بسام درويش / Jan 31, 2002

أثار قيام القوات الأميركية بحلق لحى أسرى تنظيم القاعدة وحركة طالبان المحتجزين في قاعدة غوانتانامو بكوبا، استياء المنظمات الإسلامية الأميركية.


وأوضح العقيد دايف لابان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الحرس في قاعدة غوانتانامو قاموا بحلق رؤوس ولحى السجناء، بعد أن اجتاح القمل هذه الأماكن من أجساد المعتقلين، مضيفاً أنه لم يكن بالإمكان إزالة القمل في أفغانستان. وقال المتحدث إن القرار بحلق لحى ورؤوس السجناء جاء لأسباب "أمنية وصحية، وليس لإحراجهم".


لكن علي عبد الرزاق المسؤول بالمجلس الإسلامي الأميركي، قال إن مثل هذه المعاملة تعتبر إهانة لمسلمين محافظين مثل عناصر حركة طالبان. وأضاف عبد الرزاق "لا أعتقد أنه من المناسب حلق اللحية لشخص يعتقد أن إطلاقها التزام ديني".

(عن جريدة الشرق الأوسط نقلاً عن يو. إس. إيه. توداي، يناير 2002)

************* 

كراهية الأمريكيين للمسلمين التي دُفعوا إليها دفعاً على أثر جريمة الحادي عشر من أيلول هي أمر لا يمكن لأحد إنكاره، فالجريمة كانت حقاً غاية في البشاعة والهمجية. ونظراً لما يتمتع به الأمريكيون من وعي حضاري فإن غضبتهم غالباً ما تهدأ بسرعة حين يأخذون بتحليل الأحداث بموضوعية وأخلاقية لا يتمتع بها شعب آخر. لكن يبدو واضحاً أن الغضبة لم تهدأ هذه المرة والكراهية لم تتراجع، بل على العكس تشير كل الدلائل إلى أنها تتصاعد يوماً بعد يوم، والذنب في ذلك هو ذنب المسلمين وحدهم دون غيرهم.    

 

لقد أفرز العمل الإرهابي امتحاناً كان يمكن للمسلمين من خلاله إثبات ولائهم لهذا البلد، ولكن نتيجة الامتحان جاءت تؤكد العكس تماماً. لقد كان بإمكان المسلمين، رغم هول الجريمة، أن يستغلوا وعي الشعب الأميركي وطيبته للتخفيف من آثارها بأن يُظهروا تفهّماً لآلامه حتى لو اضطروا إلى ابتلاع ما يسمونه بإهانات تلحق بهم، وبذلك يبرهنون على أن ولاءهم هو لهذا البلد الذي فتح أبوابه لهم ومنحهم من الحريات والحقوق ما لم يحلموا بها في بلادهم الإسلامية التي أتوا منها. كان بإمكانهم أن يثبتوا ذلك الولاء بوقوفهم وقفة واحدة ضد الإرهاب والإرهابيين وبدعوتهم علناً لكل مسلم بأن يساهم بصدق مع السلطات في تحقيقاتها وفي إبلاغها عن أي شخص يُشتبه به. كان هذا أقل ما يمكن للمسلمين أن يقدموه، ليس كتعاطف كاذب مع الأميركيين بل كدليل يؤكّدون به أنهم حقاً جزء من هذه الأمة يضعون مصالحها فوق كل اعتبار.

 

للأسف، هذا أمر لم يحدث. لا بل على العكس تماماً، إذ أنّ كل ما قام به المسلمون حتى الآن لم يكن إلا برهاناً على أن ولاءهم لهذا البلد هو أمرٌ مشكوكٌ به إلى أقصى الحدود.

 

بعد مضي ما يزيد عن الأربعة أشهر عن الحادث الإجرامي، ورغم كل التطورات وما صاحبها من إثباتات على ضلوع بن لادن ومنظمات إسلامية أخرى خارج الولايات المتحدة وداخلها في التخطيط لعمليات إرهابية أو في دعمها مالياً، لا زالت أصوات المسلمين ترتفع مشككة بكل الإثباتات التي قدمتها الحكومة الأمريكية، لا بل ومدافعة عن الإرهابيين بشكل أو بآخر.

 

المجلس الذي يدعى بمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية كان دائماً سباقاً للتأكيد على أن هذه العلاقات التي يُفترض بأنه يعمل من أجل تحسينها ليست إلا علاقة من طرف واحد. بياناته التي أعلن فيها شجبه للإرهاب وتعاطفه مع ذوي الضحايا لم تكن في الحقيقة إلا ذراً للرماد في العيون. هذا المجلس، لم يتأخر عن إثارة الزوابع بعد كل حادثة، مهما كانت تافهة، يدّعي فيها مسلم أنه تعرّض لما يدعوه بسوء معاملة من قبل فرد أو مؤسسة. وكان الأجدر بهذا المجلس أن يذكّر المسلمين بأنهم يعيشون في مجتمع يؤمن بالقانون وبالعدالة، وبأن عليهم في أسوأ الأحوال أن يلجأوا إلى سلطات البلد لرفع شكواهم وليس إلى منظمة إسلامية.  وهكذا، فإن هذا المجلس كان ولا زال يتصرّف وكأنه سفارة لدولة أجنبية، وبالتالي، يشجّع المسلمين هنا على التصرّف وكأنهم رعايا دولة أجنبية.  في الواقع، لقد أثبتوا أنهم عملاء وليس رعايا لدولة أجنبية!..

 

كان بإمكان هذا المجلس مثلاً أن يطلب من المسلمين أن يتعاونوا تعاوناً تاماً مع كل ما يُطلب منهم تأكيداً على تفهمهم للإجراءات الأمنية التي تقوم بها السلطات حتى لو بدت هذه الإجراءات مهينة للبعض. وكان بإمكان هذا المجلس ايضاً أن يذكّر المسلمين بأن ما يلمسونه من تصرفات يرونها مهينة بحقهم، ليست إلا ثمناً بسيطاً يدفعونه للتعويض عما ارتكبه هؤلاء المتعصبون المجرمون بحق البلد الذي آواهم وأكرمهم. ولكن، عوضاً عن ذلك، لم يتأخر أعضاء هذا المجلس الحاقد، والذي لا بدّ أن تظهر حقيقته في المستقبل، عن تحويل كل قصة، مهما كانت تافهة إلى قضية كبيرة يؤكدون بها حقدهم على هذا البلد ويزيدون بالتالي في كراهية الشعب الأمريكي لهم ولكل ما له علاقة بالإسلام.

 

مجلس النقيق الإسلامي هذا، لم يتوقف عند حد إثارة الزوابع حول قضايا تافهة، ولا تخصّه أساساً، إنما تخص القضاءَ في بلدٍ لا يضاهيه في نزاهتِه قضاءُ بلدٍ آخر. لقد ذهب المجلس إلى أبعد من ذلك إذ نصّب نفسه محامي دفاع حتى عن لحى الإرهابيين المحتجزين في القاعدة العسكرية الأميركية في غوانتانامو!..

 

الإرهابيون، حسب ادّعاءات المنظمات الإسلامية التي ما برحنا نسمعها، لا يمثلون الإسلام، والإسلام بريء منهم ومن كل المتعصبين الذين يقتلون الأبرياء دون سبب!.. لكن حين يُلقى القبض على هؤلاء الإرهابيين، فإنّ لحاهم آنذاك تصبح أمراً يهم الإسلام والمسلمين وتحتاج إلى بيان خاص من مجلسهم الأعلى!.. القمل الذي يسرح من لحى هؤلاء الإرهابيين النجسين والذي قد يسبب الأمراض لهم ولحراسهم، هو أمر لا يعني المنظمات الإسلامية لا من قريب ولا من بعيد.. المهم هو أن لا يمس الأميركيون لحاهم المقدسة المباركة لأن ذلك يُعتبر إذلالاً لهم!..

 

كلمة نوجهها لأعضاء هذه المنظمات التي لم تعد فقط مثيرة للقرف بل موضع شكّ في أمرها:  قريباً ستبحثون أنتم عن لحاكم!

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط