هشام محمد / Jul 01, 2007

الغالبية العظمى من السعوديين... ذكوراً أو إناثاً... كباراً أو صغاراً... متعلمين أو جهلة... أغنياءً أو فقراءً يبدون مثل حبات الرز أو وجوه الصينيين عندما يخوضون في أمر يتقاطع معه الدين، وما أكثر الموضوعات لدينا التي تخترقها شرايين الدين.

 

ما أن يقترب أحدنا من بوابة الدين المقدسة حتى يخلع عقله كما يخلع نعليه.  يسير في أروقة وعوالم الدين السحرية والغامضة بلا رأس تفكر وبلا عينين تبصر.  يا الله! أهذا هو بالفعل فلان الذي طالما ابهرني بكفاءته العقلية في إدارة تجارته وأعماله اليومية؟  أهذه فلانة التي أغبطها على علاماتها الكاملة في موادها الدراسية؟ 

 

مرة أخرى ينجح الدين، أو لنقل صنّاع الدين، في البرهنة على توجهاته المساواتيه بين الجميع، فالذكي والغبي والناجح والفاشل يقفون صفاً تحت راية البلادة الفكرية والتخلف العقلي.  ألا عجباً لهذا الذي يطير عالياً فوق الجميع حتى إذا ما اقترب من حمى الدين احترقت أجنحته وسقط أرضاً!  تراه يعتصم بالعقل في البصق على أديان الغير لكنه سرعان ما يتخلى عنه في حضرة خرافاته وأوهامه الموروثة أباً عن جد! 

 

أقصى المغامرات الفكرية لقلة من السعوديين تنتهي عند سياج إدانة الإرهاب، وإطلاق سيل من اللعنات على ابن لادن والظواهري والزرقاوي وباقي الوحوش الإسلاموية  الضارية.  يخشى هؤلاء المغامرين القلة من الذهاب لما هو أبعد ومن الانحدار إلى ينابيع الإرهاب الأصيلة التي ينام عليها تاريخنا.  يقول أحد الأصدقاء الذي لا يخاف أن يقول علانية أنه يتمنى الموت لكل الإرهابيين: مالنا وللدين فهذا ليس من اختصاصنا حتى نلقي فيه بدلاءنا.  أنت مخطئ يا صديقي العزيز، ففقهاء الحيض والنفاس والمسح على الخفين لم يتركوا نقباً إلا ودسوا أنوفهم فيه، وما من شيء في حياتنا إلا اختطفوه.  نحن لا نريد الذهاب إليهم ولا نبش قبور موتاهم، بل هم من يأتون إلينا  حاملين معهم أمواتهم.

 

الحفر في الماضي يستدعي عقلاً انتقادياً، ويتطلب حضوراً كلياً لكلمة لماذا وأخواتها.  إلا أن السعودي لا يملك الشجاعة الكافية على طرح "لماذا" التي استأصلها الوهابيون من على مقاعد الدراسة، وفي المسجد، وفي وسائل الإعلام، وفي البيوت.  استأصلوها كما لو كانت زائدة دودية تماماً كما يستأصلون باسم الدين غلفة الذكر.  هنا ختان جنسي وهنا ختان عقلي، وكلاهما جريمتان يعتدى فيهما على جسد وعقل الإنسان، وفي كل مرة تحت غطاء الحفاظ على بيضة الدين لئلا تنكسر! 

هل يملك السعودي أن يبوح بأسئلة على شاكلة:

·        لماذا اختص الله بلاد الشرق الأدنى بالأنبياء ولم يبعث برسله لبقاع أخرى في العالم؟

·        لماذا يصب الله عذابه على قرى بأكملها انتقاماً من أسيادها الرافضين لدعوة رسله؟

·        لماذا تبدو الجنة كعلبة ليل لا هم لساكنيها إلا إشباع غرائزهم الجنسية المتفجرة؟  

·        لماذا تتصادم بعض الأحاديث النبوية مع الآيات القرآنية؟

·        لماذا حمل الصحابة سيوفهم على بعضهم البعض في حروب الجمل وصفين ونحوها؟

·        لماذا تجري أنهار من الدم الحار تحت تاريخنا التليد والزاهر؟

 

لقد نجح الوهابيون في انتزاع فتيل الأسئلة الحارقة، فغدا الواحد منا غير مكترثٍ بطرح الأسئلة، وعاجزاً عن طرح الأسئلة، وخائفاً من طرح الأسئلة.  ما أن يتدلى سؤال على لسان أحدهم حتى يخفض صوته ويتلفت ذات اليمين وذات اليسار خوفاً من عاقبة الأمور.  المدهش أنهم خلقوا في قلب الإنسان أصولياً صغيراً ورقيباً ذاتياً يتصدى بعنف لشظايا الأسئلة الشيطانية.  أليسوا هم من يقولون أن الشيطان يتخفى في التفاصيل؟  يبدو لي أن الشيطان في المخيال الديني ما هو إلا كناية عن العقل المتمرد على ركود المسلمات وبلاهة الغيبيات التي بفنائها يفنى معها المتكسبون من رجال الدين.

 

إذا كان الوهابي قد حرم المواطن العادي من حرية السؤال فقد احتكر وحده "لماذا" الاستفسارية كما يحتكر دون سواه الحقيقة المطلقة.  يحاصر الوهابي ضحيته بأسئلة على شاكلة:

·        لماذا أنت واقف هنا ولم تذهب للمسجد؟ ألم تسمع صوت الآذان؟

·        لماذا عباءتك يا فاجرة فوق كتفيك؟ ألا تعلمين أن هذا لا يجوز؟

·        لماذا تطيل شعرك أيها الفاسق وتتشبه بالكفار الملاعين؟

·        لماذا تسمع مزمار الشيطان (أي الموسيقى)؟ ألا تخاف أن يصب الله في أذنيك رصاصاً مُذاباً يومَ القيامة؟

·        لماذا تأتين يا امرأة للمطعم بلا محرم؟ ألا تعلمين أن هذا ممنوع؟

 

   لا تصبح "لماذا" مع الوهابي، مع كل الأسف، جسراً يصل بين المجهول والمعلوم، ولا تصبح "لماذا" مع الوهابي استفزازاً لروح البحث وشهوة المعرفة، وكيف له ذلك وهو من يتغرغر بما سطره الأموات! 

"لماذا" الوهابية ما هي إلا سوط لجلد المواطن والمواطنة، ووسيلة همجية لانتزاع اعترافات بجرائم لا وجود لها إلا في قواميسهم.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط