هشام محمد / May 10, 2005

ـ 1 ـ
السؤال: يقول ما حكم السفر إلي بلاد الكفار للترفيه مع العلم أن الإنسان سيلتزم بزيه الإسلامي وواجباته والله الموفق؟
الشيخ: لاشك أن السفر إلي بلاد الكفار خطر على الإنسان مهما كان في التقوى والالتزام والمحافظة فهو إما مكروه أو محرم إلا لحاجة والنزهة ليست بحاجة ففي بلاد الإسلام ولله الحمد من المنتزهات الكثيرة ما هو كفيل بإشباع رغبة الإنسان على الوجه المباح ولا حاجة به إلي بلاد الكفر ثم إن النفس أمارة بالسوء قد تسول له نفسه أن يفعل ما لا يحل له شرعاً في تلك البلاد التي لا تحل حلالاً ولا تحرم حراماً ثم إنه قد يألف ذلك سنة بعد سنة حتى يرغب في أولئك القوم ويحلو له ما يفعلون من عادات وغيرها مخالفة للشرع وحينئذٍ يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه.

السؤال: هذه الرسالة وردتنا من الأخ صلاح ساري أبو الخير من جمهورية مصر العربية من دقلهية يقول في رسالته ما هو حكم في الذي يقرأ بالإنجيل فهل هو حلال أم حرام مع العلم أنه يتلو القرآن؟
الشيخ: تلاوة غير القرآن الكريم من الكتب السابقة تقسم إلي قسمين أحدهما أن يكون التالي عالم بالشريعة ويتلوها ليقم الحجة على معتنقيها بصدق ما جاء به الإسلام فالتلاوة هنا وسيلة إلي محمود إلي أمر محمود فتكون محمودة والقسم الثاني أن تكون التلاوة من عامي لا يعرف سيقصد الاهتداء بهذه الكتب فهذه حرام عليه أي هذه التلاوة حرام عليه لأنه لا يجوز أن يسترشد بالكتب السابقة وعنده هذا القرآن الكريم الذي كان مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليها ولا يجوز الاهتداء بغير ما
جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو خلاصة الجواب في مسألة مطالعة كتب غير المسلمين نعم.

السؤال: هذه رسالة من عثمان محمد علي سوداني يقول في رسالته عثرت على بعض الكتب المسيحية فهل يصح إحراقها أم يجب عليّ أن أدفعها للمسيحيين لأنها تخصهم؟
الشيخ: الجواب كأن السائل يريد أنه وجد نسخاً من الإنجيل وأشكل عليه هل يحرقها أو يدفعها للنصارى الذين يدعون أنهم متبعون لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام والذي أرى أنه يجب عليه إحراقها وأنه لا يحل له أن يعطيها النصارى.

السؤال: هذه أسئلة واستفسارات وردت من المستمعين نبدأها بالمرسل إبراهيم ابن مقبول يقول إذا جاءك الكافر وبدأك بالسلام هل يجوز أن ترد عليه بالقول وعليك السلام وما هي كيفية الرد عليه؟ وهل يجوز أن تبادئه بالسلام ما رايكم وفقكم الله لخير العمل؟
الشيخ: الحمد لله لا يجوز بداءة الكافر بالسلام أن تقول له السلام عليكم ولكن إذا سلم ترد عليه بهذا اللفظ الذي أقوله الآن تقول (وعليكم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك بالنسبة لأهل الكتاب ومن سواهم فهو مثلهم إن لم يكن أدنى منهم.

السؤال: هذا مستمع للبرنامج سيد محمد من سوهاج جمهورية مصر العربية يقول أنه متزوج ويعمل خارج بلده مع مجموعة من الأجانب المسيحيين ويكون بيننا وبينهم الأكل والشرب هل يجوز معاملة هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟
الشيخ: معاملة غير المسلمين على سبيل الموادة والمحبة والولاية محرمة لا تجد كما قال الله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) و لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ولقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) فالواجب على المسلم كراهة أعداء الله الذين هم أعداء له في الحقيقة وهم كل كافر أي كان نوع كفره سواء أن كان يهودياً أم نصرانياً أم مجوسياً أم دهرياً لا يؤمن بشيء فإن الواجب على المسلم بغضهم وكلما ابتعد عنهم كان أسلم لدينه وأصلح لقلبه لكن إذا ابتلي بهم بأن كانوا له شركاء في العمل فإنه لا حرج عليه أن يأكل معهم إذا لم يمكنه الإنفراد وفي هذه الحال ينبغي بل يجب عليه أن يدعوهم إلى الإسلام ويبين لهم محاسنه وما يدريك لعل الله يفتح على قلوبهم فيهديهم فإن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وكم من شخص يستبعد حصول الهداية لهؤلاء ولكن تأتي هدايتهم بأيسر ما يكون وإذا أخلص الإنسان الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وسلك طريق الحكمة في ذلك فإنه يوشك أن يوفق وأن يهدي الله على يديه خلقاً كثيراً.

ـ 2 ـ

تلك عينة منتخبة من أسئلة كثيرة جداً كانت تتدفق من كل أقطار العالم الإسلامي على البرنامج الإذاعي (نور على الدرب) والذي تقدمه إذاعة (القرآن الكريم) السعودية، وكان الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت 2001) يتولى الإجابة عليها برحابة صدره المعهودة! والشيخ بن عثيمين ـ لمن لا يعرف ـ من أكبر علماء الدين السعوديين في القرن المنصرم، ولا أبالغ لو قلت أنه كان من أكثرهم غلواً وتطرفاً، ولعل نظرة عابرة على إجاباته أعلاه تكشف بلا مواربة عن تصلبه وتزمته مع المختلف. وعموماً فإن القضايا التي كانت تطرح في البرنامج أقرب ما تكون إلى "الفقه الاستهلاكي" أو الترفيهي والمفرغ بالكامل من الإحساس بحراجة القضايا المصيرية وأهمية الاستحقاقات الكبرى التي يتوجب على الأمة الإسلامية مواجهتها كقضايا التنمية والديمقراطية وتحرير المرأة وتطوير المناهج التعليمية. فمن ضمن تلك التساؤلات والتي لا أشك مطلقاً في جدية سائليها وقلقهم ولا في صدق المجيب وإخلاصه مثلاً: هل يجوز أن أقف للمعلمة عندما تدخل الصف؟ هل أضع يدي اليمنى أم اليسرى أم كلاهما عندما أتثاءب؟ هل تصح صلاتي بجوار رجل مسبل (مطيل الثوب تحت الكعبين)؟ هل يجوز أن نقول شكراً أم جزاك الله خير؟ وعلى ما يبدو فإن تلامذة ومحبي الشيخ الجليل – وهم كثر - وجدوا أن آلاف الأسئلة التي كانت تهطل بغزارة على البرنامج عبر سنوات كثيرة غالباً ما تلامس في جوهرها هموم المسلم الحياتية والعقائدية وأن إجابات الشيخ بما عرف عنه من سعة الإطلاع وصواب الأحكام ستكون بمثابة البلسم الشافي والجواب الكافي. لهذا فقد قاموا مشكورين بتجميع الأسئلة والإجابات العثيمنية بالإضافة إلى مؤلفاته ومحاضراته وكل آثاره (العلمية) عليها في موقع الشيخ الضخم http://www.ibnothaimeen.com)


بن عثيمين يبدو لي عقلية مغرقة في ماضويتها وانغلاقها ضد رياح التغيير والتحديث، وروح مفعمة بالاستعلاء ومتشربة بالإحساس بالتفوق على غير المسلم. إنه من الخطأ التعامل معها كما لو كانت حالة شاذة غير قابلة للتحليل والتعليل، فالرجل كان يحظى بمكانة رفيعة وسط التيار الديني، وكتبه في فروع الدين مازالت تملأ رفوف المكتبات، وشهرته طبقت الآفاق وجاوزت الحدود الإقليمية. إن تصنيف الشيخ
ـ ولو بدا زوراً ـ ضمن التيار "الوسطي والمعتدل" على الأقل في السعودية يشف عن مزاج عام يعتري الحياة الدينية والثقافية في المنطقة قوامها هيمنة "الإسلام الشعبي" الشغوف بالحدود والعقوبات والطقوس والشكليات والعاجز عن التأثير والتأثر بالقضايا الإنسانية المعاصرة.

ـ 3 ـ

وعلى النقيض من الدعاوى السامة والفتاوى المفخخة والتي ما انفكت تحرض على القطيعة والخصومة مع المختلف حيناً وعلى النفخ في رماد حرب دينية تلتهم الأخضر واليابس حيناً أخرى، يقدم الدكتور صلاح جرار في كتابه الموسوم "زمان الوصل: دراسات في التفاعل الحضاري والثقافي في الأندلس" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر: الطبعة الأولى، 2004) نموذجاً تاريخياً لصور التمازج الحضاري والتفاعل الثقافي والتبادل اللغوي في بلاد الأندلس. اختار الدكتور جرار الأندلس مكاناً وفترة الحكم العربي زماناً (92-897 هــ) للتأكيد على أن البشر بالرغم من تناقضات الدين واللغة والعرق قادرون - متى صلحت النوايا وشاعت قيم التسامح - أن يستثمروا التنوع والثراء الثقافي من أجل إقامة حضارة زاهرة لا من أجل الاحتراب والإيذاء المتبادل. الكتاب جملة وتفصيلاً يسقط الخلفية العسكرية التي دائماً ما تظلل فترة التواجد العربي هناك لحساب التنقيب عن نقاط التواصل الحضاري ليس فقط بين مكونات المجتمع الأندلسي الفسيفسائي بل حتى بين الأندلس وباقي البلدان الأوروبية. ونظراً لاحتواء الكتاب على نماذج تاريخية غنية كشفت عن حالات من التلاقح الثقافي بين الأندلسيين وغيرهم فإنني سأكتفي بذكر عدد محدود من الأمثلة لعل فيها الفائدة المرجوة.
تبادل الكتب والمؤلفات: ورد في كتاب "الذيل والتكملة" لابن عبد الملك المراكشي في تفسير كثرة الكتب لدى أبي عبد الله محمد المالقي "أن مجاعة حدثت في بعض بلاد الروم، فأوسق مركباً كبيراً بالزرع، وأوعز إلى متحمله ألا يبيع لهم شيئاً إلا بالكتب، وكان حسن المعرفة بانتقائها، فجلب له منها الكثير النفيس الذي عجز عن الاتصال به كثير من أبناء عصره". وفي الجانب الآخر كان الباحثون الأوروبيون يعتمدون على المصادر الأندلسية في مؤلفاتهم، فقد اعتمد الفونسو العاشر الحكيم في كتابه "التاريخ العام" على مصادر عربية مثل كتاب آداب الفلاسفة لحنين بن إسحاق وكتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري.
الترجمة: حظيت مؤلفات العرب في الطب والفلسفة باهتمام بارز من قبل الأوروبيين، وكان كتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف" لأبي القاسم الزهراوي المعروف عند اللاتيين باسم أبو الكاسيس، وهو كتاب في الجراحة، قد حظي بمكانة هامة حيث ترجمه إلى اللاتينية جيرارد الكريموني، وكثر اعتماد الناس عليه في العصور الوسطى. وكذلك فقد قام اليهودي يونس بن إسحاق بن بكلارش بترجمة كتاب في الطب سماه "المستعيني" نسبة إلى المستعين بن هود صاحب سرقسطه، وأورد فيه أسماء الأدوية بالسريانية والفارسية واليونانية والعربية واللاتينية التي كان يستعملها أهل الأندلس. وبلغت حركة الترجمة ذراها في القرن الثاني عشر ميلادي عندما نشط اليهود في ترجمة كتب العرب
إلى العبرية لأبناء جلدتهم من يهود اسبانيا.
نشاطات تعليمية مشتركة: ساح بعض العرب في بلاد الروم بحثاً عن المعرفة، ومنهم عالم النباتات أبي محمد ضياء الدين بن البيطار المالقي (ت 646 هـ) الذي سافر على بلاد الإغريق وأقصى بلاد الروم والمغرب والتقى في أسفاره بأناس يشاركونه همومه البحثية. ومن الأندلسيين أيضاً محمد بن علي القربلياني (ت 761 هـ) فقد أخذ الجراحة عن فوج من محسني صناعة عمل اليد من الروم. أما من جاء إلى الأندلس لاكتساب المعرفة فيذكر منهم جربرت أوريلاك المعروف باسم البابا سلفستر الثاني فقد قدم إلى الأندلس لتوسيع مداركه في الرياضيات والموسيقى والفلك من عرب أشبيليا. وبلغ اهتمام الإمبراطور الألماني بالعلم والثقافة أن بعث بسفارة إلى الأندلس أيام الخليفة الأموي الناصر سنة 342 هـ للاطلاع عن قرب على الحياة الثقافية والعلمية ونقلها من ثم إلى ألمانيا، وعندما انتهت فترة سفارة الإمبراطور كان سفيره قادراً على التكلم بالعربية ونقل معه إلى بلاده الكثير من المخطوطات العربية.
احتفاء مسلمي الأندلس بأعياد المسيحيين: لم يكن مسلمو الأندلس أقل تعلقاً وولعاً بالمناسبات الدينية المسيحية من أخوتهم من المسيحيين. تذكر المصادر التاريخية أن المسلمين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر حلول عيد ميلاد المسيح في الأول من يناير (عيد النيروز)، وعيد ميلاد النبي يوحنا بن زكريا، ويقال له العنصرة (أو المهرجان)، وعيد الرابع والعشرين من ابريل (عيد الفصح). في تلك الأعياد كانت مظاهر الفرح والبهجة تعم الأندلس من أقصاها إلى أقصاه، حيث يتبادل الناس – عامة وخاصة – الهدايا، حتى الطلبة كانوا يهدون شيوخهم،
كما كانوا يذبحون الذبائح، وكانت النساء على وجه الخصوص في عيد العنصرة يرششن بيوتهن بالماء ويلقين في ثيابهم ورق الأكرنب ويغتسلن.

ـ 4 ـ

بالرغم من انقضاء ما يربو على خمسة قرون على إجلاء أكثرية العرب من الأندلس وذوبان من بقي داخل النسيج الأسباني إلا أن الجرح مازال رطباً في الذاكرة، كما لو أن غرناطة ـ آخر معاقل العرب ـ قد سقطت بالأمس. إن ذكر الأندلس كفيل بانتزاع الآهات من الصدور، وإشعال النار في هشيم الذكريات البعيدة، فهي كانت حقاً درة المستعمرات العربية وجوهرة تاج الإمبريالية الإسلامية. لهؤلاء المتباكين على "الفردوس المفقود" أقول لهم كفكفوا دموعكم فالحضارة التي أساسها أجدادكم الأوائل لم تنهض على حد السيف أو على إيقاع حوافر خيولهم، بل نهضت بفعل رعايتهم للعلوم والآداب وحبهم للفنون والموسيقى والجمال وفوق هذا نشرهم لقيم التسامح والإخاء بين مكونات المجتمع الأندلس الفسيفسائي، تلك القيم التي أنتم بها كافرون. إنه من الغريب.. بل من المحزن أن يكون الأجداد في عصور الظلام أكثر وعياً وتفتحاً وتقبلاً للآخر من أحفادهم الذين ولدوا في عصر الإنترنت والعولمة والفضائيات.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط