بعث لي صديق بصفحة من جريدة عربية يسألني عن رأيي بخبر جاء فيها تحت عنوان، "قبلان يدعو اللبنانيين إلى الاقتداء بالسيد المسيح."
دعوة الشيخ هذا كانت بمناسبة احتفال العالم المسيحي بعيد الميلاد في شهر ديسمبر الماضي.
يقول الخبر:
"طالب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان اللبنانيين بـ "الاقتداء بالسيد المسيح وأن نعمل عمله ونتواضع لبعضنا فنبتعد عن التكبّر والعجب والرذيلة والفساد، لأنّ السيد المسيح كان مثالاً للتواضع والأخلاق الحسنة والسيرة الحميدة."
**************
توقفتُ في نهاية هذه الفقرة قبل أن أتابع قراءة الخبر أتأمّل لدقائق في ما قاله هذا الشيخ.
كلامٌ رائعٌ حقاً، لأنه يختلف كل الاختلاف عما اعتدنا على سماعه من عبارات التهنئة التقليدية التي تصدر عن شيوخٍ أو زعماء مسلمين في عيد من الأعياد المسيحية. فكلنا نعرف أن االتهاني التقليدية التي يتبادلها الزعماء الروحيون في المناسبات الدينية، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، ليست إلا عبارات تقتضيها العلاقات الاجتماعية والسياسية بين الطرفين. أما الشيخ قبلان، فقد تجاوز هنا التقاليد بدعوته بكل وضوحٍ المسيحيين والمسلمين معاً للاقتداء بالمسيح، بأعماله، وتواضعه، وأخلاقه الحسنة، وسيرته الحميدة!
دعوةُ عظيمةٌ جداً، فقط، لو كان الشيخ صادقاً في نيته بالعمل بها. لكن، لا يسعنا إلا أن نتساءل كيف يُمكِنُ لهذا الشيخ أن يوفّقَ بين دعوته هذه للمسيحيين والمسلمين معاً بالاقتداء بالمسيح وأعماله وأخلاقه وسيرة حياته، وبين إيمانه بأنّ محمداً هو الأسوة الحسنة(1) الذي يقتدي به ويدعو المسلمين من على منبر مسجده كل يوم جمعة للاقتداء به وبأعماله وأخلاقه وسيرة حياته؟
كيف يمكن له أن يوفّقَ بين هذين النقيضين؟
كيف يمكن له أن يوفق بين إيمانه بدعوة محمد إلى حمل السلاح(2) وقتال كل من لا يؤمن به وبإلهه ولا يحرم ما يحرمه هو وإلهه،(3) وبين دعوة المسيح التي تقوم على المحبة(4) والتسامح وتأكيده على أنّ السيف لا يجوز أن يكون وسيلة للدفاع عن الدين أو لنشر الدين؟(5)
كيف يمكن أن يوفّق بين إيمانه بـ "نبيّ" متكبّر لا يسمح لأتباعه بالدخول إليه إلا بإذنٍ مسبق، لا بل قد بلغ به التكبّر والطمع حدّ طلب الهدايا والمال من الذين يريدون استشارته بأمرٍ ما،(6) وبين شخصٍ كالمسيح لم يترفّع عن أحدٍ، صغيراً كان أو كبيراً، مستقيما كان أو زانياً، وفقيراً كان أو غنياً.(7)
كيف يمكن أن يوفّق بين دعوته للاقتداء بالمسيح الذي قال لمن رغب في اتباعه أن يذهب ويبيع كل ما عنده ويعطيه للفقراء ثم يعود إليه ويتبعه، وبين دعوته للاقتداء بنبيه الذي كان يقود أتباعه لغزو الناس وقطع الطرق وسلب القوافل، لا بل كان يقول لهم إنّ الذي يموت دون أن يغزو أو يفكّر بغزوٍ فقد مات منافقاً!(8)
كيف يوفّق بين دعوته للاقتداء بشخصٍ كالمسيح، علّم أتباعه أن كلّ من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، وبين "نبيٍّ" اشتهى زوجة ابنه بالتبنّي ثم تزوجها بعد أن طلقها من أجله؟... "نبيٌّ" كان له من النساء اثنتا عشرة امرأة، واحدة منهنّ قطع رأس زوجها قبل أن يتزوجها، ناهيك عن الإماء اللواتي كان يمتلكهنّ أو النساء اللواتي كنّ "يهبن" أنفسهنّ له فيقبل "الهبة" دون تردد، لا بل يستنزل من السماء وحياً يشرّع له قبول "الهبة"؟(9)
وبالاختصار، كيف يوفّق هذا الشيخ بين دعوته للاقتداء بصالحٍ طاهرٍ نظيفٍ متواضعٍ مسالمٍ محبٍّ لأعدائه صافحٍ عن أخطائهم تجاهه، وبين الاقتداء بشخصٍ زانٍ سارقٍ مقاتلٍ محبٍّ للثأرِ منتقمٍ حتى من النساء المرضعات آمرٍ بقتلهنّ داخل بيوتهنّ؟(10)
ألا يعيش هذا الشيخ صراعاً في نفسه وهو يدعو المسيحيين والمسلمين للاقتداء بالمسيح، بينما هو مقيّد من رأسه إلى أخمص قدميه بأكبال تعاليم الإسلام التي ليس فيها ما يتفق بشيء مع تعاليم المسيح؟
الجواب على هذا السؤال هو أن قبلان ليس في الحقيقة إلا منافقاً دجالاً، أسوةً بنبيّه الذي سالم المسيحيين واليهود أيام ضعفه وما أنِ اشتدّ عظمه حتى غدر بهم وأمر بقتالهم إلى أن يؤمنوا به ويخضعوا لسلطانه أو يدفعوا ضريبة حياتهم وهم صاغرون. كلام هذا الشيخ لم يكن تكريماً لرسالة المسيح إنما تشويهاً لها بافترائه على الغاية من مجيئه. لقد أراد هذا المنافق أن يقول للعالم إنّ كراهية اليهود لا تقتصر على تعاليم محمد فقط لأنّ المسيح ـ بنظره ـ ما جاء هو الآخر إلا لعنةً على اليهود ولغرض إبادتهم، إذ يتابع بعد تلك المقدّمة الخبيثة فيقول:
"...فالنبي عيسى جاء لإنقاذ البشرية من الشرّ المطلق المتمثّل باليهود الذين حاصروا الأنبياء وشردوهم ولاحقوهم، فاليهود كانوا يشكلون عصابةً ضد الإنسان وضد السيد المسيح..."
************
لقد كان يجدر بالزعماء الروحيين المسيحيين أن يرفضوا هذه التهنئة من أساسها ويردّوها إلى صاحبها، وإنه لمن المؤسف حقاً أن يلتزموا الصمت حيال استغلال أمثال هؤلاء المنافقين للمناسبات الدينية لتشوية صورة المسيح بإنزاله إلى مرتبة شخصٍ كمحمد كان قلبه يزخر بكراهية البشر يهوداً كانوا أو غير يهود.
المسيح لم يأتِ ليعلّم على كراهية أحد أو يدعو أتباعه لقتال أحد. لم يجئ لإنقاذ شعب من شعبٍ آخر، أو يحرّض شعباً على شعبٍ آخر. لقد جاء لإنقاذ الناس جميعاً بما في ذلك اليهود باذلاً نفسه عنهم، ولو كانت غايته من مجيئه إنقاذ البشرية من اليهود لما رفع رأسه على الصليب وهو يسلّم الروح يطلب الغفران للذين ضربوه وعذّبوه وصلبوه من بينهم قائلاً: أغفر لهم يا أبتي لأنهم لا يدرون ما يفعلون.
*************
ليس هناك من شعبٍ يستحقّ أن يوصف بأنه "الشرّ المطلق"، لا ولا حتّى المسلمين أنفسهم، على الرغم من أنهم منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، لم يعرفوا سلاماً لا مع أنفسهم ولا مع العالم.
الشرّ المطلق لا يتمثل في الناس إنما في التعاليم التي توجّههم وتقودهم إلى الشرّ. إنه يتمثل في محمد الذي قال هو عن نفسه بأنه ما جاء إلا بالذبح وما نُصِرَ إلا بالرعبِ،(11) ولأجل ذلك قام بتأسيس أخطر عصابة عرفها التاريخ لقطع الطرقات وسلب الناس واختطاف النساء والأولاد. عصابة كبرت وكبرت حتى أصبحت اليوم أعظم خطرٍ يهدد أمن البشرية وحضارتها في كل مكان على وجه الأرض.
*************
لو كان هذا الشيخ حقاً صادق النيّة فيما يقول، لخلع عمامته ورمى بها تحت قدميه معلناً ندمه على إضاعة سنوات عمرٍ طويلة في خدمة مؤسّسِ عصابة إرهابية مات وشبع موتاً منذ ألف وأربعمئة سنة، ولأعلنَ فوراً وبكل شجاعة عن التحاقه بالمسيح الحيّ ناذراً نفسه لخدمته.
*********
مراجع:
1 ـ "لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً" (الأحزاب 21)
2 ـ "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رِباطِ الخيلِ تُرهبون به عدوَّ الله وعدوّكم وآخرين من دونهم..." (الأنفال 60)
3 ـ "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليومِ الآخرِ ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسولُه ولا يَدينون دينَ الحقِّ من الذين أوتوا الكتابَ [أي المسيحيين واليهود] حتى يُعطوا الجِزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون." (التوبة 29)
4 ـ "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ ويطردونكم." (إنجيل متى 5 : 44)
5 ـ "فقال له يسوع: رُدَّ سيفَكَ إلى مكانهِ لأنّ كلَّ الذين يأخذون السيفَ بالسيفِ يَهلِكون." (إنجيل متى 26 : 52)
6 ـ "يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خير لكم فإن لم تجدوا فإنّ الله غفور رحيم!" [وعندما اعترض أفراد عصابته على هذا الطلب تراجع مستنزلاً وحياً جديداً يقول:] "أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقاتٍ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله واللع خبير بما تعملون." (المجادلة 12 ـ 13)
7 ـ "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا اريحكُم." (إنجيل متى 12 : 28)
8 ـ "من ماتَ ولم يغزُ ولم يحدّث نفسه بغزوٍ مات على شعبة نفاق"؟(صحيح مسلم)
9 ـ "يا أيها النَّبيُّ إنَّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهنَّ وما ملكتْ يمينكَ مما أفاء الله عليك وبناتِ عمِّك وبنات عمَّاتك وبنات خالكَ وبناتِ خالاتكَ اللاتي هاجرْنَ معك وامرأةً مؤمنةً إن وهبتْ نفسها للنبيِّ إنْ أرادَ النبيُّ أن يستنكحها خالِصةً لكَ من دونِ المؤمنينَ قد علمنا ما فرضنا عليهمْ في أزواجهمْ وما ملكَتْ أيمانُهم لكيلا يكونَ عليك حرجٌ وكانَ الله غفوراً رحيماً." (الأحزاب 50)
10 ـ كتبت امرأة اسمها عصماء بنت مروان بضعة أبيات شعر تنتقد فيها محمداً فسمع محمد بها فقال لمن حوله: من لي بها؟ وكان هناك رجل أعمى يعرفها اسمه عمير بن عدي الخطمي فتطوّع لمهمة قتلها فذهب إليها "ودخل بيتها ووجدها وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فحسها بيده، فوجد الصبي ترضعه، فنجاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلى الصبح مع محمد فلما انتهى محمد من الصلاة نظر إلى عمير وقال: أقتلت بنت مروان؟ قال: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، وخشي عمير أن يكون أفتات على محمد بقتلها، فقال: هل علي في ذلك شيء يا رسول الله؟ قال: لا ينتطح فيها عنزان!. ثم التفت محمد إلى من حوله وقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله و رسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي.. فقال عمر بن الخطاب: انظروا إلى هذا الأعمى الذي تسرى في طاعة الله، فقال محمد: لا تقل الأعمى، ولكنه البصير! (السيرة النبوية لابن هشام)
11 ـ "والذي نفسي بيده ما أُرسِلتُ إليكم إلا بالذبح.." (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ـ "أُحِلَّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرتُ بالرعب فيرعب العدو وهو مني مسيرة شهر.." (مسند أحمد) ـ "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح" (مسند أحمد ـ وصحيح بن حيان)
************
********
*****