بسام درويش / Dec 29, 2001

"احتاجت شقيقتي إلى عملية جراحية معقدة كان من الصعب إجراؤها في مصر، فاضطررنا لنقلها للمعالجة في إحدى مستشفيات باريس، فرانسا. كان المستشفى تحت إدارة راهبات مسيحيات. شَعَرتْ أختي براحة عظيمة حين أُدخلت إلى الغرفة النظيفة كما شعرت بالراحة لما لمسته من خدمة عظيمة منذ وصلت إلى المستشفى. أمرٌ واحدٌ جعلها تتململ في سريرها وأعترف أن الأمر نفسه قد خلق في نفسي ونفس والدتي أيضاً شعوراً بعدم الراحة. كان هناك صليبٌ معلقاً على الحائط، تماماً فوق رأس أختي!.."

"لم نستطع أن نصبر طويلاً، فوجود الصليب فوق رأس أختي يتنافى مع معتقداتنا، لا بل رأينا فيه جميعاً رمزاً للكفر ونحن في أمس الحاجة إلى عون الله في هذا الوضع بالذات. تناقشنا في الموضوع ثم أسرعتُ إلى طلب الراهبة المسؤولة عن القسم إلى الغرفة وأخبرتها أن وجود الصليب فوق رأس أختي لا يتفق مع إيماننا، ولذلك فإننا نطلب إنزاله فوراً. ولقد تمّ لنا ما أردنا، إذ غادرت الراهبة الغرفة لتعود فوراً بعاملٍ أنزل الصليب من مكانه لتودّعنا بعد ذلك بكل احترام معبّرة عن تفهّمها لنا. وما أن خرجت الراهبة يرافقها العامل حتى نهضت والدتي على الفور وعلّقت مكانه سلسلة تتدلى منها لوحة صغيرة تحمل آية الكرسي."

هذا ما رواه أحدهم لزميل لي في العمل، وقد تابع يقول له: "لا أخفي عليك أننا قد شعرنا ونحن نرى الراهبة تنزل الصليب بالفخر. لقد شعرنا وكأننا قد حققنا نصراً لدين الإسلام!"

******

نماذج قليلة أخرى من قصص الانتصارات التي يحققها العرب والمسلمون في الغرب، والتي نقرا عنها في الصحف الأميركية:

 

    ·    استجابةً لمقترحات المنظمات الإسلامية، قرر الرئيس الأميركي إضافة رمز إسلامي إلى الرموز المسيحية واليهودية التي تزين البيت الأبيض خلال موسم الأعياد..

    ·    افتتح الكونغرس الأميركي إحدى جلساته بتلاوة من القرآن..

    ·    وافقت مؤسسة البريد على إصدار طابع يحمل عبارة "عيد مبارك" بالعربية..

    ·    رضخت شركة أميركية لضغوط المنظمات الإسلامية فعدّلت أنظمتها الداخلية لتسمح للمسلمات بارتداء الحجاب خلال ساعات العمل..

    ·    تم الحصول على رخصة بتشييد مسجد رغم معارضة الجيران..

    ·    بعد احتجاج المنظمات الإسلامية، اعتذر رئيس شركة أميركية لأحد العاملين فيها عن كلمة صدرت عن نائبه بحق الإسلام والمسلمين..

    ·    حاكم الولاية يصدر قراراً بإنزال علم إسرائيل بعد احتجاج الجالية الإسلامية..

    ·    إدارة المدرسة تمنح الطلاب والمعلمين المسلمين تسهيلات لممارسة شعائرهم الدينية..

******

المسلمون هم من الشعوب المهاجرة بشكل متأخر إلى الولايات المتحدة، وليسوا من بين الشعوب التي بذلت الجهد والأرواح لتأسيسها ومن ثم الوصول بها إلى حيث هي عليه اليوم.

 

والدستور الأميركي الذي يتمحور حول حقوق الإنسان وحريته وكرامته، لم يشارك في وضعه مسلمون، لا بل ولا مسلم واحد. نصوص هذا الدستور العظيم، والتي كانت ولا زالت الأساس لازدهار هذه الأمة، قام بكتابة حروفها مسيحيون. لكن، وإذ كانوا يتمتعون بفكر واسع وإيمان عظيم بالإنسان والإنسانية، فإنهم لم يضعوا أمام أعينهم مصلحة دين واحد أو فئة معينة من بني البشر. وهكذا، فقد  طلعوا على العالم بدستور من أعظم الدساتير وأشملها لا يمكن أن يقارن بها أي دستور آخر، بما في ذلك القرآن الذي يرى فيه المسلمون دستوراً صالحاً لكل زمان ومكان، وهم في ذلك لا شك مخطئون. هذا الدستور الأميركي، بما فيه من شمول وبعد نظر، تضمن من القوانين ما يحمي حتى المسلمين الذين كانوا من أواخر القادمين من المهاجرين. وهكذا، فإن ما يتحقق من مطالب المسلمين أو غير المسلمين، لا يمكن أن يكون نصراً لأي جماعةٍ أو فردٍ منهم بل انتصاراً لهذا القانون الذي كفل لكل إنسان حقه.

 

عظمة قوانين هذا البلد تتجلّى في إعطائها للمسلمين حقوقاً لا تتوفّر لهم في ظل قوانينهم الإسلامية في البلاد التي أتوا منها؛ ورغم ذلك، نسمعهم، حين يجدون في هذه القوانين نافذة تساعدهم على تحقيق مطلب من مطالبهم، يدّعون أنهم أحرزوا أو يحرزون نصراً للإسلام والمسلمين!

******

المسيحيون في مصر لا يصارعون فقط من أجل الحصول على رخصة لبناء كنيسة بل للحصول على تصريح من مجلس الوزراء لتصليح جدار في كنيسة أو مرحاض من مراحيضها. وحين يتم بناء الكنيسة، رغم تعرضها للحرق مراراً خلال مراحل بنائها، أو حين يتم تصليح الجدار أو المرحاض، فإن المسيحيين يقيمون الاحتفالات ويرفعون الشكر لربهم.

 

المسيحيون في مصر لا يصارعون من أجل حق بارتداء لباس معين في أماكن عملهم.. إنهم يصارعون من أجل الحصول على وظيفة أو عمل.

 

المسيحيون في مصر لا يصارعون من أجل الحصول على اعتذار من مدير شركة أو مذيع في محطة راديو أو كاتب في صحيفة، إذ قد تعوّدوا على الإهانات والشتائم. إنهم يصارعون من أجل حياتهم ولحماية أولادهم وبناتهم من الاختطاف وأموالهم من الذين يحللون نهبها باسم الدين.

 

وكما يعاني المسيحيون في مصر يعاني الأمر نفسه بشكل أو بآخر إخوان لهم في السودان والعراق ونيجيريا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وإيران وأماكن عديدة أخرى. ولكن ليس المسيحيون أو غيرهم من الذين لا يدينون بالإسلام هم وحدهم الذين يكافحون من أجل أدنى الحقوق في البلاد الإسلامية بل هناك أيضاً مسلمون يعانون من الأمر نفسه!.. كل ذنبهم أنهم أقلية يرى فيهم المسلمون السنة، وهم الأكثرية الساحقة، فئات خارجة عن تعاليم الإسلام. هذه الأقليات الإسلامية تتمتع في أميركا تحت ظل دستورها العظيم بحقوق لا تحلم بالحصول عليها تحت ظل أي قانون إسلامي. بعبارة أخرى، المسيحيون أرحم بالمسلمين من المسلمين أنفسهم!

******

قبول الراهبة بإنزال الصليب من فوق السرير في المستشفى الفرنسي تجاوباً مع مطلب المريضة المسلمة وشقيقها وأمها، لم يكن انتصاراً للإسلام أو المسلمين. ولم يكن انتصاراً للمريضة وشقيقها وأمها. لا ولم يكن انتصاراً للراهبة التي أظهرت من التفهم والتسامح ما يستحق الإعجاب والاحترام. لقد كان انتصاراً للمبادئ التي تؤمن بها تلك الراهبة والتي علّمتها كيف تكون متسامحة إلى أقصى درجات التسامح.

 

استجابة البيت الأبيض لوضع الرمز الإسلامي، واعتذار مدير مدرسة أو شركة لطالبٍ أو عاملة، ودعوةُ قسيسِ كنيسةٍ لمسلمين لا مسجدَ لهم أن يقيموا صلاةَ عيدِهم داخل كنيسته، وافتتاح الكونغرس الأميركي إحدى جلساته بتلاوة من القرآن، وما شابه ذلك من الأمور.. كل ذلك ليس نصراً للمسلمين بل للعقلية المتحضرة والفكر الناضج وللإنسانية الحقّة التي يمثلها المجتمع الغربي. وحدهم فقط، أصحاب الفكر الضيّق هم الذين يرون في هذه الأمور نصراً للإسلام أو المسلمين!

 

ينتصر المسلمون حين يخرجون في الشوارع منددين بحرق كنيسة للمسيحيين في بلادهم. ينتصر المسلمون حين يدعون المسيحيين لإقامة صلاة العيد في الجامع الأموي قائلين لهم: "من الصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولكننا نعرف أن هذا البيت كان بيتكم ويسعدنا أن ندعوكم للصلاة على أرضه يوم عيدكم!"..

 

ينتصر المسلمون حين يقف أئمتهم يخطبون من على منابر مساجدهم يشجّعون المصلين على احترام جيرانهم المسيحيين والعيش معهم بسلام ومحبة وتسامح عوضاً عن تكفيرهم والدعاء المستمر عليهم بالتشريد والترميل والتيتيم.

 

ينتصر المسلمون أعظم انتصار حين يعيدون النظر في تعاليم دينهم ويعلّمون أولادهم سراً وعلناً أن ما جاء في كتبهم من دعوة لمحاربة غير المسلمين لم تكن إلا دعوة أفرزتها أحداثٌ في مطلع الإسلام مضى زمانها وانتهى أمرها.

 

آنذاك فقط يحقق المسلمون نصراً.. وآنذاك فقط يمد العالم لهم يداً تصافحهم دون خوفٍ من غدر.

=================  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط