحثية بشكل عام، سواء كانت دوافعها روحية أو معرفية. أمّا بعد ذلك اليوم، فقد تغيّر هذا الاهتمام إذْ أصبحت الغاية من الاطلاع عليه سَبْرَ عقلية الإنسان المسلم ليتمكن من تكوين فهمٍ أفضلَ لهُ من ناحية، وللأحداث من ناحية أخرى.  لكنّ المعرفة الأفضل بتعاليم الإسلام لم تكن وحدها هي التي دفعت الغربيين إلى تغيير نظرتهم إلى المسلمين والشروع بالتعامل معهم بريبة وحذر، إنما كان للمسلمين أنفسهم "الفضل" الأكبر في ذلك.

لقد توصل الغربيون إلى قناعة تامة بأن الإرهاب والإسلام توأمان سياميان يعيشان بقلب واحد، ولذلك فإن عملية الفصل بينهما ليست فقط بالغة الصعوبة إنما مستحيلة. مع ذلك، فقد بذلوا جهدهم كي لا يعمموا هذه القناعة على المسلمين كشعب. فمن قبل، كانوا يرفضون الاعتقاد بأن ديناً يمكن أن يعلّم أتباعه على كراهية شعب آخر وأن يدعوهم إلى قتاله وإلغائه من الوجود؛ أما الآن فقد اتّضح لهم أن الإسلام يعلّم ذلك حقاً. لكنهم، ولما يتميزون به من فكر حضاريٍّ عاقلٍ ومتزن، لم يستطيعوا أن يقنعوا أنفسهم بأنّ كل المسلمين يؤمنون بحرفية تعاليم كهذه أو أنّ كل المسلمين يعتقدون بأن عليهم تطبيقها أو حتى أنها قابلة للتطبيق!  

 

هنا يبرز السؤال المهم: ماذا فعل المسلمون من جانبهم، وبالذات الذين يعيشون في الغرب، لمكافأة هذه النظرة الحضارية؟  ماذا فعلوا ليثبتوا للمجتمع الغربي أنهم ينأون بأنفسهم عن الإرهاب والإرهابيين، ويطمئنوه بأنهم جزءٌ منه وأنّ ولاءَهم لنظامه هو فوق أيّ انتماء دينيٍّ أو عرقيٍّ أو سياسيٍّ؟

 

الجواب على هذا السؤال:

لقد فعلوا وقالوا كل ما من شأنه أن يؤكّد العكسَ، كلَّ العكسِ، ولا شيءَ إلا العكس!

 

لقد أثبت المسلمون، أفراداً ومنظماتٍ، أنَّ لا ولاء لهم لأي بلد يقيمون فيه، وأن ولاءهم هو للإسلام ديناً ودولةً، وأكّدوا ذلك قولاً أو فعلاً أو بالاثنين معاً. أمّا الذين لم يُسمَع لهم صوتٌ أو لم يقوموا بعمل، فقد عبّروا عن تأييدهم لأخوانهم هؤلاء بصمتهم.

================

للحديث صلة

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط