إسحق مارديني / Nov 27, 2014

نزولًا عندَ رغبة بنك أبو ظبي الإماراتيّ الوطنيّ وافق نادي ريـال مدريد الإسبانيّ على نزعِ الصّليب من شعارِه في المنطقة العربيّة الإسلاميّة، الشّعار الذي اشتهرَ به منذ سنة 1920. وجاءَ هذا الطّلب لأنَّ الشّعار الجديد بدون الصّليب سيظهر على بطاقات الائتمان التي سيصدرها البنك الإماراتيّ بعد أن أبرمَ البنك اتّفاقية شراكة مع النّادي الإسبانيّ يصبح بموجبها الرّاعي الرّسميّ له في الإمارات والشّرق الأوسط. 

 

فأمّا أسباب هذا الطّلب فأهمّها الحفاظ على شعبيّة النّادي في المنطقة العربيّة المسلمة، واحترامًا للمشاعر الدّينيّة الإسلاميّة. بما يعني أنَّ رمز الصّليب هو اعتداء على مشاعر المسلمين وانتهاك صارخ لحقوقهم العاطفيّة الدّينيّة. وهذا يعني بشكلٍ آخر أنَّ مجمل الاضطهادات والتّضييقات التي عاناها المسيحيّون في الدّول الإسلاميّة إنّما كانت لأنّهم يحملون رموزًا تنتهك مشاعر المسلمين وتؤذي عواطفهم الدّينيّة. 

 

بغضّ النّظر عن موافقة نادي كريال مدريد يسعى إلى الرّبح المادّي دون الاهتمام بأيّ من مبادئه الدّينيّة أو الثّقافيّة في مواجهة عرضٍ مادّيٍّ مغرٍ كعرض بنك أبو ظبي، فإنَّ مثل هذا الطّلب لكفيلٌ بأن يختزل ثقافة الإسلام وعقيدته في أرضه وفي كلِّ أرضٍ قد يبلغها ألا وهي إقصاء أيّة عقيدة غير عقيدته، وإلغاء أيّة ثقافة غير ثقافته. عنصريّة بما لا يكفي هذه الكلمة أن تعبّر عن عنصريّة الإسلام البغيضة. 

 

لو قلبنا الآية رأسًا على عقب، وقامت إحدى المؤسّسات العالميّة، أيًّا كانت عقيدتها الدّينيّة، بطلب نزع رمزٍ دينيٍّ إسلاميّ عن شعارٍ أو ما شابه بحجّة أنَّ هذا الرّمز الإسلاميّ يُسيء إلى مشاعر أتباع هذه العقيدة الدّينيّة فماذا يُمكن أن نتوقّع أن تكونَ ردّة فعل المسلمين على طلبٍ كهذا؟! هياجٌ وبربريّة وحرقٌ وقتلٌ واغتصاب لأنَّ هذه المؤسّسة وأتباعها يعانون من العنصريّة والإسلاموفوبيّا، وأنّها تضطهدُ المسلمين وتنتهك أقلّ حقوقهم الإنسانيّة في التّعبير عن رموزهم الدّينيّة بحريّة تامّة. هل فكّر المسلمُ بهذا يومًا؟! هل تأمّل قليلًا في آية المسيح: "عامل النّاس كما تحبّ أن يعاملوك"؟! هل يُمكن الإسلام أو المسلمين أن يضعوا أنفسهم على قدم المساواة مع الآخرين أيّا كانت مبادئهم أو عقائدهم؟! بالطّبع لا، وبالتّأكيد كلّا! لا يُمكنهم ولن يمكنهم ذلك طالما هم مأسورون بنصّ إلههم القرآنيّ المقدّس، وأحاديث رسولهم وسنّته، وفقه أئمّتهم وفتاويهم، والافتخار بتاريخهم الدّموي الذي ما زال حتّى اليوم يسفك الدّماء، كلَّ أنواع الدّماء، في كلِّ مكانٍ من العالم... لن يُمكنهم ذلك ما داموا موثَقين بقوانين البداوة وشرائع الغزو وعقائد العنصريّة التي تمنع عنهم أن يروا حقيقة العدالة في الإنسانيّة، وحقيقة المساواة التي يطلبونها في غير بلاد الإسلام وينكرونها في بلاد المسلمين! 

 

حتّى متى سيبقى العالم أخرسَ عن هذه العنصريّة السّرطانيّة التي تفشّت في بلادنا الشّرقيّة فنسخت حضارتها وأعادتها إلى زمن البداوة الأوّل، وهي تتفشّى بسرعة لا مثيل لها في أوروبّا وآسيا وكل بلدان العالم. صمتُ العالم عن هذا السّرطان المستعصي يعني أنّه يحفرُ قبرَه بيديه، ويحفرُ قبرَ الأجيال القادمة. وكلُّ إنسانٍ يصمت عن جريمة وجود الإسلام في العالم فإنّه بصمته يحفرُ القبرَ لأبنائه ولأحفادِه ويصنع جحيمهم بيديه.

 

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط