مالك مسلماني / Nov 20, 2007

في مرحلة الدعوة المكية كان محمد يتقوّى بالحماية المبسوطة عليه من جانب عمه أبي طالب زعيم الأسرة الهاشمية، بحكم أن القبيلة كانت الدرع الوحيد للفرد بوجه مفاجآت الأيام؛ إضافةً لذلك فإن القبيلة كانت أداة الدفاع الوحيدة بالنسبة للإنسان بظل عدم وجود الدولة. لكن، ولكون القبيلة هي المؤسسة الوحيدة للدفاع عن المرء، فإن الخروج من أطر القبيلة يجعل الفرد عرضة لكل خطر. ولهذا فإن محمداً كان في حاجة إلى عمه أبي طالب رغم أن العم رفض كلياً قبول أفكار محمد الدينية وبقي مخلصاً لدين قومه. بيد أنّ شرط الحماية لم يكن متوفراً لأغلب أتباع محمد، إذْ كلما التحقت أعدادٌ أكبر بدعوته تزايدت ضغوط زعماء العشائر أكثر فأكثر على التابعين الجدد. وربما هذا ما جعل بعضاً من الملتحقين بمحمد يتوجس قلقاً من الخطر الذي قد ينزل به لو رفع زعماء العشائر الحماية عنه.

كان المشهد أمام محمد مبسوطاً على الشكل التالي: هو في منعة لأن أبا طالب بقي يحميه رغم كل الضغوط التي كان يمارسها زعماء العشائر الأخرى للكف عن الحماية، بينما أغلب أتباعه، الذين يعدون بالعشرات فحسب، معرضون للأذى أو الخضوع لطلب قبائلهم بالرجوع إلى دين الآباء ـ دين قريش؛ ولهذا فكّر محمد بالتخفيف عن الفئات الأضعف ممن اعتنق دينه؛ فطلب من هذه المجموعة الضعيفة من أتباعه التوجه صوب الحبشة إلى النجاشي، وقال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنَّ بها مَلكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صِدْقٍ، حتى يجعل اللّهُ لكم فرجاً مما أنتم فيه». ويعدد لنا ابن إسحق، كاتب السيرة الأول، عدد الذين لجأوا إلى النجاشي، وقد بلغوا حسب إحصائه ثلاثة وثمانين شخصاً، وهذا العدد لا يشمل الأولاد، ولا الذين وُلدوا لاحقاً في أرض الحبشة.[1]

ربما كان أحد أسباب اختيار محمد للنجاشي يعود إلى أن دعوته في مكة كانت واقعة تحت التأثير الإبيوني، وإذْ إنّ الإبيونية إحدى الفرق المنشقة عن المسيحية، فإنّ محمداً اعتقد أن مسيحية النجاشي ستدفع به لتوفير ملاذ آمن لمجموعة شبه مسيحية. إلاَّ إنَّ السبب الأهم لقرار إرسال هؤلاء هو ما أشار إليه محمد بقوله عن النجاشي إنه «ملك لا يُظلم عنده أحد»، وأن الحبشة «أرض صِدْقٍ». وتتحدث المصادر الأولى عن عدل النجاشي، الذي يأتي خبره في «سيرة ابن هشام» بعنوان: «قصة تملك النجاشي على الحبشة».

بيَّنَ محمد في قوله إلى أن ما دفع به لاختيار الحبشة مهجراً لأتباعه المعرضين للخطر هو مناقبية النجاشي وكونه حاكماً عادلاً. ولا تذكر المصادر أن محمداً أرسل مَنْ يستطلع له موقف النجاشي من مسألة اللجوء، بل تروي أن محمداً أرسل فوراً هذه المجموعة. وفعلاً تصرف النجاشي وفق ما كان متوقعاً منه، إذْ وفر ملاذاً آمناً للاجئين إليه. علاوة على ذلك، جدَّد النجاشي إعلان الضيافة حينما أرسلت قريش وفداً إليه للمطالبة بطرد هذه المجموعة من دياره، فرفض طلب وفد قريش على الرغم من أن رفضه قد يؤثر على الحبشة تجارياً بحكم وقوع مكة على طريق استراتيجي للقوافل. وهنا برهن النجاشي على رفعة أخلاق جعلته يؤثر الفعل الإنساني على الاعتبار التجاري والسياسي. ولا شك إنَّ النجاشي كان مدفوعاً بإيمانه المسيحي المحض.

وتخبرنا المصادر التاريخية أن مسلمين بقوا في الحبشة حتى بعد أن وجد محمّد وصحبه قاعدة لهم في يثرب، وتقول إنهم رجعوا حوالي السنة السادسة للهجرة، حينما بعث محمد رسولاً (عمرَو بن أُميَّة الضَّمْريّ) إلى النجاشي ليطلب منهم الرجوع. ومع أن محمداً كان قد حاز على غنائم كبيرة وكان في مقدوره أن يوفر لهم تكاليف السفر، إلاّ أن النجاشي الذي استضافهم لأكثر من ثماني سنوات، أرسلهم بسَفينتيْن.[2] وكان ابن عم محمدٍ ـ جعفر بن أبي طالب ـ من جملة هؤلاء.

 

كيف رد المسلمون جميل النجاشي؟

هذا ما صنع النجاشي للمسلمين، والذي تذكر المصادر الإسلامية أن اسمه كان (أَصْحَمَة)، وتقول إنه يعني بالعربية (عِطية). وبدون أدنى ريب، كان لا بدّ لمحمد وللمسلمين أن يحملوا تقديراً لرجل وفر ملاذاً لأكثر من ثمانين شخصاً منهم بدون أي دافع غير نبالة الأخلاق. وإذْ كان النجاشي أكبر من المال كما دلل رفضه لطلب قريش بشأن طلبهم إعادة المهاجرين، فإن الفرصة الوحيدة التي أتيحت لمحمد للتعبير عن امتنانه، كانت عندما وصله نبأ موت النَّجاشِيّ، فأمر أصحابه أن يصلّوا عليه، وقد قال لهم: «اخرجوا فصلوا على أخٍ لكم مات بغيْر أرضكم»، ثم خرج إلى البقيع ونظر إلى أرض الحبشة وصلى عليه واستغفر له. وتقول الرواية أنّ محمداً لما نظر إلى أرض الحبشة «أبصر سرير النجاشي». ومن الواضح أن هذه الإضافة لا تهدف إلى تكريم النجاشي، بل لاختلاق معجزة لمحمد. وأما لماذا أعلن محمد نيته تكريم الرجل، فلا يمكننا تقديم إجابة قاطعة، فربما كان يشعر بنوع من الامتنان الشخصي للنجاشي، أو ربما أراد إظهار نفسه نبيلاً أمام المسلمين عبر تكريم النجاشي. ولكن ردة فعل المسلمين على طلب محمد نمّت عن نكران للجميل، وأيْ إنكار! إذْ كان ردهم مليئاً بعنصرية مزدوجة:

 

عرقية اللون:

جاء رفض المسلمين للصلاة على النجاشي باعتبار أنه أسود اللون، حبشي الجنس. فقد قالوا لمحمد: «يا رسولَ اللَّهِ، نصلِّي على عَبدٍ حبشيّ!».[3] وتقول مصادر التفسير إن محمداً قال لهم إن وحياً جاء يقول: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ، خَاشِعِينَ لِلّهِ. لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً. أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ، إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.[4] ويبدو أن الوحي جاءَ كي لا يضطر محمد للتراجع، وهذا ما قد يقوّض من سلطته.

ويقول القرطبي في تفسيره إن الآية أعلاه تتصل بموت النجاشي، إذْ بعد أن مات ونعاه جبريل لمحمد، قام محمد وطلب من المسلمين الصلاة عليه، «فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أنْ نُصلِّيَ على عِلْجٍ من عُلُوجٍ الحبشَة!».[5] في حين أن مصدراً آخر يروي أن المسلمين ردّوا على طلب محمد الاستغفار للنجاشي: «يا رسولَ اللَّهِ! أنستغفرُ لذلك العِلْجُ؟!».[6] والعلجْ تعني بالعربية: «الحمار مطلقاً. ويُقال: هو حمار الوحش السَّمين القوي».[7] وعلى توصيف المسلمين للنجاشي بالعلج يعلق خليل عبد الكريم[8]:

«أن أولئك العُربان وصفوا (النجاشي) وهو ملك وقدّم جميلاً لِعدد وفير من سابقيهم المستضعفين ولقائدهم (سيد الكونين) ووصفوه بِالعبد مما يقطع بِمدى ما يتسمون به من كبرياء وخُنزوانة. وفي رواية أخرى وصفوه بِالعِلْج وهو وصف زراية وتحقير يطلقه أولئك العَرَبة على غيرهم من الشعوب كما درج الرومان على تسمية خلافهم بِالبرابرة، بيد أن هؤلاء يُلتمس لهم شطر من العذر لأنهم أصحاب حضارة وعلم وثقافة ومدنية أما هؤلاء الأعاريب فَهم مليطون من جِماعه فَعلام هذه العَنْجهيْة».[9]

 

التعصب الديني:

التعبير الآخر عن هذه العنجهية جاء على لسان مسلمين آخرين برروا استنكارهم لفكرة الصلاة على النجاشي، بأنه ليس مسلماً. ويبدو أن هذه الشريحة من المسلمين فضلت أن تبرقع عنصريتها بالدين، أو أنها كانت عنصرية على أساس دينها، فقالت مستنكرةً دعوة محمد: «يصلَّي على رجل ليس بمسلم!». ولكن محمداً رأى في موقف هذه المجموعة نيلاً من سلطته أيضاً، فتلا عليهم آية عمران (2/ 199). عندها قال الرافضون للصلاةً تعقيباً على هذا الوحي القرآني: «فإنه كان لا يصلي إلى القبلة!». وعلى هذا الرفض تقول مصادر التفسير أن الرد جاء بالآية ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ. إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[10]﴾.[11]

بعض المصادر حاولت أن ترفع المسئولية عن المسلمين وتلقيها على من تسميهم بالمنافقين، الذين نسبت إليهم القول: «انظروا إلى هذا! يصلي على عِلْجٍ نصرَاني لم يره قط، وليس على دينه؟!».[12] وهذه الرواية ترد في المصادر الإسلامية إلى جنب الروايات التي تؤكد أن المسلمين الخلص أنفسهم هم من رفضوا الصلاة لدواعٍ عرقية ودينية.

إذاً

كان رفض المسلمين للصلاة على النجاشي مدفوعاً بالعامل العرقي والديني: قالوا إنه «أسود»، ثم أضافوا لهذه العرقية صفة «العلْج» وهو وصف تحقيري. في حين أن آخرين أردوا الالتفاف على ذلك باعتبار أن النجاشي ليس مسلماً. ولما أصرّ محمد على موقفه بالآية (199) من سورة آل عمران تثبيتاً لهيبته النبوية فإنهم رفضوا أمر السماء، مما أجبر محمد على اللجوء مجدداً إلى السماء فاستصدر نصاً قرآنياً آخر (البقرة: 2/ 115). وحتى لو قبلنا الرواية التي تلصق الأمر ﺒ«المنافقين»، التي تزعم أنهم مَنْ نقدوا دعوة محمد للصلاة على النجاشي، فماذا كان ردة فعل محمد على هذه العنصرية؟

لم يخطب بهم مذكراً بالجميل الذي قدمه النجاشي للمسلمين. كما لم يأتِ لهم بوحي إلهي يلقنهم ترك الفكرة البدوية عن علوجية غير الأعراب؛ وبالتالي تكرست العنصرية اللونية في صلب الإسلام، وهذا ما جعل مصطلح العلوج يدخل في الأدبيات الإسلامية المبكرة؛ وانتشر هذا المصطلح التحقيري بين المسلمين في كافة العصور حيث صاروا يطلقونه على «الرَّجلُ من كُفّار العَجَمِ» كما يقول لنا «لسان العرب». كما استمر المصطلح حياً إلى اليوم لنجده في الخطاب السياسي الرسمي والديني.

          والسؤال:

أين نجد جذر عنصرية المسلمين تجاه النجاشي؟

          نجدها في تعاليم محمد الموجودة في النص القرآني أولاً وفي مدونة الحديث ثانياً:

          كل من ليس مسلماً هو نجس. في ذلك تقول الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ! إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[13]﴾، والتي أولها المفسرون بأن النجاسة لا تعني أنهم لا يتبعون طقوس التطهر الإسلامية بل نجاسة الروح من جهة، ونجاسة البنية البيولوجية من جهة ثانية، وثمة قول لابن عباس، ينص: «ما المشركون إلاّ رِجْسُ خنزير أو كلب».[14] إضافة إلى ذلك اعتبر محمد أن الإسلام هو الدين الإلهي الوحيد، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾.[15] ولم تقتصر تعاليمه على زرع الفوقية الدينية، بل طالب أتباعه بالحرب في سبيل هيمنة الإسلام على كل الأديان.[16]

          إلى جانب هذه التعاليم التي ترسخ في عقول المسلمين العنصرية الدينية، فإن الخطاب المحمدي قام بزرع فكرة خطيرة في عقل المسلمين، إذْ قال لهم إن المسيحيين واليهود سيكونون أكباش فداء عن خطايا المسلمين يوم القيامة، فجاء في النص:

«يَجيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ من الْمُسلميِنَ بِذنوبٍ أَمْثال الْجِبَال فَيَغْفِرُها اللَّهُ لَهُم وَيَضْعُهَا عَلى الْيَهُودِ والنَّصارَى».[17]

ومعنى مماثل ورد في حديث آخر: «لاَ يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارٌ يَهْودِيَّاً أَوْ نَصْرانِيَّاً».[18]

يعلّم هذا الخطاب إن المسيحيين واليهود قرابين فداء للمسلم حتى لو كان هذا المسلم قاتلاً متسلسلاً، فنقرأ الحديث المحمدي الذي يرد في صحيح مسلم في باب: «قبول توبة القاتل وإنْ كثر قتله»:

«إذَا كَان يَوْمَ الْقِيَامَة دَفعَ اللَّه تَعَالىَ إلَى كُلِّ مُسْلمٍ يَهْوديَّاً أَوْ نَصْرَانِيَّاً فَيقُول هَذَا فَكَاككُ مٍنْ النَّار».[19]

المسلم القاتل، وإنْ كثر قتله، سيتسلم يَوْمَ الْقِيَامَة يَهْوديَّاً أَوْ نَصْرَانِيَّاً بدلاً عنه!

ويعلق شارح صحيح مسلم على الحديث مذكراً إيانا بالأحاديث المحمدية التي تتحدث عن دفع اليهود والمسيحيين للنار فداءً للمسلمين. ثم يقول:

«الْفكَاك وهو الْخَلاَص وَالْفِدَاء. ومَعَنى هَذا الْحَدِيث مَا جَاءَ في حَدِيث أَبي هُرَيْرَة لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزل فِي الْجَنَّة وَمَنْزِل في النَّار. فَالْمؤمِنْ إذَا دَخلَ الْجَنَّة خَلَفَه الْكَافِر فِي النَّار لاِسْتِحْقَاقِهِ ذَلِك بِكُفْرِه. مَعنْى (فَكَاككُ مٍنْ النَّار) أنَّك كُنتْ مُعَرَّضًاً لِدخُولِ النَّار، وَهَذاً فَكَاكك؛ لأَنَّ اللّه تَعَالَى قَدَّرَ لَهَا عَدداً يَمْلَؤُهَا، فَإذا دَخَلَهَا الْكُفَّار بِكُفرِهِمْ وَذُنُوبِهْم صَارُوا فِي مَعْنَى الْفَكَاكَ لِلْمُسْلِمِيِنَ».

          والخلاصة، أوصلت هذه التعاليم المسلمين إلى مرحلة رفض دعوة محمد للصلاة على النجاشي استجابةً لتعاليمه هو، بعد أن تعلموا أن دينهم كان الدين الوحيد الصائب أولاًَ، وكان ملقى عليهم واجب الغزو من أجل السيطرة على العالم ثانياً. علاوة على ذلك كيف يمكن لهم أن يصلوا على شخص سيكون كبش فداء لهم يوم الحساب؟

ولما تكشفت هذه المعضلة لمحمد، فإنه أصلح الأمر، فلم يقلْ للمسلمين بأن إيمان النجاشي بالمسيحية كافٍ، بل قال في النص: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾: قاصداً به القرآن، ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾: مشيراً به إلى لتوراة والإنجيل؛ وهنا كرر وجوب الإيمان بقرآنه أولاً. ولهذا فإن مصادر تفسيرية مختلفة تقول بأن المقصود في آية (آل عمران 199) النجاشي، ولكنها تضيف بأن الآية تعني آخرين اعتنقوا الإسلام بعد أن كانوا مسيحيين.[20] والاشتراط في هذه الآية على الإقرار بمحمد نبياً وبالقرآن نصاً سماوياً يوضحه الرازي بجلاء بقوله تفسيراً للآية:

«واعلم [إن القرآن] وصفهم بصفات: أولها :الإيمان باللّهِ، وثانيها: الإيمان بما أنزل اللَّهُ على محمد... وثالثها الإيمان بما أنزل على الأنبياء الذين كانوا قبل محمد... وخامسها: أنهم لا يشترون بآيات اللَّهِ ثمناً قليلاً كما يفعله أهل الكتاب ممن كان يكتم أمر الرسول وصحة نبوته».[21]

هكذا كان ردّ المسلمين آنذاك على جميل النجاشي، وعلى نجاشيي الغرب أنْ لا يتوقعوا من مسلمي اليوم رداً مختلفاً. فالإسلام قد زرع فيهم بذور العنصرية بإيهامهم أنهم خير أمة أخرجت للناس وأنّ غيرهم من الأمم ليسوا إلاّ كفاراً لا عقولَ لهم لا بل أن منهم مَن مسخهم اللَّه قردة وخنازير، وأنهم إنْ لم يؤمنوا بالإسلام ورسوله طوعاً فإنَّ قتالهم واجبٌ على كل مسلم حتى يعلنوا الإسلام أو يدفعوا الجزية وهم صاغرون (أذلاّء).

 

روابط ذات صلة

عنصرية الإسلام ـ عندما يصبح غير المسلم نجساً

الإسلام والتسامح الديني

ــــــــــــــــــــــــ

[1] السيرة النّبوية، ابن هشام: 1/ 321 ـ 322، 330، تحقيق : مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، دار ابن كثير، د. ت.، دمشق ـ بيروت .

[2] ابن هشام: 2/ 359.

[3] الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، تحقيق د. عبد اللَّهِ بن عبد المحسن التركي، مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية، القاهرة 1424 ﻫ/ 2003، م4/ ص 192.

[4] سورة آل عمران: 3/ 199.

[5] الجامع لأحكام القرآن، أبي عبيدة محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، تحقيق د. عبد اللّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1427 ﻫ/2006 م.، م5/ ص 484.

[6] الدر المنثور: 4/ 193.

[7] تاج العروس، مادة: علج.

[8] خليل عبد الكريم (1930 ـ 2003): أزهري سابق، ومحامي من حيث المهنة. قادته دراسته المعمقة للتاريخ الإسلام إلى تصنيف مؤلفات ناقدة للإسلام، من أهمها: النص المؤسّس ومجتمعه؛ شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة؛ فترة التكوين في حياة الصادق الأمين. وغيرها.

[9] النص المؤسّس ومجتمعه (1/ 218)، خليل عبد الكريم، دار مصر المحروسة، الطبعة الثانية: 2002.

[10] سورة البقرة: 2/ 115.

[11] جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، م7/ 497. ترد القصة لدى السيوطي منسوبة للمنافقين (الدر المنثور: 4/ 194). لعل القارئ لاحظ أن رد القرآن على رفض المسلمين للآية (199) من سورة آل عمران جاء بالآية (115) من سورة البقرة. وعلى الرغم من أنَّ الآيتين تتصلان ببعضهما إلاّ أنهما مدونتان في سورتين منفصلتين. وبعد ذلك يحجج من يحاجج من دعاة الإسلام عن أن التدوين تم بإلهام رباني!

[12] تفسير الكشاف، جار اللَّه أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، مكتبة العبيكان، الرياض، 1418ﻫ/ 1998م. م1/ ص 682؛ الطبري: 7/ 497، 498؛ الدر المنثور: 4/ 192، 193.

[13] سورة التوبة: 9/28.

[14] تفسير الطبري.

[15] سورة آل عمران: 3/19.

[16] سورة الأنفال: 8/39؛ سورة التوبة: 9/33.

[17] صحيح مسلم، كتاب التوبة، رقم 4971.

[18] صحيح مسلم، كتاب التوبة، رقم 4970. قارن مع ما ورد في مسند أحمد، كتاب أول مسند الكوفيين، حديث أبي موسى الأشعري، رقم 18666.

[19] صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإنْ كثر قتله، حديث رقم 4969.

[20] الكشاف: 1/ 682. قارن: القرطبي: 5/ 485؛ قارن الطبري: 7/ 498 ـ 499.

[21] تفسير الفخر الرازي، محمد الرازي، دار الفكر، 1401 ﻫ/ 1981م، م9/ 159.

==========

مالك مسلماني: tammuzm@hotmail.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط