بسام درويش / Nov 24, 2004

ـ المقاومة العراقية تفجر ثلاث عربات أمريكية!.. 

ـ أعمال المقاومة تتصاعد في وجه قوات الاحتلال الأمريكي!..

ـ القوات الأمريكية تقتل عشرات العراقيين في المناطق المدنية في الفلوجة!..

ـ استشهاد ثمانية من أفراد المقاومة العراقية على يد قوات الاحتلال الأمريكي 

ـ قوات الاحتلال الأمريكية ترتكب جريمة جديدة باستهدافها لمدنيين عراقيين!..

ـ المقاومة العراقية تقتل عدداً من المتعاونين مع قوات الاحتلال!

***********

بهذه العبارات وغيرها تنقل وسائل الإعلام السورية أخبار العراق. وفي الوقت نفسه، نسمع تصريحات يطلقها مسؤولون سوريون، وعلى رأسهم بشار الأسد، يعلنون فيها عن رغبة النظام في سوريا في بدء حوار مع الولايات المتحدة للتعاون من أجل إقامة علاقات أفضل!..

هل السوريون حقا جدّيون في يدهم الممدودة لأميركا، بينما هم يشجعون في الوقت نفسه الإرهابيين على قتل الأمريكيين في العراق؟.. هل يعتقدون أن الأميركيين أغبياء إلى درجة يقبلون معها يد السوريين الممدودة قبل ان يثقوا بأن اليد الخرى لا تحمل سكيناً؟.. وإذا حصل وأن توصل الأمريكيون على اتفاق مع السوريين رفعت أميركا بموجبه سوريا من لائحة الدول المناصرة للإرهاب ومعها العقوبات التجارية التي فرضتها عليها، لتبدأ بعد ذلك فترة شهر عسل بين الدولتين؛ فهل ستبيع سوريا ببضعة دولارات كل "مبادئها" فتسمعنا أسلوباً مغايراً في نقل أخبار العراق:

ـ انفجار ثلاث عربات أمريكية في كمين نصبه الإرهابيون في العراق!

ـ تصاعد العمليات الإرهابية في وجه قوات الحلفاء والقوات العراقية!

ـ قوات الحلفاء تقضي على عشرات الإرهابيين في أوكارهم داخل الفلوجة!..

ـ قوات الحلفاء تقصف عن طريق الخطأ منزلاً يؤدي إلى سقوط مدنيين!..

ـ استشهاد عدد من رجال الشرطة العراقية في هجوم مسلح للإرهابيين في العراق!

****

ترى كم من الدولارات ستكون كلفة هذا المشروع الانتقالي الإعلامي؟..

***********

وماذا على الصعيد السوري العراقي؟

هل هناك يدٌ سورية ممدودة للعراق؟.. وإذا كانت هناك يد ممدودة فلمن هي ممدودة؟ أللشعب العراقي، أو لحكومة العراق المؤقتة، أم لا لذاك ولا لتلك؟

الجواب على هذا السؤال نجده أيضاً في وسائل الإعلام السوري الحكومية: وكلها حكومية!..

النظام السوري، بطريقة نقله لأخبار العراق، يقول للشعب العراقي أنه يعتبر الإرهابيين الذين يقومون بأعمال الخطف وقطع الرؤوس وقتل رجال الشرطة العراقيين عناصر مقاومة!

مقاومة لصالح من وضد من؟..

إذا كانت حكومة العراق تعتبر هؤلاء "المقاومين" إرهابين وتلاحقهم على أساس أنهم إرهابيين، وتبذل كل ما بوسعها للقضاء عليهم كإرهابيين قتلة مجرمين؛ فأي رسالة يبلغها الإعلام السوري للحكومة العراقية وللشعب العراقي الذي يطمح إلى استقرار الوضع، حين يطلق على هؤلاء المجرمين اسم "عناصر المقاومة"؟..

أيّ يد هي تلك التي يمدّها وزير الخارجية السوري يصافح بها وزير الخارجية العراقي في شرم الشيخ اليوم، بينما يشير بيده الأخرى إشارة النصر والتشجيع لجماعات القتلة المجرمين؟..

*********

النظام السوري يعرف تماماً أنّ نظام صدام قد ذهب إلى حيث لا رجعة، وليس سراً يقال بأن النظام السوري لم يكن في يوم من الأيام على علاقة طيبة مع صدام. لذلك، فليس هناك من شك في أن وقوف سوريا إلى جانب ما تسميه بـ "المقاومة" ليس دعماً لصدام. في الواقع، هذا النظام لا يتمنى عودة صدام بأي شكل من الأشكال، إذ أنه لو عاد ـ حتى ولو كان ذلك ثامنَ المستحيلات ـ فإن الأنظمة العربية ستبدأ بالتساقط الواحد بعد الآخر إذ سيصبح صدام في نظر كل العرب والمسلمين البطل الذي هزم أمريكا. لذلك، فإنه لا يعقل أن يصدق أحد أن تأييد النظام السوري لهذه "المقاومة" هو سعيٌ لإعادة صدام حسين إلى الحكم.

حتى لو لم يكن هدف هذه "المقاومة" التي يدعمها السوريون إعادة نظام صدام إلى الحكم، فإن نصرها ـ ولو كان أيضاً ثامنَ المستحيلات ـ سيكون أعظم خطراً من خطر صدام، لأنه سيؤدي إلى قيام حكم إسلامي متشدد في العراق قد يصبح النظام السوري أول ضحاياه.

من جهة أخرى، يعرف النظام السوري ـ كل المعرفة ـ أن الأمريكيين لن يخرجوا من العراق إلا بعد أن يضمنوا استقرار الأوضاع فيه استقراراً كاملاً، وتحقيق كل الأهداف التي ضحوا من أجلها بما يزيد عن الألف من أبنائهم إضافة إلى بلايين الدولارات، وهذا يعني، أن أميركا لن تتأخر عن ضرب من يحاول عرقلة هذه الأهداف حتى ولو احتاجت إلى اللجوء إلى "ضربة قاصمة".    

****

إذا لم يكن هذا التعامل الإعلامي السوري مع أحداث العراق سوى تمثيلية معدّة للاستهلاك المحلي، فإنها تمثيلية قد طالت جداً وهناك من هو سعيد جداً بها ويزمع على استغلالها، فهل ينضج عقل النظام السوري فيضع أوراقه على الطاولة بشكل مكشوف، ويجنب الأمة السورية عاقبة غبائه وطيشه؟

الحملة الانتخابية الأمريكية انتهت والنتائج ظهرت. وبفوز الرئيس بوش بولاية ثانية ـ وأخيرة ـ يعني أن هناك مهمة سيعمل على إنهائها دون الاكتراث لولاية أخرى.عين الرئيس بوش على كتاب التاريخ الذي سيتحدث عنه إما كرئيس فاشل أو رئيس عظيم ناجح، ولسوف يفعل كل ما بوسعه كي يذكر التاريخ عهده بحروف ذهبية!

**************

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط