بسام درويش / Apr 30, 2003

بعث السيد فادي ج. ح. إلينا بالسؤال التالي:

هل تعتقد بعروبة المسيحيين في بلاد الشام، أي سوريا ولبنان وفلسطين، وخصوصاً الأردن.. أنا شخصياً أعتقد بأننا لسنا إلا ناطقين بالعربية وأرى أن الاحتلال الإسلامي قد ذوّبنا فأضعنا مع الزمن هويتنا. ما هو رأيكم؟

=====================

اعتقادك سليم، وكل من يخالفك الرأي فيه هو إما مخطئٌ أو جاهل، لا بل أضيف على ذلك وأقول بأن أكثر المسلمين أنفسهم الذين ينتشرون في الأقطار التي تُسمّى اليوم "عربية"، هم أيضاً، ليسوا بالأصل، عرباً.

المسيحيون المتواجدون اليوم في سورية ولبنان وفلسطين والأردن وكذلك مصر، هم أبناء سكان البلاد الأصليين الذين تعرضوا للغزو الإسلامي، واستطاعوا رغم حياة الذل التي فرضها عليهم المسلمون أن يحافظوا على مسيحيتهم. بعض هؤلاء المسيحيين، كالآشوريين والكلدانيين والسريان والأقباط، ثابروا على استخدام لغاتهم في طقوسهم الدينية وحياتهم اليومية، فنجحوا في الحفاظ على شخصيتهم القومية، وحموها بذلك من الذوبان في بوتقة العروبة. أما الذين عرّبوا طقوسهم وتخلوا عن لغتهم القومية، فقد ذابوا في هذه البوتقة العربية إلى درجة بلغ فيها بعضهم حدّ التعصّب للعروبة أكثر من العرب أنفسهم.

من جهة أخرى، كان بين هؤلاء المسيحيين الأوائل أيضاً من لم يستطع تحمل حياة الذل التي فرضها عليهم المسلمون الغزاة، فلم يتخلوا فقط عن لغتهم، بل أيضاً عن مسيحيتهم، ومع مرور الزمن، نسي أحفادهم كل صلة لهم بتاريخهم القومي. وهكذا، يمكن القول بأنّ المسلمين المنتشرين اليوم في الأقطار العربية، هم أبناء ذلك الخليط من الغزاة المسلمين الأوائل والمسيحيين سكان البلاد الأصليين.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك بعض القبائل التي ترتقي بنسبها إلى عرب الجنوب، والتي هاجرت إلى بلاد الشام قبل الإسلام واعتنقت النصرانية، ولكن عددهم لا يذكر بالمقارنة مع عدد المسيحيين من السكان الأصليين، وقد تعرضوا هم أيضاً كما تعرض هؤلاء ـ كي يحافظوا على حياتهم ـ لشرط الاختيار بين الجزية أو الإسلام.

لكن، ومهما كان الأمر، سواء كنتُ أرتقي بأصلي إلى المسيحيين سكان البلاد الأصليين، أو إلى بعض القبائل العربية التي اعتنقت المسيحية، فإنني لا أعتبر نفسي عربياً، بل أرفض أن أدعى عربياً، ولهذا الرفض سببان وجيهان جداً.

السبب الأول هو ارتباط العروبة بالإسلام، والإسلام بالعروبة، وأنا كمسيحي أرفض الانتماء إلى أمة لا تعترف بي جزءاً منها إلا إذا اتّبعت دينها.

والسبب الثاني، هو النزعة العنصرية في هذه العروبة الإسلامية أو الإسلام العربي، وأنا أرفض الانتماء إلى أمة ذات نزعة عنصرية أو أن يكون لي أية علاقة بدين عنصري.

لقد زرع محمد في نفوس العرب نوعاً من العنصرية يصعب اقتلاعها، إذ جعلها مشيئة إلهية ثابتة لا جدال فيها. أوهمهم بأنهم أفضلُ أمَّةٍ خلقها الله، "كنتم خير أمةٍ أُخرِجَت للناس.." (آية 110 آل عمران) لا بل ذهب به الشطط أبعد من ذلك إذ قال أن حبَّ العرب إيمانُ بالله وبغضَهم كفرٌ به وأيضاً.. (وعليك أن تحبس نفسك هنا..) أن الذي يسبّهم يشرك بالله!.. تعالَ نقرأ:

"من سبّ العرب فأولئك هم المشركون" (عن عمر.)

"من غشّ العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي" (عن عثمان)

 "يا سلمان! لا تبغضني فتفارق دينك، قال: كيف" قال: تبغض العرب فتبغضني!" (عن ابن عباس)

"أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي!" (عن ابن عباس)

"حب العرب إيمانٌ وبغضهم نفاق" (عن أنس)

"إذا ذُلَّتِ العربُ ذُلَّ الإسلام" (عن جابر)

"حبُّ قريش إيمان وبغضُهم كفر وحب العرب إيمان وبغضهم كفر فمن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني." (عن أنس)

"إن الله عز وجل خلق السماوات سبعاً واختار العلى منها وأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من خلقه بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم، فأنا خيارٌ إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم." (عن ابن عمر)

وانطلاقاً من هذه التعاليم، ليس غريباً أن نقرأ لكتّابٍ مسلمين عرب يؤكدون هذا الترابط الكامل بين العروبة والإسلام. يقول الدكتور ناجي معروف في "أصالة الحضارة العربية" أنّ "العربي، إذا تطرّف في عروبته، كان أقرب إلى الإسلام، والمسلم، إذا تطرّف في إسلامه، كان أقرب إلى العروبة، بل كان عربياً!" كما يقول في الكتاب نفسه، "إنّ كل من يسعى لرفع راية الإسلام يُسمّى عربياً، وإن كل من يعتزّ برسالة محمد والدين الإسلامي الحنيف ويسعى لنشر الإسلام يٌسمّى عربياً". أما الدكتور محمد كامل فيذهب أبعد من ذلك في كتابه "الإسلام والعروبة" حيث يقول، "أصبح عربياً كل من اعتنق الإسلام وتحدّث بالعربية دون نظر إلى انتمائه العرقي."

 بعد كل هذا، هل يمكن لمسيحي أو أي إنسان غير مسلم، أن يسمّي نفسه عربياً، أو أن يقبل بأن يُدعى عربياً، لا لشيء إلا لأنه ولد في بلد "عربي" ونطق بلغته؟..

*****************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط