بسام درويش / Mar 13, 2017

"لكلّ مقامٍ مقال" عبارةٌ عربية معروفة تعني إنَّ "ما يمكنك قوله في مكانٍ ما أو لشخصٍ ما قد لا يصلح أن يُقالَ في مكانٍ آخر أو لشخصٍ آخر."

وإنْ صحّ وصفُ هذه العبارة افتراضاً بالحكمة، فإنها بحقٍّ حكمةٌ لا يبزُّ أئمة المسلمين في تطبيقها شعبٌ من الشعوب!

*************

خلال الحفل الديني التقليدي الذي شارك فيه ممثلون عن مختلف الديانات والطوائف للصلاة من أجل الرئيس الجديد دونالد ترامب في اليوم التالي لتنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، وقف إمامٌ مسلمٌ يتلو بصوتٍ "خاشع" آيةً من القرآن تقول: "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله خبير عليم."

تلاها بالعربية ثم ترجم كلماتها إلى الانجليزية حتى لا يفوتَ السامعين شيءٌ مما تتضمنه من دعوةٍ إلى "التسامح والتعايش!"

*************

كلُّ واحد من ممثلي هذ الديانات أعطي دقائقَ قليلة، كانت أكثر من كافية، وإلاّ لربما كنا قد رأينا الرئيس ترامب الذي أصبح معروفاً بخروجه عن المألوف من النفاق الدبلوماسي يطلب منهم جميعاً أن يخففوا ويختصروا...! لكني في الواقع تمنيت من أعماق قلبي لو استثني هذا الإمام من بين كل المشاركين فأعطي كل ما يحتاجه من الوقت لتلاوة القرآن بكامله. تمنيت ذلك كي أرى ردّة الفعل على وجوه الحاضرين حين يصل خاصةً إلى الاية التي تحرّض على قتال المسيحيين واليهود وتخييرهم بين اعتناق الإسلام أو الموت أو دفع ضريبة حياتهم:

"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون."(1) (9 : 29)

تصوروا وجه هذا الإمام وهو يحاول الإجابة على أسئلة الحاضرين: "من هم أهل الكتاب الذين يأمر الله بقتالهم إلى أن يؤمنوا بدين الحق...؟" وما معنى "حتى يعطوا الجزية عن يدٍ..؟ وما معنى "صاغرون...؟" وماذا يكون مصير أهل الكتاب لو قرروا أن لا يؤمنوا بدين الحق هذا أو أن لا يدفعوا الجزية...؟

وتصوروا وجوه الحاضرين عندما يصل إلى آيات القرآن التي تصفهم بالحيوانات أو بسلالة القردة والخنازير أو تلك التي تحذر المسلمين من مصادقتهم:

"إنّ شرّ الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون" (8 : 55)

"قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير.." (5 : 60)، "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين." (2 : 65)

"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولاَّهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين." (5 : 51)

"لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخرِ يُوادّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم!" (58 : 123)

"قاتلوهم يعذّبْهمُ الله بأيديكُم ويُخزِهِم وينصرْكم عليهم ويشفِ صدورَ قومٍ مؤمنين" (9 : 12 – 14)

"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتلوا أو يصلبوا أو تُـقطعَ أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرضِ ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخـرة عذاب عظيم." (5 : 33)

ثمّ تصوروا بعد ذلك لو أنه ختم تلاوته لتلك الآيات برفع صوته بالتكبير... الله أكبر... الله أكبر... كي نرى ردة الفعل على وجوه الحاضرين وهم يسمعون هذا النداء الذي لا يحمل معه إلا صور الدماء والجثث المتطايرة والرؤوس المقطوعة.

**************

حين يكون مقامُ هذا الإمام مسجداً في دولةٍ إسلامية، فإن مقاله سيناسب المقام. لن يخجل آنذاك من استخدام ما في القرآن والأحاديث من عباراتٍ يخاطب بها المسلمين محرضاً إياهم على قتال الكفار أو عدم مصادقة جيرانهم من المسيحيين أو اليهود أو حتى عدم مبادرتهم بالتحية. ولن يخجل من الدعاء عليهم وعلى نسائهم وأولادهم بالتشرد والترمّل والتيتم وبزلزلة الأرض تحت أقدامهم وإباحة أموالهم غنيمة للمسلمين. أما حين يكون مقامه مجلساً في الغرب يخاطب أناساً متحضرين، فإنه يسارع إلى الغوص في قاع قرآنه - الذي صدق علي بن أبي طالب نفسه بوصفه أنه "حمّال أوجهٍ" - ليطلع منه ببعض آياتٍ يعتقدُ أن بإمكانه تبييض وجه الإسلام بها.

**************

هؤلاء المنافقون ينطبق عليهم قول قرآنهم: "يُخفون ما في أنفسهم ما لا يبدون لك"، لكنهم في الحقيقة، "ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون!"

================

(1) جاء في تفسير ابن كثير: "بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ولهذا تجهز رسول الله لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك.. .. أما عن قوله وهم صاغرون: "أي ذليلون حقيرون مُهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء." كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن محمداً قال "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" وجاء في تفسير الطبري: وأما قوله: "وهم صاغرون" فإن معناه: وهم أذلاء مقهورون. وأيضاً: أن يعطوها وهم واقفون والآخذ جالس.

==================

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط