بسام درويش / Apr 24, 2006

المقالة التالية للدكتور فيصل القاسم مقدم برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة، نعيد نشرها يليها التعليق.

*****

كيف غير المخترعون المسلمون وجه العالم؟

د. فيصل القاسم

 

في الوقت الذي انبرى فيه رهط من «المسئفين» الليبراليين العرب في الآونة الأخيرة يرجمون العروبة والإسلام والاستخفاف بهما وتشويه سمعتهما وتصوريهما على أنهما رمز للتخلف الحضاري والإنساني والاصطفاف إلى جانب المسيئين إليهما في العالم أقدمت إحدى المؤسسات العلمية البريطانية على إقامة معرض علمي تاريخي للتذكير بمآثر المسلمين العلمية التي غيرت وجه العالم حسب عنوان صحيفة الاندبندنت. وقد لخص الكاتب بول فاليلي تلك الإنجازات العظيمة في عشرين إنجازاً ومخترعاً مسلماً لولاهم لما كان العالم المعاصر على ما هو عليه من تقدم وحضارة وازدهار ورخاء.


هل تعلمون أن المسلمين هم أول من اكتشف القهوة وجعلها مشروباً عالمياً؟ حدث ذلك عندما كان عربي اسمه خالد يرعى أغنامه في منطقة بجنوب إثيوبيا حيث اكتشف أن أغنامه صارت أكثر حيوية بعد تناولها نوعاً من الحبوب، فأخذ بعضاً منها وغلاها ليصنع منها أول مشروب للقهوة. وكان الصوفيون أول من استورد القهوة من اثيوبيا إلى اليمن حيث كانوا يشربونها كي يسهروا طويلاً للتعبد والصلاة. وفي نهاية القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى مكة وتركيا ومن ثم إلى البندقية في إيطاليا. وفي منتصف القرن السابع عشر وصلت إلى انجلترا بواسطة شخص تركي حيث فتح أول محل لبيع القهوة في شارع لامبارد بلندن. ومن ثم أصبح اسم القهوة بالتركية "كهفي" وبالإيطالية "كافا" وبالانجليزية "كافي".


هل تعلمون أن ابن الهيثم عالم الرياضيات والفلك والفيزياء هو مخترع الكاميرا التي تعتبر عماد الحياة الإعلامية الحديثة. وقد اخذت اسمها من كلمة "قمرة" العربية وتعني الغرفة المظلمة أو الخاصة.
هل تعلمون أن الفرس هم من طور لعبة الشطرنج إلى ما هي عليه الآن. وأن كلمة "رووك" الانجليزية أي "القلعة" بلغة الشطرنج مأخوذة عن كلمة "رُخ" الفارسية؟


هل تعلمون أن الفلكي والشاعر والموسيقي والمهندس عباس بن فرناس كان قد سبق الأخوين رايت بألف عام في صناعة آلة للطيران؟ وقد طار لأول مرة من على مئذنة في مدينة قرطبة مستخدماً عباءة محشوة بمواد خشبية. وقد كانت عباءة بن فرناس أول مظلة في التاريخ. ثم اخترع آلة أخرى من الحرير وريش النسور وطار فيها من أعلى جبل وبقي في الجو لمدة عشر دقائق ثم سقط. واكتشف فيما بعد أن سبب سقوطه يعود إلى عدم صنع ذيل لطائرته.


هل تعلمون أن المسلمين هم أول من طور الصابون الذي نستخدمه اليوم وأضافوا له الزيوت النباتية وهايدروكسيد الصوديوم والعطورات كعطر الزعتر بينما كانت تفوح من أجساد الصليبيين الذين غزوا الأرض العربية روائح كريهة للغاية حسبما يقول مسلمو ذلك الزمان؟ وقد جلب الشامبو إلى انجلترا لأول مرة شخص مسلم وقد عـُين فيما بعد في بلاط الملكين جورج وويليام الرابع لشؤون النظافة والشامبو.
هل تعلمون أن جابر بن حيان هو مخترع الكيمياء الحديثة وإليه يعود الفضل في صناعة كل أجهزة التقطير والفلترة والتبخير والتطهير والأكسدة المستخدمة هذه الأيام.


هل تعلمون أن الفضل يعود إلى المهندس الجزاري في تصميم أهم الاختراعات الميكانيكية في تاريخ الإنسانية. فهو الذي صمم أول صمامات عرفها الإنسان وهو الذي اخترع الساعات الميكانيكية وهو أبو علم الآليات والتسيير الذاتي الذي تقوم عليه الصناعات الحديثة. وللتذكير ايضا فهو اول من اخترع القفل الرقمي الذي نراه الآن مستخدماً في الحقائب والخزائن.


هل تعلمون أن أول من صنع المواد العازلة هم المسلمون. وهم الذين ابتكروا الألبسة المحشوة بمواد عازلة التي كان ومازال يرتديها العسكريون.


هل تعلمون أن المهندسين المسلمين هم أول من صمم الأقواس الهندسية التي اخذها عنهم الغرب فيما بعد في علم هندسة البناء، ولولا العلوم الهندسية الاسلامية لما شاهدنا الكثير من القلاع والقصور المنيفة والأبراج الهائلة في الأصقاع الغربية.


هل تعلمون أن كل الأدوات المستخدمة في الجراحة والتشريح اليوم هي نفسها التي اخترعها العالم الزهراوي في القرن العاشر؟ هل تعلمون أن المائتي أداة التي يستعملها الأطباء اليوم هي من تصميم الزهراوي؟ هل تعلمون أنه أول من اكتشف الخيطان المستخدمة في العمليات الجراحية والتي تذوب في الجسم بعد العملية؟

هل تعلمون أن ابن النفيس هو الذي اكتشف الدورة الدموية في القرن الثالث عشر قبل هارفي بثلاثمائة سنة؟

هل تعلمون أن العلماء المسلمين هم أول من اخترع "البنج" أي المخدرات الطبية التي تعطى للمرضى قبل العمليات وهم الذين مزجوا الأفيون بالكحول للغرض نفسه؟

 هل تعلمون أن المسلمين هم أول من اخترع الطاحونة الهوائية لطحن الذرة والري؟ ولم تعرفها أوروبا الا بعد خمسمائة عام؟

هل تعلمون أن أول من اكتشف التلقيح والتطعيم الطبي هم المسلمون وليس باستور الفرنسي؟ وقد أوصلته إلى أوروبا زوجة السفير البريطاني في اسطنبول عام 1724م. وقد كان الأتراك يلقحون اطفالهم ضد بعض الأمراض المميتة قبل الأوروبيين بأكثر من خمسين عاماً.

هل تعلمون أن الفضل يعود إلى سلطان مصر الذي طلب تصنيع قلم حبر لا يوسخ الأيدي والملابس فجاء اختراع أقلام الحبر الناشف التي تستخدم على نطاق واسع في كل انحاء العالم الآن؟

هل تعلمون أن نظام الترقيم وضعه الخوارزمي والكندي؟ هل تعلمون أن الخوارزمي هو واضع علم الجبر ايضاً؟ هل تعلمون أن العالم الإيطالي فيبوناتشي هو الذي نقل العلم الحسابي العربي إلى أوروبا بعد أكثر من ثلاثمائة عام على اكتشافه عربياً، والمؤسف أنه معروف في الغرب على أنه مكتشفه لا ناقله؟ هل تعلمون أن عالماً مسلماً هو مكتشف اللوغاريتمات؟ هل تعلمون أن أصل علم المختصرات عربي؟

هل تعلمون أن علي بن نافي الملقب بزرياب هو الذي وضع اسس التغذية الحديثة، فهو الذي جاء من العراق إلى قرطبة بفكرة الوجبة الثلاثية التي تتألف من الشوربا والصحن الرئيسي من اللحم أو السمك ثم الفاكهة والمكسرات؟ وهو الذي طور ايضا كؤوس الكريستال التي عمل على اختراعها في البداية عباس بن فرناس.

هل تعلمون أن المسلمين هم من وضع علم النسيج والحياكة والسجاد تحديدا بينما كانت أرض المنازل في أوروبا من التراب والسطوح البدائية؟ وقد انتشرت السجاجيد فيما بعد في الغرب انتشار النار في الهشيم.

هل تعلمون أن كلمة "شيك" الانجليزية اصلها عربي، فهي مأخوذة عن كلمة صك، أي التعهد بدفع ثمن البضائع عند تسلمها وذلك تجنباً لتداول العملة في المناطق الخطرة؟ وفي القرن التاسع كان رجال الأعمال المسلمون يأخذون الكاش مقابل شيكاتهم في الصين المسحوبة على حساباتهم في بغداد. بعبارة أخرى فالمسلمون هم من وضع أسس الاقتصاد المالي.

هل تعلمون أن ابن حزم اكتشف ان الأرض كوكب يدور قبل العالم الغربي غاليلي بخمسمائة عام وأن الفلكيين العرب كانوا يحسبون حركة الأفلاك بدقة متناهية؟ وهل نسينا أن العالم الإسلامي الأدريسي قدم للملك روجر في صقلية الإيطالية كرة أرضية مرسوماً عليها أقاليم وبلدان العالم في القرن الثاني عشر؟

هل تعلمون أن العلماء المسلمين هم أول من استخدم البارود للأغراض العسكرية بإضافة البوتاسيوم له وهم أول من صنع صاروخاً ينفجر في سفن الأعداء عند إصابتها؟

هل تعلمون أن المسلمين هم أول من صمم الحدائق للتمتع بجمال الطبيعة والاسترخاء بينما كان الغربيون يستخدمونها فقط لزراعة الأعشاب والخضار للطبخ؟ هل تعلمون أيضاً أنهم اول من زرع الزنبق والفل الذي يزين حدائق أوروبا هذه الأيام؟

هذا غيض من فيض من المآثر العلمية الإسلامية التي يحيا عليها العالم المعاصر والموثقة غربياً. وأتمنى على رسام الكاريكاتير الدنماركي أن يزور المعرض الذي يؤرخ للإنجازات العلمية الإسلامية للتعرف على تلك الحضارة التي صنعت له القلم الذي يرسم به كاريكاتيراته. كما أتمنى على العرب أن يستذكروا تاريخهم المجيد باستمرار لعلهم ينهضون من جديد وألا يسمحوا لبعض الكتاب الناطقين بالعربية أن ييئسوهم ويزرعوا القنوط في أنفسهم ويحطموا معنوياتهم وأن يبينوا لأطفالهم حقائق التاريخ المنسية. كما أتمنى عليهم أيضاً أن يراجعوا أنفسهم ويتفكروا بما آل إليه وضعهم. لماذا أصبحوا في الحضيض بعدما كانوا في القمة؟ لماذا وضعوا أسس الحضارة العلمية الحديثة ثم عادوا للتسول على أبوابها؟

=====================

طريقة الدكتور القاسم في دفاعه عن العروبة والإسلام تبعث على التساؤل.

ربما لديه "أجيندا" خاصة وسرية جدا لا يُطلِع عليها أحداً، إذ ليس من الواضح تماماً إذا كان ما يكتبه هو حقاً لغاية الدفاع عن العروبة والإسلام، أم أنه يسعى من خلال هذه الأجيندا إلى نقيض ما يحاول أن يوهم قرّاءه به!

على أي حال من الأحوال، إذا كان حقاً يسعى إلى فضح الإسلام وتعريته بهذه الطريقة غير المباشرة، فأنا أغبطه واشجعه، لا بل أحب مساعدته بتحويل كلماته غير المباشرة إلى كلمات مباشرة.  أما إذا كان حقا يدافع عن الإسلام، وهذا هو أسلوبه في دفاعه عنه، فأنا أيضا أهنئه لأنه يخدمني بهذا الأسلوب ويخدم كل من يكره هذه الايديولوجية الخطرة ويتمنى أن يراها إلى زوال.

****************  

استهلّ القاسم أطروحته الجديدة بما اعتقد أنه "خفة دم"، إذ "تمألس" على المثقفين الليبيراليين العرب الذين "انبروا" مؤخراً يرجمون عروبته وإسلامه فسمّاهم بـ "المسئفين"، ولا أملك إلا أن أبدأ ردي بسؤال الدكتور عما إذا كان لم يعد يتذكّر من "درزيّته" سوى "ثائها" و "قافها" ناسياً كل ما عانته على مدى قرون من اضطهاد أسياده المسلمين الذين يمجدّهم اليوم على حساب كرامته وكرامة أبناء طائفته.

 

بعد خفة الدم تلك، يبدأ القاسم عرضاً لمآثر العروبة والإسلام وأفضالهما على العالم بقصة راعٍ عربي اسمه خالد وغنمةٍ له كانت ترعى على أرضٍ أثيوبية.

يروي لنا كيف لاحظ خالدٌ ـ العربي المسلم ـ بأن غنمته قد دبّ فيها النشاط بشكل مفاجئ وملفت للأنظار فأخذ يتأمّل في ما حولها إلى أن اكتشف بأن السبب كان مضغها لحبوب البن، فخطر بفكره فوراً أن يأخذ بعض هذه الحبوب ويقوم بغليها!..  لقد عرف خالدٌ فوراً أنها بحاجة إلى غلي!.. ـ (لم يذكر لنا القاسم إذا كان الراعي قد طحنها أيضاً) ـ وكانت النتيجة يوماً خالداً وعظيماً في تاريخ العروبة والإسلام، إذ أن فيه قد تمّ اكتشاف القهوة!..

وتكرّم الدكتور القاسم بعد ذلك فسلسل لنا تاريخ انطلاقة "شعلة" القهوة من بلاد العروبة والإسلام، وأعطانا رسماً بيانياً لمسيرتها من بلد إلى آخر إلى أن قام بإيصالها إلى أرض الإنكليز رجل تركي، أعزّه الله وأعزّ إسلامه هو الآخر!

 

يا لهذه المقدمة التي أراد الدكتور القاسم أن يظهر لنا من خلالها فضل العروبة والإسلام على البشرية!..

 

بمجرد قراءة هذه المقدمة، يتضح لنا تماماً إفلاس الدكتور القاسم وأنه سيعصر مخيلته عصراً ـ أو سيعصر التاريخ عصراً ـ ليبرهن لنا فضل العروبة والإسلام على العالمين!

 

بعد اكتشاف القهوة التي أنعم به الله على عبده العربي المسلم خالد، انتقل القاسم إلى الكاميرا فقال، "هل تعلمون أن ابن الهيثم عالم الرياضيات والفلك والفيزياء هو مخترع الكاميرا التي تعتبر عماد الحياة الإعلامية الحديثة. وقد اخذت اسمها من كلمة "قمرة" العربية وتعني الغرفة المظلمة أو الخاصة؟.."

 

ولمَنْ لم يسمع بابن الهيثم نقول، إنه كان عالما في الطبيعة والبصريات والرياضيات، ولد في سنة 965 ميلادية وتوفي في سنة 1039، وكان ـ ولا جدال في ذلك ـ عالماً من علماء عصره خلّف وراءه بحوثا ونظرياتٍ وعلى وجه الخصوص في العين البشرية. لكن ابن الهيثم لم "يخترع" شيئا اسمه الكاميرا إنما توصّل نظرياً ـ ونظرياً فقط ـ من خلال دراسته للعين، إلى وصفٍ في مخطوطاته لـ "فكرة" العدسة.

القول بأن بن الهيثم لم يتوصل إلى اختراع الكاميرا إنما فقط إلى مجردِ وصفٍ لفكرةٍ دارت في رأسه، أمرٌ لا يقلل من شأنه أبداً. فمعظم الاختراعات والاكتشافات التي ننعم بها اليوم لم تكن وليدة لحظةٍ أو يومٍ أو عصر. إنها كلها نتيجة جهود إنسانية لا يمكن لأحد أن ينكر حتى أتفَهَها، لكن، أن يقول القاسم بأن ابن الهيثم قد اخترع الكاميرا "عماد الحياة الإعلامية الحديثة" فهو قول إن يدلّ على شيء فإنما يدل على عقدة نقصٍ قاتلةٍ يتميز بها العربُ اسمها "المبالغة في كل شيء"!!

وبالمناسبة، فإن بن الهيثم لم يكن أول من خطر بفكره نظرية "الكاميرا" حسب تعبير القاسم، إنما هي فكرة خطرت للصينيين في القرن الخامس قبل الميلاد، وكذلك خطرت بفكر الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس في القرن الثالث قبل الميلاد.

وهكذا، فاعتماداً على منطق المبالغة الذي يبدع فيه الدكتور القاسم، ـ والعرب بشكل عام ـ لن يكون مدعاة لاستغرابنا أن نجده ينسب في أطروحته هذه كل اختراع واكتشاف إلى عروبته وإسلامه، لا بل لن يفاجئنا إذا ما نسب اختراع اللاسلكي إلى محمد نفسه باعتباره أول من افتتح خطاً لاسلكيا مع السماء السابعة عن طريق "شبكة جبريل للوحي والتنزيل!"

 

استرسل القاسم في سرده لمآثر وأفضال المسلمين والعرب على العالم، فأرجع صناعة الطائرات لعباس بن فرناس، وكأنّ بن فرناس كان المجنون الوحيد في العالم الذي صعد إلى مرتفع وحاول الطيران مقلدا العصافير فأدّى به جنونه إلى ملاقاة حتفه. ثم شطح به خياله المبدع ليعتقد بأن الأخوين رايت ما كانا ليتوصّلان إلى تطوير تلك الطائرة لو لم يعتمدا على حسابات ونظرية بن فرناس!

 

لم ينسَ القاسم مأثرة عظيمة من مآثر الإسلام حملها معهم المسلمون إلى بلاد الفرس الذين لولا ما أنزل الله على نبيّهم من وحيٍ، لما استطاعوا أن يطوّروا لعبة الشطرنج فيضيفوا الرخّ إليها. 

كذلك لم ينس أن يذكّرنا بأنه لولا الإسلام والمسلمين لما عرف العالم كلمة "شيك" المنحدرة من كلمة "صكّ" العربية والتي أصبحت بنظره "أساس الاقتصاد المالي الذي تقوم عليه الحضارة الحالية!!"

ومن "اختراع" إلى "آخر" انتهى المطاف بشيخنا القاسم إلى إرجاع كل ما يتمتع به الإنسان اليوم من حضارة علمية وطبية وصناعية وجغرافية وغذائية وزراعية وغيرها إلى المسلمين العرب، لا بل لم ينسَ أن يقارن بين أجساد الغربيين الغزاة أيام الحملة الصليبية وكيف كانت الروائح النتنة تفوح منهم ـ بعد رحلتهم الطويلة من أوروبا ـ وأجساد العرب المسلمين الذين تفوقوا على الغرب باكتشاف الصابون المعطر!

******************

قصتك جميلة ورائعة يا "شيخ عقل" لكن قل لي:

حتى لو قبلنا معك بأن أمة المسلمين والعرب قد فضّلت على العالم بكل هذه الاختراعات والاكتشافات والنظريات، بدءاً براعيك خالد وغنمته، ومروراً بجابر بن حيان، و"عالِمِكَ المسلم" "مكتشف" اللوغاريتمات، وعالِمِك المسلم الآخر زرياب "واضع أسس التغذية الحديثة"، وبصاروخك الإسلامي الذي ـ ويا لبديع ودقيق وصفك ـ "ينفجر في سفن الأعداء عند إصابتها!"، وانتهاءً بالفلّ والرياحين التي استنبتها أعرابك المسلمون ليأخذها عنهم العالم الغربي فيزين بها قصوره وحدائقه!.. قل لي: ما هو شأن الإسلام في كل ذلك؟ 

 

سأستعير في نهاية تعليقي هذا مقالةً للدكتور كامل النجار، الباحث القدير في مآثر العروبة والإسلام، إذ أن فيها ما يكفي للرد على كل ترهاتك بالنيابة عني، وسأكتفي بهذا السؤال الذي طرحته عليك: ما هو شأن الإسلام بذلك؟.. 

لنقل إنّ أعرابك حقاً فضّلوا على شواربنا بكل هذه "الاختراعات" فما الذي يجعل من هذه الاختراعات مآثر إسلامية؟

ـ هل نزل الوحي الإلهي على غنمة خالد كي تمضغ حبات البن، ثم عاد فنزل على خالد كي يلاحظ نشاط الغنمة، وبعد ذلك عاد مرة اخرى فنزل بآية جديدة تقول له "إغلِها فَغلاهًا فَكانَ من البنّ قهوةً مذاقاً طيباً ومنشّطاً للعالمين"؟؟.. (آية يمنية)

ـ  هل تخبرنا، لو كان محمدٌ حيا ـ وهو القائل "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب" ـ ماذا كان سيفعل برأس بن الهيثم عقاباً له على اختراعه  هذه "القمرة"؟

ـ هل وضع "زريابك" علي بن نافي اسس التغذية الحديثة معتمداً على نظريات محمد الغذائية التي تعالج المرضى ببول الجمال، أو بحبات التمر السبع التي تشفي من السحر لمدة أربع وعشرين ساعة، أو الحبة السوداء "حبة البركة" التي "تشفي من كل أمراض الدنيا إلا الموت"، أو بالعسل الذي فرضه على المريض فرضاً رغم تضرره منه، أو بغمس الذبابة في السمن لأن في أحد جناحيها سمّ وفي الثاني دواء؟..

ـ هل تتصوّر مصير جابر بن حيان على يدي محمد لو صرّح أمام حضرته عن إعتقاده بإمكانية تكوين إنسانٍ بالوسائل الصناعيّة؟.. أو مصير عالِمِكَ الإدريسي لو قدّم له كرته الأرضية مكذّباً وحيه الإلهي الذي يقول بأن الأرض مسطّحة (سورة الغاشية: 17 ـ 20)

 

أنهيتَ أطروحتك بقولك إنك لم تأتِ على ذكر كل "المآثر العلمية الإسلامية التي يحيا عليها العالم المعاصر" وأن ما ذكرته منها لم يكن إلا "غيض من فيض"!!.. إذا كانت هذه الزبالة التي حدثتنا عنها هي الغيض فنشكرك على إعفائنا من رائحة الفيض.

يا عزيزي الدكتور، لو أراد العالم حقا أن يحيا على "مآثر الإسلام العلمية" لكان لازال حتى اليوم يعتقد بأن الأرض مسطحة، وأن الشهب التي نراها في السماء ليست إلا رواجم للشياطين الذين يحاولون التنصت على أهل السماء، وأن الشمس تشرق وتغرب على قرني شيطان، ولكان العالم لا زال يتعالج ببول الجمال عوضاً عن الأسبرين، كما ولكان أيضا يصاب بالرعب كلما سمع نهيق الحمير بناء على قول نبيّك بأنها تنهق لرؤية الشياطين.. وعلى هذا المقياس قس!..

****************

هذا عن إسلامك، فماذا عن عروبتك الجريحة المهانة؟

عروبتك التي تفاخر بحضارتها ليست بحضارة، وأعرابك لم ينشروا حضارة.

حين انطلق أعرابك المسلمون من صحرائهم لم يحملوا معهم مشعل حضارة إنما منجلاً يحصدون به الأرواح، وناراً يحرقون بها المكاتب، وفؤوساً يهدمون بها كل ما يقف في وجههم. كانوا غزاةً أوباشاً وجهلة لم يعرفوا من الحضارة حتى اسمها. كل ما هنالك أنهم وبعد أن استقرت بهم الأمور في البلاد التي احتلوها والتي كانت تنعم بحضارات عظيمة، وبعد أن امتلأت خزائنهم من أموال الأمم التي نهبوها، كان من الطبيعي أن يعيشوا فترة رخاء، وكنتيجة لذلك، كان من الطبيعي أيضاً أن تصبح دولتهم مقصداً للعلماء والباحثين والمفكرين من الأصقاع المجاورة. 

عروبتك يا عزيزي القاسم انتحلت حضارات الأمم كالآراميين والفرس وغيرهم ثم ادّعتها لنفسها، تماما كما انتحلت أنتَ الإسلام ووقفت تدافع عنه من أجل لقمة العيش.. لقمة عيش لا أحسدك عليها لأنها ليست كريمة يا سيد القاسم.. إنها على حساب كرامتك لأنها تدفعك إلى قول ما لا تؤمن به!

يا عزيزي، أنت لست جاهلاً بما اقول. أنت تنافق وتعرف بأنك تنافق وهذا عيب. عيب وألف عيب.. أم هل تُرى قد "صاح ديك شعيب وما بقاش في الدنيا عيب"!؟؟!

*****************

مقالة الدكتور كامل النجار، "ماذا قدّم العرب والمسلمون للحضارة"

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط