هشام محمد / Oct 24, 2006

ـ 1 ـ

"طاش ما طاش" اسم لعمل كوميدي تلفزيوني سعودي يعرض كل رمضان، ويتناول بالنقد الساخر جملة من السلوكيات والظواهر الاجتماعية المحلية.  هذا العمل الذي يلعب بطولته كلٌّ من الفنانين المتميزين "عبدالله السدحان وناصر القصبي" ومن ورائهما المخرج المبدع "عبدالخالق غانم" أطفأ هذه السنة شمعته الرابعة عشر.  في الأعوام الأخيرة، استطاع البرنامج توظيف الانفراج النسبي لسقف الحريات في اقتحام مناطق وعرة وشائكة، وأقصد بذلك إدانة ممارسات المتدينين السلبية، مثل المتاجرة بطول اللحى وقصر الثياب لتحقيق مكاسب شخصية، واستمالة المقدس لتمرير إقصاء المرأة وتجريدها من حقوقها الإنسانية.  وبما أن رجل الدين، كما يعتقد، أنه يجسد الدين فكراً وسلوكاً، فهو يعتبر أن أي نقد له هو إهانة للدين وأي تطاول عليه هو مساس بالدين.  إن تماهي المتدين مع الله، وتداخل البشري مع الإلهي يمنح المتدين سلطة مطلقة لتوجيه نيرانه في كل اتجاه على مخالفيه تحت دعاوى التكفير والتخوين والتفسيق، فيما يضيق صدره بالنقد حتى ولو كان مخلصاً وبناءً.  لقد صار من المألوف أن يعاد نشر فتاوى تحريم مشاهدة "طاش ما طاش" مع اقتراب كل شهر رمضان، وأن تتعالى أصوات أئمة المساجد بالدعاء على الفنانين "عبد الله وناصر"، وأن تتحول المنتديات الأصولية إلى مراجل تفور بالغضب والتحريض عليهما لدرجة وضع رسم كروكي لمنزل الفنان "ناصر القصبي" لمن ينوي الاقتصاص منه! 

    

ـ 2 ـ

كان من المفترض هذا العام أن تعرض حلقة تفضح بشكل مباشر التعاملات الخشنة واللا إنسانية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنه وللأسف تم حجبها بالإضافة إلى حلقة أخرى تنتقد  قبيلة اغتم أفرادها غماً شديداً لمقتل بعيرها في حادث مروري متجاهلين أن هناك ضحية بشرية.  ما هي الرسالة التي نستخلصها من حجب تلك الحلقتين؟  إنها ثنائية الدين والقبيلة، أوخطي النار اللذين يحرقان أصابع من يجرؤ على مسهما ولو بكلمة.  الدين ذو النزعة الأممية والمفارق لجسد القبيلة المنكفئة على ذاتها سرعان ما يضع يده بيدها أمام أي محاولة لزعزعة مياهه الآسنة.  رعاة الدين ووكلاؤه الأرضيون سرعان ما تذوب مساحيق السماحة الزائفة عن وجوههم لتكشف عن بثور التعصب والانغلاق تماماً كأتباع القبيلة المملوئين فخراً وتعصباً لجذورهم وعاداتهم البالية.

 

ـ 3 ـ

إذا كانت المساعي الحثيثة للمتدينين قد حالت دون عرض حلقة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فإنها لم تفلح في حجب حلقة "إرهاب أكاديمي" والتي كانت بمثابة صفعة غير محسوبة.  الملاحظ أن أكثر من اعترض بشدة وبمرارة وبأسلوب ينم عن تغابي ووقاحة كان ممن يدعون الوسطية والاعتدال.  هؤلاء الوسطيين والمعتدلين لم يلعنوا يوماً الإرهاب وأهله كما يلعنون الليبراليين، ولم يحولوا منابرهم لمدافع مضادة للإرهاب كما يستخدمونها في ضرب صروح العقلانية وحرية التعبير، ولم يتبرأوا من ابن لادن وباقي الوحوش الإسلاموية كما يتبرأون من دعاة العقل ويخونونهم.  لم يشأ هؤلاء المتلونين أو المعتدلين أن يقولوا أن تلك الحلقة تسخر منا وتهزئ منا، لذا بحثوا عن حجج بليدة ومبررات فارغة للتعبير عن امتعاضهم منها.  قالوا أن الحلقة تصور السعودية وكأنها منبت الإرهاب ورافده، وأن الحلقة  تسخر من زي المتدينين وطريقة كلام المتدينين.  لا مكان هنا لتفنيد هشاشة حججهم وتهافت أفكارهم، فأكثرية القتلة والمجرمين خرجوا من رحم هذه الأرض وليس من جزر واق الواق، والإرهابيون لا يكفون عن تظفير كلامهم بألفاظ مثل الصليبين، الهجرة، الحور العين، التفجير، والتكفير.  هذا الغضب العارم الذي اشتعل كالنار في هشيم المتدينين يؤكد، لي شخصياً، أن الفارق بين الإرهابي والمعتدل لا يعدو أن يكون فرقاً في الدرجة وليس في اللون.  يوحي لك المعتدل أن المسافة بينه وبين الإرهابي كالمسافة بين الشرق والغرب ولكنها مجرد سنتيمترات معدودة.  كلاهما يشرب من ذات الينابيع، وكلاهما يقدسان الماضي ورموزه، وكلاهما يستعدان لسيناريوهات مستقبلية مرسومة، وكلاهما يرتديان نفس الملابس، وكلاهما يتحدثان نفس اللغة.  ما الفرق إذن؟  الفارق أن الإرهابي لا يجيد السياسة قدر إجادته لاستخدام المتفجرات والأحزمة الناسفة، بينما المعتدل يعرف كيف يلعب ببيضة الدين وحجر السياسة.  الفارق أن الإرهابي يقول في وجهك أنا أكرهك، أما المعتدل فيقول أنا لا أكرهك ولكنه يبغضك لأنك لا تشبهه!

=============  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط