هشام محمد / Nov 26, 2009

كتب الصحافي والإعلامي البارز، ومقدم البرنامج الاسبوعي "اضاءات" في قناة العربية، تركي الدخيل مقالاً بعنوان "استشاري في قسم الرقية الشرعية"، نشرته جريدة الوطن السعودية وذلك بتاريخ 4 نوفمبر من العام الحالي.  تناولت مقالة الأستاذ تركي الساخرة اقتراحاً غريباً، طرحته الكاتبة السعودية أميمة الجلاهمة، مطالبة فيه المستشفيات التابعة لوزارة الصحة السعودية بتخصيص غرف للمعالجة بالرقية الشرعية!  باعتقادي الشخصي، هذا الاقتراح، وإن توارى خلف حجج تنظيمية واهية إلا أنه يصب في اتجاه اختطاف المستشفيات واسلمتها بعد أن جرى من قبل اختطاف المنبر والمدرسة والشارع لخدمة الخطاب الديني المتشدد وتعضيده. 

 

استهل تركي مقالته بالقول أن درجة الدكتوراة التي تحملها أميمة الجلاهمة لا تجعلها بمنأى من النقد.  وأزيد على ذلك بالقول أن قطاعاً واسعاً من أفراد المجتمع يحمل أرقى الدرجات العلمية من أمريكا وأوروبا لكنه لا يختلف بالمره عن الآخرين عندما يتعلق الأمر بالدين.  حامل الدكتوراة وحامل الابتدائية يقتسمان نفس الذهنية الدينية.  كلاهما يسلم بما يسمع ويقال...وكلاهما يخاف الولوج إلى أرض المسكوت عنه...وكلاهما يعظم رجل الدين ويساويه بالدين ذاته.  لا أملك أن ألوم من حَرَمتهُ الأيام فرصة استكمال تعليمه، لكني ألوم هذا الذي يصاب بامتعاض عندما ينطق اسمه دون أن يسبق ب... يادكتور.  ألوم هذا الذي ملأ حرف الدال رأسه وصدره بهواء فارغ.  ألوم هذا الذي يجيد استخدام مناهج البحث في حقله المعرفي دون أن يستعير أدوات البحث واسئلة الباحث المتشككة عندما يتعاطى مع الشأن الديني.  حامل الدكتوراة لا يقبل بأي فرضية مالم يتم مساءلتها واختبارها، لكنه على اتم الاستعداد لتنحية عقله والإيمان الأعمى بركام هائل من الخرافات والأساطير، مهما بدت متنافرة مع العقل والعلم. 

 

لا ينفي تركي البعد النفسي للقرآن في التخفيف من هموم وعذابات الانسان، لكن الرقية الشرعية أو القرآن لا يؤمنان العلاج الشافي للأمراض المادية التي يصاب بها الإنسان.  يقول تركي: "تخيل أن تصاب بأنفلونزا الخنازير ثم تذهب إلى غرفة الرقية الشرعية، فلو نفث عليك من الصبح إلى الليل لن يصد الفيروس إلا مصل خاضع للتجريب، هذا خلافاً لخطورة أن يكون ريق الراقي ممتلئاً بالمايكروبات التي تزيد الطين (والوجه) بلة!".  بالرغم من منطقية عبارته إلا أنك ستجد الغالبية ستتصدى له معتبرة مقالته تلك تطاولاً على المقدسات واستهزاءً بالله ورسوله.  ألا تصدقني؟ اذهب إلى عشرات التعليقات التي تذيلت مقالته تلك لتدرك أي واقع فكري مخجل تتخبط فيه العقول.  الأكثرية ليست على استعداد للتنازل عن أوهامها المقدسة...والأكثرية ليست على استعداد للتخلي عن تلك الأكاذيب الملونة التي تعيش في افيائها.  الرقية الشرعية جزء صغير من أرث ديني غير قابل للتفريط به.  وهي أيضاً جسر للعبور منه إلى عالم افتراضي ومتخيل لا يحيا المسلم من دونه.  وهي فوق ذلك، ما يملكه المسلم من سلاح وحيد ذي طابع ديني لمواجهة الأمراض التي تكفل الغرب المتقدم في علومه وتقنياته في محاربتها.

 

يزيد تركي من جرعة السخرية مقترباً أكثر من حافة الجنون، قائلاً : " وأكاد أتخيل لو طبق مقترح الدكتورة، لوجدنا إلى جانب الصيدليات غرفاً مملوءة بقوارير المياه المنفوث فيها، وأخرى لزيت الزيتون، وثالثة للفازلين المقروء فيه. ولربما تفتقت الأذهان عن فكرة جليلة إذ يبدأ الرقاة في النفث في خزانات مياه المستشفيات، حتى يجد المريض الماء المبارك من خلال "بزبوز" غرفته!".  من قال لك يا عزيزي أنك تتخيل؟!  استيقظ! إنه الواقع الأسود الذي نعيشه.  ألم تسمع بالاقتراح المثير لحامل مفاتيح القرآن وكنوزه المعرفية وألغازه الإعجازية "الدكتور" زغلول النجار الذي طالب عبر قناة دبي الحكومة المصرية بوضع شريط كاسيت لبث القرآن.  وأين؟ في كافة خزانات المياه على أسطح البنايات.  لماذا؟  لأنّ العلامة الجهبذ اكتشف من خلال "تجربة علمية" أن الماء يتفاعل مع صوت القرآن.  هذا التفاعل يحيل المياه إلى دواء شافي لكافة الأمراض التي تصيب الإنسان!  طبعاً، لم تأخذ الحكومة المصرية بنصيحة العلامة الفهامة، رغم أن الشيخ لا يكذب، ورغم ثبوت نتائجها القطعية في "مختبراته"، إما أنها لا تكترث بصحة المواطن المصري، أو أنها تخشى أن يجير هذا الإكتشاف المدوي إلى جماعات الإسلام السياسي على حساب حكومة الحزب الوطني!

 

اعتقد أن اقتراح أميمة الجلاهمة، فيما لو كتب له التطبيق، سيؤدي إلى تزاحم غير مسبوق بين المرضى.  المتعلم والجاهل، الكبير والصغير، والذكر والأنثى سيتدافعون على أبواب الرقاة الشرعيين.  فمن شح بصره، ومن ثقل لسانه، ومن تساقط شعره، ومن أرتخى عضوه، ومن فارقه النوم، ومن ضاق صدره، ومن، ومن،...سيبحث عن خلاصه من خلال تمتمات الراقي ومن بصاقه الطاهر. 

عموماً، اندفاع الناس المؤمنة على أبواب الرقاة الشرعيين ستسفر، في رأيي، عن عدد من الفوائد العظيمة.  ترى ما هي؟

تقليص نفقات المستشفيات والمستوصفات، وذلك بالتخلص من الكوادر الطبية الزائدة، وبتقليل الإنفاق على شراء الأدوية من الخارج، الأمر الذي سيؤدي إلى تعظيم أرباح تلك المؤسسات بشكل ملحوظ.

تخفيض النفقات الحكومية والتي يذهب جزء ضخم منها على تطوير القطاعات الصحية وتحسين خدماتها، وهذا ما سيؤدي إلى زيادة الفائض الحكومي. 

توجيه الوفر الحكومي إلى بنود أخرى أكثر أهمية، لعل من أهمها التوسع في نشر الدعوة الدينية في كافة أصقاع المعمورة، من خلال بناء المساجد وطباعة القرآن ومؤلفات ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب.

ترغيب العاملات والعاملين في القطاعات الصحية  من غير المسلمين في الدخول إلى دين الإسلام أفواجاً، خاصة أن سيعمل إلى جانب الراقي الشرعي يجب أن يكون مسلماً بداهة، وليس بكافر نجس. 

 

نجاح الرقية الشرعية، بإرادة الله، في معالجة الكثير من الأمراض الخطرة مثل كالسرطان والإيدز، سيثير حتماً اهتمام الغربيين، ومن ثم سيحفزهم على دراسة الإسلام عن كثب، قبل أن تشرق شمس الإسلام في ليل قلوبهم.

فتح اقسام جديدة في كليات الطب لتدريس أصول وفنون الرقية الشرعية.  واقترح هنا تسمية القسم ب "تفولوجي".  كما تعلمون، لوجي تعني باليونانية علم.  أما تفو فهي مأخوذة من التفال (بصاق) الشيخ الشافي من كل سوء، بإذن الله.

 

ستقولون: ما هذا الجنون يا رجل!  نعم.  أنا اعترف أنه الجنون بعينه، لكنه لا يرقى  بحال إلى تخاريف الدكتور زغلول ولا إلى تخاريف الدكتورة الجلاهمة.  احياناً يحتاج المرء منا إلى فسحة من الجنون وإلى قدر من السخرية لكي يبقى صامداً في زمن الملح.

affkar_hurra@yahoo.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط