بسام درويش
/
Jan 30, 2004
حطّ المسبار الفضائي "سپيريت" (الروح) على سطح المريخ وبدأ بإرسال صور لتضاريسه وأخذ عينات من تربته. وبعد ثلاثة أسابيع، حطّ المسبار الآخر الذي يحمل اسم "أوپورتبونيتي" (الفرصة) على الطرف الآخر من الكوكب في بقعة يعتقد العلماء أنها كانت في الماضي مركز تجمعٍ للمياه.
وفي مركز وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" على الأرض، تعالى هتاف العلماء وأخذ بعضهم يعانق البعض الآخر مهنئاً وفرحاً بهذا الإنجاز العظيم.
هبوط المسبارين على سطح هذا الكوكب الذي يبعد عن الأرض بما يزيد عن المائة مليون ميلٍ، ليس إنجازاً عظيماً لأمة واحدة ولصالح فئة معينة من بني البشر. هذا الإنجاز لا يُقصدُ منه إظهار تفوقٍ علميٍّ لأمة على أخرى، أو سعيٌ إلى تفوق عسكريٍّ لغاية إفناء أمة من قبل أمة أخرى، إنما هو إنجاز يحققه العلم لصالح الإنسان ككل.
مِن هؤلاء العلماء مَن آمن بإلهٍ خالقٍ مُبدع هو وحده مصدرُ العقل الذي أوصل الإنسان إلى ما وصل إليه. ومنهم مَن آمن بأن العقل هو الإله نفسه. لكن، ليس هناك من شكّ بأنّ هؤلاء العلماء كلهم قد عملوا معاً بمعزل عن معتقداتهم، حتى ولو انتهى الأمر ببعضهم، بعد تحقيق الإنجاز، إلى الاعتزاز بعقل الإنسان المبدع، أو إلى تمجيد الإله الذي خلق هذا العقل. القاسم المشترك الذي يجمع بينهم، هو أنّ كل واحد منهم قد نذر حياته لسبر أغوار العلم كي تصبَّ بحوثُه وخبراتُه في النهاية في بوتقةٍ واحدة. هذه البوتقة، سبق وأن حملت أسماء متعددة كان منها مؤخراً اسم "سپيريت" و "أوپورتبونيتي".
علماء الفضاء هؤلاء، وغيرهم من علماء الطب والنبات والجيولوجيا والكيمياء والفيزياء وما شابه ذلك، هم وحدهم الذين يستحقون لقب "العلماء"، ذلك أنهم لم يقضوا حياتهم يتباحثون فيما لا خير فيه لبني البشر، إنما في دراسة كل نظرية علمية وفي العمل على تطوير كل اختراع علمي جاء به غيرهم، لغاية واحدة ـ واحدة فقط ـ وهي "مستقبل أفضل للإنسان ككل".
ما توصلت إليه أمريكا في علوم الفضاء أو أية علوم أخرى، ليس حصيلة جهود لعلماء أمريكيين، إنما لعلماء من مختلف أمم العالم. لكن الحق يقال، أنه لولا أمريكا وما توفره من دعم وتشجيع ومناخ حر للعلم والعلماء، لما تمتع العالم بشيء مما يتمتع به اليوم. إضافة إلى ذلك، فإن ما تنفقه أمريكا من أموال دافعي الضرائب على البحوث العلمية لا تنفقه أية أمة أخرى، ولكنها لا تتوقف في إنفاقها لهذه الأموال داخل حدودها وعلى أرضها فقط، إنما تقدّم منحاً للعديد من دول العالم لهذه الغاية نفسها، ومن ضمنها الدول العربية والإسلامية. طبعاً، هذا الكلام لا يعني استخفافاً بمساهمات أمم أخرى في تقدم البشرية، كاليابان وروسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا على سبيل المثال، لكن، لا شكّ بأن أمريكا هي الرائدة بكل تأكيد. هنا يبرز سؤالان:
السؤال الأول: كيف يستخدم العرب هذه الإمكانيات العلمية الهائلة التي يحصلون عليها من أمريكا وغيرها من دول العالم؟..
لندع جانباً الطائرات المدنية التي وَجَد فيها العرب سلاحاً جديداً فتاكاً. ولندع جانباً الحديث عن كل أنواع التكنولوجيا والطاقات النووية والبيولوجية، التي لم يروا فيها إلا وسائل تهديد للعالم. لنتحدّث عن اختراع واحد فقط ـ الإنترنت ـ وهو الذي يمكن أن يوصف بحق بأنه من أعظم الاختراعات الحديثة التي حوّلت العالم كله إلى قرية صغيرة.
إنّ المرءَ لَيفتَرِضُ بأنّ عالَماً متخلفاً كالعالم العربي، لا بدّ وأن يكون توّاقاً لاستخدام أي اختراع علمي حديث، لتحسين أوضاعه، والخروج من عزلته العلمية والفكرية بسرعة أعظم من سرعة الضوء حتى يتمكن من اللحاق بغيره من أمم العالم. لكنّ نظرةَ على المواقع العربية على الإنترنت لَتُظهِرُ العربَ وكأنّهم لا يرون في مخترعات العالم إلا وسيلة للحفاظ على ما "يَنعمون" به من جهل ودعمه بكل الوسائل.
مُعظَمُ هذه المواقع هي للدراسات الإسلامية ـ التي هي بحد ذاتها أهم أسباب تأخر العرب ـ أو منتديات للمسلمين تبعث على الرثاء لما يتداولون فيها من مواضيع، أو منابر تشجع على معاداة الشعوب والأديان الأخرى، أو صفحات هزيلة لأنظمة الحكمِ لا تختلف بشيء عن إذاعاتها وصحفها الموجهة، أو مواقع شخصية لأفراد لا تعكس محتوياتها إلا ما غُسلت به أدمغتهم من دعاياتٍ لأنظمةِ الحكمِ التي عاشوا في ظلها طوال عمرهم.
إنه ليصعب على قارئ العربية أن يجد موقعاً واحداً يبحث تاريخ العرب والمسلمين بموضوعية وحياد. ليس هناك موقع واحد يحوي موسوعة معارف رصينة باللغة العربية يمكن لقارئ العربية أن يعتمد عليها في بحوثه ودراساته. ليس هناك موقع واحد متخصص في علوم الفضاء أو عالم البحار. لكن، إذا أراد القارئ أن يبحث عن حكم الشرع الإسلامي في المرأة التي ترفض النوم مع زوجها، أو عما تقوله كتب الأحاديث عن ضرورة قتل آخر يهودي قبل قيام الساعة، فإنه سيُبْحر في مئات المواقع التي تجيب على أسئلته!
*******
قلنا، بأن إنفاق أمريكا على البحوث العلمية لا يقتصر على داخل حدودها فقط، إنما تقدّم منحاً للعديد من دول العالم، ومن ضمنها الدول العربية والإسلامية من أجل مساعدتها على تطوير أبحاثها العلمية المتعلقة بالبيئة أو المياه أو الزراعة أو الصحة العامة أو غير ذلك.
وهنا يبرز السؤال الثاني: ماذا تقدّم الدول العربية والإسلامية الغنية لشعوب الدول العربية والإسلامية الأخرى التي هي أقل حظاً منها؟..
الجواب بسيط جداً: مصاحف ومساجد ومدارس إسلامية تخرّج مهووسين دينيين وعلماء في فنون الإرهاب.
أما المستشفيات والأطباء والأدوية واللقاحات وخبراء التغذية والمدارس "الحقيقية" وأجهزة الكمبيوتر، والكتب العلمية، فهذه ـ طبعاً ـ مهمة تقع على عاتق الغرب!
*************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط