بسام درويش / Mar 31, 2002

المقالة التالية لكاتبها السيد وجيه المصري، نُشرت في صحيفة بيروت تايمز في العدد 810 مارس، آذار 2002  نعيد نشرها بالكامل ثم نتناولها بالتعليق.

 

"الحلقة المفقودة في أعقاب أحداث 11 أيلول سبتمبر"

بعد أيام قليلة من أحداث 11 سبتمبر أيلول الماضي، عرضت علينا قناة الجزيرة الفضائية تسجيلاً حياً لحديث أجراه أحد مراسلي القناة الفضائية مع أسامة بن لادن، وقد ظهر ابن لادن في هذا التسجيل شديد الثقة بالنفس، هادئ الأسارير، رابط الجأش، سعيداً بمجريات الأمور، فخوراً بالذين قاموا بعملية الطائرات الانتحارية حاقداً على أميركا وإنجلترا كل الحقد. وقد تعاطفت معه شعوب المنطقة العربية والبلاد الإسلامية خصوصاً عندما ربط بين أحداث 11 سبتمبر أيلول وبين معاناة الشعب الفلسطيني وكفاحه وآلامه.

وقد استوقفتني بعض العبارات التي استخدمها ابن لادن في حديثه التلفزيوني ورأيت أن أنقلها لكم حرفياً قبل التعليق عليها:

ابن لادن وأقواله:

ـ   كل مسلم منذ أن يعي التمييز ففي قلبه بغض للأمريكان واليهود والنصارى وهو جزء من عقيدتنا وديننا.

ـ   التحالف الصليبي الأمريكي يمزق العالم الإسلامي وينهب ثروات المسلمين.

ـ   هدفنا الذود عن الكعبة وأن نحرر بلاد الإسلام من الكفر.

الملاحظ أن ابن لادن في جميع العبارات السابقة يربط ربطاً وثيقاً بين أميركا كدولة لها جهازها الإداري والسياسي وبين دينها المسيحي كإيمان روحي وعقيدة ثابتة مطلقة.

ففي العبارة الأولى نجده يربط بين الأمريكان (الدولة الأمريكية) وبين النصارى (معتنقي النصرانية) موضحاً أن كل مسلم يكره الدولة الأمريكية والأمريكان ويبغض النصرانية  كدين يعتنقونه ويؤمنون به. 

وفي العبارة الثانية يربط بين تحالف الصليب جوهر المسيحية وبين الدولة الأمريكية التي تنهب وتمزّق ثروات المسلمين.

وفي العبارة الثالثة أراد تحرير البلاد الإسلامية من الكفر. والكفر صفة تطلق على العقيدة والدين والإيمان. فالدولة الأمريكية دينها الكفر. (انتهى كلام ابن لادن)

المعروف أن الإسلام دين ودولة بمعنى أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدولة وقد يكون هذا سبباً لابن لادن ولغيره في الربط بين الدين المسيحي والدولة الأمريكية وتأثير كل منهما في الآخر.

لكن الواقع مخالف لذلك كل الخلاف في معظم الدول المسيحية الآن وعلى رأسها أمريكا. فبالرجوع إلى تاريخ أمريكا منذ قيامها، نجد أنها استقبلت كل الذين عانوا من سيطرة رجال الدين واضطهادهم وسيادتهم على الدولة خصوصاً في البلاد الأوروبية وفتحت لهم أراضيها واستقبلتهم ومنحتهم الحرية الدينية والحرية السياسية مهما كانت معتقداتهم أو ديانتهم. لقد فرقت منذ البداية بين الحرية الدينية والحرية السياسية. فرقت بينهم كأفراد يؤمنون بإيمان معين وبينهم كأفراد يعيشون في وطن له نظامه الإداري والسياسي الذي فرض عليهم حقوقاً وواجبات معينة وحتى في وقتنا الحاضر وقبل أحداث 11 سبتمبر أيلول الماضي فقد فتحت أمريكا أبوابها للملايين ممن التجأوا إليها لجوءاً سياسياً أو عنصرياً أو دينياً دون تفرقة بين مسلم أو مسيحي أو بوذي.

حاربت أمريكا داخل أراضيها سيطرة الدين على الدولة أو سيطرة الدولة على الحرية الدينية، بل وأكثر من ذلك ومع بداية الستينات  فقد سنت الكثير من القوانين والعقوبات لأية محاولة تربط بين الدين والدولة وأذكر على سبيل المثال وليس الحصر تلك القوانين التي منعت إقامة الصلوات المسيحية التي كانت تتلى صباح كل يوم في المدارس والأجهزة الحكومية رغم كونها دولة مسيحية وأن المسيحية دينها السائد.

فإذا جاء مثلاً أسامة بن لادن وهاجم أميركا كدولة ونعتها بالكفر فلا شك أن هذا الهجوم جاء في غير محله وبعيداً عن الواقع لأنه ربط بين الدين والدولة في حين أنهما منفصلان انفصالاً كاملاً.

إن معظم شعوب الأرض، ونحن العرب أولهم، نكره أميركا كنظام سياسي يعيش على الغطرسة ونهب الشعوب وقلب الحقائق. ولكن لا يجب أن نكرهها لأنها دولة تهتدي بالنهج المسيحي لتصبح كافرة في نظر ابن لادن أو غيره. والغريب في الأمر أن الكثير من أئمة رجال الدين وبعض قادة الفكر وعدداً كبيراً من المثقفين في البلاد العربية والإسلامية سار في نفس الدرب، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول وهجوم أمريكا الضاري على أفغانستان واتهامهم بأن الهدف من الهجوم الأمريكي هو القضاء على الإسلام والمسلمين.  

موقف أميركا من الإسلام:

إن أمريكا كنظام سياسي لا يهمها ولا تبغي القضاء على الإسلام كدين. كما أنها عندما تناصر إسرائيل وتشجعها على إبادة الفلسطينيين وقتلهم كما يحدث الآن، فإن هذا لا ينبع من كون إسرائيل تعتنق وتؤمن بالتوراة وبالدين اليهودي فوجب مناصرتها. إنها مصالح.. مصالح.. مصالح.. لقد تبارت القنوات الفضائية العربية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر أيلول الماضي بإقامة الندوات والمناظرات والتفسيرات والأحاديث بين رجال الفقه والدين والفكر حول ما حدث. وللأسف لم يؤدّ ذلك إلا إلى بلبلة في الأفكار وغموض في المفاهيم وتناقض في النصوص وتلاعب بالعقول والعبارات. فمن بين من يصف منفذي أحداث 11 سبتمبر أيلول بالإرهابيين المجرمين الذين غُرِّر بهم وبين من يصفهم بالشهداء الأبطال الذين شقوا طريقهم إلى جنات الخلد والنعيم.

ولعلنا نذكر أنه بعد دقائق قليلة من هجوم الطائرات على مدينة نيويورك وهدم أعلى أبراجها في حي المال وما تبع ذلك من هرج ومرج وذعر وارتباك في جميع أنحاء الولايات الأمريكية، وفي ظل التخبّط والغضب والوعد والوعيد، طلع علينا الرئيس بوش بإعلانه الساذج قصير النظر البعيد عن الفطنة والحنكة ليعلنها ستكون حرباً صليبية ضد الإرهابيين فوقع هو بدوره فيما وقع غيره في الربط ما بين الدين الدولة. لكن الكنائس ورجال الدين المسيحي رفعوا أصواتهم بالاحتجاج الغاضب والتنديد بما أعلنه الرئيس بوش من أن تكون حربه حرباً صليبية يجر فيها الدين لسياسته وأطماعه. وقد أثمرت هذه الحملة وحققت لأهدافها، فما هي إلا ساعات قليلة يعلن فيها بوش عن اعتذاره لما صدر منه لأنها وعلى حد قوله كانت زلة لسان نتيجة انفعال شديد وغضب أعمى بصيرته، فبدأ يدافع عن الإسلام واصفاً الإرهابيين بالجهل بالإسلام دين التسامح والمحبة والإخاء. 

وهنا أترك الحديث لأحد رجال الدين الإسلامي في مصر والمسؤول عن لجنة الحوار بين الأديان كما ظهر على شاشة القناة المصرية الفضائية حين قال:

"بعد إعلان الرئيس بوش بتصريحه الشهير أن الحرب ستكون حرباً صليبية ضد الإرهابيين (الإسلام أعلنها حرباً دينية على العالم منذ تأسيسه) اتصل بي مباشرة رئيس مجلس الكنائس العالمي من أوروبا قائلاً إن مجلس الكنائس العالمي عقد اجتماعاً طارئاً حيث أجمع الأعضاء على إصدار بيان عام يستنكرون فيه تصريح الرئيس بوش الذي هزّ جميع الكنائس ورجال الدين في العالم أجمع، طالبين مني بالتوجه فوراً إلى أوروبا للإطلاع على البيان والتصديق عليه لأنهم يريدون أن يكون البيان جامعاً مانعاً يعبّر عن الوحدة الإسلامية والمسيحية. وفعلاً سافرت وتم إصدار البيان الذي كان له أثر كبير في سحب بوش تصريحه السابق والاعتذار عنه.


عزيزي السيد وجيه المصري:

 يظهر واضحاً أن القصد من مقالتك (الظاهر منه فقط) هو تخطئة ابن لادن في تسميته أميركا بدولة الكفر، لتصل بالتالي إلى إثبات خطئه في الدعوة إلى محاربتها على هذا الأساس بالذات.

إني بالتأكيد أشاركك الرأي في تخطئته، لا بل إني وكمسيحي يقرأ المسيحيةَ كجوهرٍ وليس كنصّ، أرى أن قيام أي إنسانٍ بتكفير أي إنسانٍ آخر، ليس فقط خطأً يرتكبه ضد أخيه الإنسان، بل تعدياً على سلطة الله الذي هو وحده صاحب الحق المطلق بالحكم على البشر. في ذلك قال المسيح: "لا تدينوا لئلاّ تُدانوا.." ومن هذا المنطلق أومن بشدّة في عدم جواز الحكم على صلاح أو عدم صلاح أحدٍ سواء آمن بدينٍ أم لم يؤمن.

أما من حيث المنطلق الذي انطلق منه ابن لادن، وهو الذي اعتمدتَ عليه في تخطئته، فإني على العكس منك، أرى الرجل على حق في تفسيره لتعاليم دينه، لم يحِد عنها قيدَ شعرةٍ واحدة. وهكذا فإنك إذا اعتقدتَ أنك تخدم الحقيقة بتخطئتك له فإنك ولوجه الحقيقة أقول، لم تفعل إلا العكس تماماً. خدمة الحقيقة تتم بالتعرية وليس بالتغطية، والحقيقة على العكس من بني البشر لا تخجل من عريها بل تفخر به!

لا أعرفُ بأي دين تدين، وفي الحقيقة لا يهمني أن أعرف. ولكن إذا كنتَ مسلماً فقد أنكرتَ على الإسلام تعاليمَ هي من صلبه، وإذا كنت مسيحياً فلا أدري على من أنت تضحك.. على نفسك أو على المسلمين!.. 

إن تحديد الإسلام للكفر والكفار هو أمر لا يختلف فيه مسلمان، وهو في القرآن أمرٌ واضح لا إشكال فيه: كل من هو ليس بمسلمٍ هو كافر. المؤمنون حسب القرآن هم فقط الذين يؤمنــون بالله وبمحمد ( 24 : 62 ) والله لن يغفر أبداً للذين يكفرون به وبمحمد كما أنه لن يتكلّف مشقة هديهم لأنه لا يهدي القوم الفاسقين ( 9 : 80 ) هذا الله جعل الدين عنده الإســلام فقط ( 3 : 19 ) وهو لا يرضى بغير الإسلام ديناً ومن آمن بغير الإســلام دينــاً فهو لن يُقبل منه وسيكـون من الخاسرين ( 3 : 85 ) ولذلك فقد كتب الله للمسلمين الغلبة على الكفار في الحياة الدنيا، وأعدّ للكفار من طرفه في الحياة الآخرة نار جهنّم ( 3 : 12 ) كما حث الله المسلمين على مساعدته بقتالهم للكفار حتى النهاية، فإما أن يؤمنوا بالإسلام أو أن يخضعوا لحكمه ذليلين ويدفعوا لأتباعه ضريبة الحياة صاغرين ( 9 : 29 ) ولكي يشجّعهم على القيام بذلك وعد الذين يقتلون الكفار بجنات الخلد ( 9 : 111 ) وقائمة التعليمات بقتل الكفار والوعود بالمكافآت تطول..

وهكذا، فالكافرون هم كل الذين لا يؤمنون بالله ومحمد. لا يكفي أن يؤمن أحد بالله فقط لأن اسم محمد يقترن باسم الله في كل شيء. ابن لادن لم يتعدّ حدود الإسلام حين اعتبر الأمريكيين كفاراً، وشأنه في هذا شأن أي مسلم يؤمن بأن القرآنَ بحرفه وجوهره كتابٌ منزّل من الله وصالحٌ لكل زمان ومكان. إذن، سواء فصلَ الأمريكان الدين عن الدولة أم لم يفصلوه، فإن هذا لن يشفع لهم في وضعهم ولن يجعلهم أقل كفراً.

*********

نقلتَ عن ابن لادن قوله أن "كل مسلم منذ أن يعي التمييز، ففي قلبه بغض للأمريكان واليهود والنصارى وهو جزء من عقيدتنا وديننا." وكلام ابن لادن يعكس حقيقة لا يمكن إنكارها. ابن لا دن لم يكذب حين قال بأن المسلم يتعلّم كراهية الأمريكيين واليهود والنصارى منذ يعي التمييز وكذلك لم يفترِ على الحقيقة حين قال بأن هذا البغض هو في الواقع جزء من العقيدة الإسلامية. كل ما أردتَه أنت هو طمس الحقيقة. لقد أقررت بأنك تشترك مع ابن لادن في بغضه للأمريكان ولكنك حاولت أن تجعل البغض على أساس سياسي وليس على أساس ديني، بينما الواقع يثبت عكس ذلك تماماً. أنت تعرف وتعترف كما يعرف كل مسلم وغير مسلم، أن الإسلام دين ودولة، ولذلك فإن الإسلام في تكفيره ودعوته إلى البغض والقتال لا يفرق في الحقيقة بين شعب ودولة.     

ثم نقلت عن ابن لادن قوله بأن "التحالف الصليبي الأمريكي يمزق العالم الإسلامي وينهب ثروات المسلمين." ورغم أنك كتبت مقالتك محاولاً أن تظهر فيها بمظهر الواعي المتفهّم فيما يتعلّق "بالصليبية" فإنه ليبدو واضحاً من سياق عباراتك أنك تشاركه الكثير من آرائه ومن كراهيته للأمريكيين بما في ذلك ادّعاءه بأنّ الأمريكيين ينهبون ثروات المسلمين. لا بل زدتَ على ما قال هو فجعلت نفسك ممثلاً عن معظم شعوب الأرض حين تحدّثت بالنيابة عنهم إذ قلت، "إن معظم شعوب الأرض، ونحن العرب أولهم، نكره أميركا كنظام سياسي يعيش على الغطرسة ونهب الشعوب وقلب الحقائق."

هنا اسمح لي أن أتوقف عند عبارتك هذه لأتناولها بالتعليق كلمة كلمة، وقبل أن أفعل ذلك، لا يسعني إلا أن أعبّر عن شعوري بالقرف من شعبنا الذي يرمي الكلام على عواهنه كالببغاوات دون أدنى تفكير.

لا أعرف أية إحصائيات اعتمدت عليها لتقول "أن معظم شعوب الأرض تكره أميركا كنظام سياسي." هل هناك استفتاء حر في بلد من أي بلدان العالم التي تتحدث بالنيابة عنها يمكن أن تعتمد عليه لكي تثبت لنا أن "معظم شعوب الأرض تكره أميركا كنظام سياسي"؟.. نظام أميركا السياسي هو حلم الشعوب يا رجل!.. إذا كان هناك من يكره هذا النظام، فإنه إما مغسولُ الدماغ أو أنَّ كراهيتَه هي  نتيجة كراهيته لذاتِـهِ الخانعةِ الذليلة؛ هذه الذات الضعيفة عن تغيير الأوضاع والتي تقف بينه وبين رغبته العارمة في محاكاة هذا النظام هي من بين أعظم العوامل التي تدفعه إلى كراهية ما لا يستطيع محاكاته أو امتلاكه. شعوب العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية تنام على أبواب سفارات هذا النظام تحلم بالرحيل إليه لتعيش تحت ظله. أما عن قولك بأن أسباب كراهيتك الحقيقية أنت وابن لادن لهذا النظام يجب أن تكون لكونه "نظام قائم على الغطرسة ونهب الشعوب وقلب الحقائق" فقد كان يجدر بك أن تأتي بأمثلة عن عمليات النهب التي تقوم بها أميركا حتى لا نقول عنك أنك تكرر بدون وعي ما سمعته منذ "وعيتَ التمييز ومنذ امتلأ قلبك ببغض الأمريكان" أنت الآخر!

********** 

يا صاحبي أذكّرك بعبارتك التي ذكرتها أنت نفسك في مكان لاحق من مقالتك: "مصالح.. مصالح.. مصالح.."

العلاقات بين دول العالم حقاً تقوم على المصالح، والمصالح تحكم العلاقات بين جميع البشر. ميزان المصالح ليس دائماً ميزان عدل. حتى علاقتنا مع الله  تحكمها المصالح وهذه أيضاً غالباً ما نجد صعوبة في الاعتقاد بعدلها. وليست مصالح الولايات المتحدة مع غيرها من دول العالم إلا جزءاً من النظام الذي يتحكم في علاقات كل الأمم بعضها مع البعض الآخر. ورغم إقرارك بهذه المصالح، تأتي فتقول بأن أميركا تعيش على نهب الشعوب، لكنك لا تقدم فواتير الحساب. فاعذرني إن قلت لك أن الكراهية التي تعترف بأنها تملأ قلبك قد سيطرت حقاً على قلمك فأدّى بك إلى الهذر. لو كنت تتحدث عن بريطانيا أو فرنسا أو البرتغال أو بلجيكا أو هولندا أو إسبانيا، فقلتَ عن استغلالها للدول التي استعمرتها بأنه نهبٌ، لكان في قولك هذا عدلٌ رغم اتسـاع تعريف كلمة النهب. أم أن تقول عن أميركا بأنها تعيش على نهب الشعوب فإني لا أراك إلاّ على ضلال أكيد. إذا أردتَ يا صاحبي أن تبحث عن اللص الحقيقي فما عليــك سوى أن تتوجه إلى حكام الشعوب المنهوبـة فتسألهم: "من أين لكم هذا يا أبناء الكرام؟.."

أما عن اتهامك لأمريكا "بالغطرسة وقلب الحقائق" فاسمح لي أن أقول لك أنه لمن المضحك أن يصدر هذا الاتهام عن إنسان يقلب الحقائق كما قلبتها أنت حتى الآن وقلب الحقائق هو بحد ذاته غطرسة على الحق.

************

 قبل أن أنهي حديثي، أودّ أن أشير إلى أمرين ذكرتهما في مقالتك، أحدهما يدلّ على مدى كراهيتك لهذا البلد رغم كونك قد اعترفت به، والآخر يتعلق بعدم الأمانة بنقلك لما يصدر عن ألسنة الآخرين.

الأمر الأول: رغم تطرقك لما ذهب إليه الناس من تسمية لعملية الحادي عشر من أيلول الإرهابية مما يدلّ على معرفتك بأهمية هذه التسمية لأجل التأريخ، فإنك لم تتورع أنت عن تسميتها "بالأحداث" وكأنك لست مقتنعاً حتى الآن بأن ما جرى في ذلك اليوم قد كان حقاً عملاً إرهابياً مجرماً بشعاً دنيئاً وكريهاً. تتحدث عن دعم أميركا لإسرائيل، ولا أحد ينكر هذا الدعم، ولكنك تأكيداً لبغضك، ليس لأميركا فقط، بل للحق أيضاً، تقول بأن أميركا لا تكتفي بمناصرة إسرائيل بل "تشجعها على إبادة الفلسطينيين وقتلهم كما يحدث الآن.." إن ترديدك لهذه العبارات الكاذبة المنفوخة هو بحد ذاته جريمة ترتكبها أنت بحق هذا البلد تضعك في مستوى إرهابيي الحادي عشر من أيلول أنفسهم، لأن عبارات كهذه هي التي تولّد الأحقاد وخاصة في قلوب المتعصبين الذين لا يحتاجون إلا لكلمات كمثل كلماتك ليتخذوها عذراً لهم في سفكهم لدماء الأبرياء من الناس. لا أعتقد أن إنساناً فيه ذرة من عقل يمكن أن يعتقد بأن الإدارة الأميركية "تشجّع" إسرائيل "على قتل" الفلسطينيين.

الأمر الثاني: تحدثتَ عما قاله الرئيس بوش عن "الحملة الصليبية" ثم عن اعتذاره لتلفظه بالعبارة فقلت، "فما هي إلا ساعات قليلة يعلن فيها بوش عن اعتذاره لما صدر منه لأنها وعلى حد قوله كانت زلة لسان نتيجة انفعال شديد وغضب أعمى بصيرته". هل حقاً قال الرئيس بوش "إني أعتذر لزلة لساني تلك التي كانت نتيجة انفعال شديد وغضب أعمى بصيرتي؟.."

لا أدري من أين أتيت بهذا الكلام عن الرئيس بوش وحبذا لو تذكر لنا مرجعاً نعود إليه فنقرأ فيه ما قرأته أنت. الذي حصل بخصوص هذا الموضوع هو أن أحد مساعدي البيت الأبيض، وليس الرئيس بوش، هو الذي اعتذر حين وُجّه إليه السؤال عن العبارة التي ذكرها الرئيس، وكان اعتذاره تفسيراً إذ قال أن "الرئيس لم يكن لديه أية نية على إثارة قضية تاريخية كتلك." أما الرئيس فلم يقدم اعتذاراً مباشراً عن الكلمة، كما لم يذكر شيئاً عن انفعال شديد وغضب أعمى بصيرته. ما فعله الرئيس هو أنه في عدة مناسبات حاول التخفيف من أثر العبارة بتأكيده على أن الحرب ليست ضد الإسلام مردداَ بأنه يعتقد أن "الإسلام دين يدعو إلى التسامح والسلام ولكن هناك من يفسر بعض تعاليمه بالشكل الذي يخدم مصالحه."

هنا، وبالمناسبة، آمل أن لا تكون قد صدّقت مع المصدّقين أن الرئيس بوش حقاً يعتقد بأن الإسلام هو دين تسامح وسلام. وفي الحقيقة إن هناك أئمة مساجد وفقهاء مسلمون في العالم العربي غاضبون لقيام مسلمين في أميركا باللف والدوران حول ما يتعلق بتعاليم الإسلام المتعلقة بدعوتها الصريحة إلى محاربة الكفار وكذلك التعاليم المتعلقة بنظرة الإسلام إلى المسيحية واليهودية.  

هنا لا يسعني إلا أن أتوقف لأقول لك فيما يتعلق بالحرب الصليبية أن هذه الحرب لا بدّ آتية لكنها ستكون مختلفة كل الاختلاف عن سابقتها. وجه الشبه الوحيد بين الحرب القادمة وسابقتها هو فقط أن أحد طرفيها سيكون العالم الإسلامي. الحرب القادمة لن تقوم لتحرير القدس أو احتلال أرضٍ أو نشرِ دين. الحرب القادمة قد يُنظر إليها كحرب صليبية لأنها ستكون تحت رعاية الأمم الحرة، ولكن العالم كله سوف يقف وراءها. العالم كله وصل إلى مرحلة أيقن فيها تماماً أن الإسلام بصيغته الأصلية والأصولية قد أصبح خطراً يهدد سلامة الإنسانية كلها. لذلك، فالحرب المقبلة ستكون غايتها تحرير الإنسان المسلم من تحت سيطرة العقلية المتحجرة التي تعمل على إنشاء أجيال تهدد سلامة المستقبل. هذه الأجيال هي بالضبط تلك التي تحدث عنها ابن لادن معرّفاً إياها بالأجيال التي منذ أن تعي التمييز ففي قلبها بغض للأمريكان واليهود والنصارى.. البغض الذي قال عنه بأنه جزء من عقيدته ودينه. ابن لادن كان أصدق منك يا صاحبي!

كلمة أخيرة أهمس بها في أذنك. يجدر بك أنت وشعوب العالم التي تتخيلها تقف إلى جانبك في بغضك لأميركا، أن ترفع الصلاة صبحاً وعشية وتشكر الرب الذي جعل القوة بيد نظام كنظام هذا البلد ولم يجعلها بيد نظام آخر.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط