بسام درويش / Sep 28, 2005

الثامن والعشرون من أيلول يومٌ لا يماثله في عظمته يوم آخر من تاريخ سوريا المعاصر.

في ذلك اليوم من سنة 1961 انتفض عدد من الضباط السوريين مخاطرين بأنفسهم لإنقاذ سوريا من حكم الدكتاتور جمال عبد الناصر، فحفظوا بانتفاضتهم تلك، الهوية السورية من أكبر عملية تذويب كانت مقررة لها.

 

خلال أشهر قليلة بعد انتفاضتهم، أعاد هؤلاء الضباط الأحرار سوريا إلى مكانها اللائق بين الأمم. 

وخلال أشهر قليلة، استطاعوا أن يجعلوا من سوريا دولة ذات نظام حر برلماني ديموقراطي واقتصاد مفتوح.

 

عهدٌ مجيدٌ لو دام، لكانت سوريا اليوم منارةً للحرية تهتدي بها شعوب الشرق الأوسط كلها.  لكنه وللأسف لم يدُم طويلا، لأن وطاويط البعث الذين ابتليت بهم سوريا، انقضوا على هذه المنارة ليحطموا أعظم إنجاز حققته الأمة في تاريخها المعاصر. أحالوا سوريا خراباً. عاثوا فيها الفساد. نهبوا خيراتها. أذلّوا شعبها وعزلوه عن العالم المتحضر، وجعلوا منها على مدى أربعة قرون مركز إرهاب لجيرانها وللعالم بأسره.

*******

اليوم، وإذ نقف احتراماً لذكرى أولئك الضباط الأحرار ـ الأحياء منهم أو الأموات ـ ولما تمتعوا به من شجاعة عظيمة دفعتهم للتضحية بنفوسهم من أجل أمتهم، نقف أيضاً لنعلن ازدراءنا للبعث ولصوصه ـ أحياءهم وامواتهم ـ لِما جلبوه على هذه الأمة من عار وذل وفقر.

لكن وإذ أنّ الازدراء وحده لن يعيد لسوريا حريتها المغتصبة، فإن وقفة الإعجاب وحدها لن تكفي لتكريم ابطال الثامن والعشرين من أيلول العظيم. لذلك فإننا نتوجه إلى شعبنا نخاطبه ونحثه للانتفاض لكرامته كما انتفض لها اولئك الأبطال.

لقد آن لهذا الشعب أن ينقض على اللصوص ويتخلص منهم، ومعهم كل الوطاويط الأخرى التي تهيئ نفسها للحلول محلهم، كوطاويط الأخوان وأشباههم من قوارض اللليل. 

*******

أربعة عقود ونيف من الزمن مضت منذ استيلاء البعث على السلطة، وسوريا تعيش أزمةً مستمرّةً: اقتصادية وسياسية وأمنية وفكرية واجتماعية وأخلاقية؛ لا بل، أزمة شاملة لكل النواحي الحياتية دون استثناء.

أربعة عقود من الزمن ونيف، لم يكن لإنسانٍ في سوريا أن يحتاج خلالها إلى الوقوف في طوابيرَ للحصول على مخصصات من السكر أو الشاي، أو قسائم للوقود، أو للتدافع أمام أبواب الأفران من أجل رغيف خبز!

لم يكن لمواطنٍ أن يدخل سجون النظام أو يفقد أحداً من أفراد عائلته فيها.

لم يكن لمواطنٍ أن يترك وطنه ـ لا بحثاً عن رزق ولا خوفاًَ من حاكم.

لم يكن لمواطنٍ أن يخشى على حياته لنطقه بكلمة.

لم يكن لمواطنٍ أن يحتاج إلى دفع رشوة للحصول على خدماتٍ ما وُجِدِت الدولةُ إلا لتأمينها.

لم يكن لعشرات الألوف من الشباب أن يبلغوا سن الأربعين أو الخمسين دون أن يقدروا على الزواج وتأسيس أسرة ـ أهم شرائح الأمة ـ لعجزهم عن تأمين سقفٍ يعيشون تحته حتى ولو كان بالأجرة.

لم يكن لأحدٍ أن يستجديَ حقاً مشروعاً له من حاكمٍ هو نفسُهُ غير شرعي! 

لم يكن لطائفة من الشعب، سياسية أو دينية، أن تشعر بالغبن أو الخوف من طائفة أخرى.

لم يكن لأولادنا، رغم تفوقهم، أن يعجزوا عن الالتحاق بالجامعات المحلية لمتابعة علومهم العالية.

لم يكن لأي شيء من ذاك أن يكون، لو لم تخضع بلادنا لهذا النظام البعثي العشائري الفاسد طيلة هذه العقود التعيسة من الزمن. 

في عهد هذا النظام ساد الفساد كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، بما في ذلك أعظم جهاز كان شعبنا يفخر به، ألا وهو القضاء السوري!

في عهد هذا النظام عرفت بلادنا الاستفتاءات المزيفة وتعلم أطفالنا تأليه الفرد الحاكم.

في عهد هذا النظام أصبح في بلادنا طبقتان فقط، طبقة سارقة وطبقة مسروقة.

في عهد هذا النظام أصبح المواطن يخشى أخاه وجاره وقريبه وصديقه، لا بل أصبح يخشى حتى من التفكير بينه وبين نفسه كي لا يخطئ فيصرّح خطأ عما في باطنه.

في عهد هذا النظام أصبح دخول الجامعات لا يتطلب نبوغاً أو تفوقاً، إنما عضوية في عصابة البعث أو وساطة من مسؤول، حتى ولو كان هذا المسؤول أمياً.

في عهد هذا النظام عرف شبابنا المخدرات لسببين رئيسين: العطالة عن العمل وتجارة الدولة بهذه المخدرات.

**********

ليس هناك ما يجعل من الشعب السوري أقل استحقاقاً للحرية والديموقراطية والرخاء من أي شعب آخر من شعوب العالم الحرة.

ليس هناك ما يمنع من أن يكون لكل مواطنٍ بيتٌ، ولكل بالغٍ عملٌ، ولكل طفلٍ مقعدُ في مدرسة، ولكل مريض سرير في مستشفى.

سوريا غنية، أرضها معطاءة، موقعها مفتاحٌ لشرق العالمِ وغربِه، طبيعتها ساحرة ومناخها منوع متميز، وقبل كل شيء، شعبها حي نشيط خلاقٌ مبدعٌ وبارع. وكلّ هذه مقومات كفيلة بأن تجعل من سوريا دولة مزدهرة مكتفية تفيض بخيرها عوضاً عن مدّ يدها لتستجدي بها.

كل ذلك ممكن أن يكون لو توفّر لسوريا نظام مسؤول يخضع لمحاسبة برلمان منتخب من الشعب وليس معيّن من النظام نفسه.

***********

ايها السوريون:

إنّ المرحلة التي تمرون بها اليوم مرحلة مصيرية يمكنكم أن ترسموا خلالها خطوط غدكم بيدكم.

بيدكم أنتم أن تجعلوا من غدكم إمّا مظلماً كئيباً أو مشرقاً سعيداً إلى الأبد. أجيالكم القادمة ستحكم عليكم وسيكون حكمها قاسٍ.

انهضوا واخلعوا الخوف عنكم وطالبوا بحريتكم كي لا يظن العالم أنكم قانعون بظلمكم أو أنكم شعب أقلّ إرداة من شعوب العالم الأخرى.

 

يا طلاب سوريا: عليكم من الحمل أثقلُهُ ومن الأملِ أعظمُهُ ومن الواجبِ أخطره، إذ على جحافل الاختصاصيين منكم سيُبنى مستقبلُ أمتكم. قريباً سيسقط نظام تقاسم المناصب بين المرتزقة ويحل محله نظام يعتمد على خبراتكم واختصاصاتكم. لذلك، فإنكم تواجهون اليوم أعظم مسؤولية تجاه مستقبل بلدكم وأجيالكم القادمة.

أنتم قوة لا يُستهان بها، لكنها قوة يجب عليها أن تخرج من قمقمها الذي وضعها فيه حكم البعث الفاشستي. قوة آن لها اليوم أن تُرعِدَ وتمطِرَ لتعيد الحياة لهذه الأرض التي جففها اللصوص.

 

يا تجار سوريا: اذكروا ما كان لإضراباتكم من دور عظيم في تحقيق استقلال سورية، وما كان لها من تأثير رهيب على الحكام الذين تعاقبوا عليكم. الأمة اليوم بحاجة إلى عزيمتكم وإلى سلاحكم السلمي وأنتم أكثر شرائحها تضرراً بالفساد الإداري الاقتصادي.    

 

يا فلاحي وعمال سوريا: لقد جاء هذا النظام باسمكم، وها أنتم اليوم بعد ثلاث وأربعين سنة أكثر فقراً وحرماناً، لم تزد مكاسبكم عن بضع منظماتٍ تحمل اسمكم وحساباتٍ مصرفية منتفخة بأسماء ممثليكم فيها.

 

يا جنود سوريا: لا تجعلوا من أنفسكم أداة لهذا الحاكم في قمع إرادة شعبكم. فشعبكم هذا هو أخوتكم وآباؤكم وأمهاتكم وأصدقاؤكم وجيرانكم.

شعبكم اليوم سيخرج ليلحق بأمم العالم التي سبقته على طريق الحرية والديموقراطية والازدهار. هذا الشعب لن يغفر لكم وقوفكم ضدّ طموحاته وتصميمه على إنهاء آلامه. 

 

أيها السوريون: كما أنه لن يستطيع أحد على وجه هذه الأرض فرض الحرية عليكم إن لم تريدوها، فإنه لن يكون بقدرة أحدٍ على وجه هذه الأرض أن يقف في وجهكم إن أردتموها.

اليوم هو يومكم وهذه هي فرصتكم، فليكن الخيار خياركم، والعالم كله معكم وعينه عليكم!

**************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط